مصر: ماذا تكشف نتائج الانتخابات بشأن شعبية جماعة الإخوان المسلمين
بي بي سي :
فازت جماعة الإخوان المسلمون بكل تصويت ديموقراطي في مصر منذ سقوط الرئيس السابق حسني مبارك، لكن النتائج بمفردها لا تعطي صورة حقيقية حول قوة شعبيتهم.
كان تقييم شعبية الرؤساء العرب، وأحزابهم السياسية والأيديولوجيات الخاصة بهم أمرا مستحيلا، وذلك بسبب غياب حرية التعبير والتجمع تحت حكومات الشرق الأوسط السلطوية.
وقد تغير ذلك مع الربيع العربي حينما أتت الديمقراطية - التي تطورت عبر قرون في معظم البلدان - بين ليلة وضحاها في العديد من دول المنطقة.
وتواجه ثورة مصر الشهيرة في 2011 الآن تحديات عميقة، لكنها أسفرت، لبضعة سنوات على الأقل، عن مؤسسات ديموقراطية تمثلت في استفتاءين وثلاث انتخابات، والتي كانت جميعها حرة ونزيهة بشكل عام، وكما يذهب القول، فازت بها جميعا جماعة الإخوان المسلمون وحزبها السياسي الحرية والعدالة.
فكيف إذاً تجد جماعة الإخوان المسلمين التي شكلت أول حكومة ديموقراطية في مصر مئات القتلى من مؤيديها، وتجد قادتها قيد الاعتقال، ويعاد النظر في مدى شرعيتها مرة أخرى وهي تواجه قمعا شديدا من السلطات العسكرية؟ كيف فعل الجيش هذا باسم وجود "مطلب شعبي"؟ وكيف أن ملايين المصريين تجمعوا لدعم سياسة الجيش؟
ويكمن جزء من الإجابة على هذه الأسئلة في مزيد من التدقيق في فكرة أن الإخوان فازوا في اقتراع ديموقراطي خمس مرات، أو أن هذه الانتصارات مثلت إعجابا شعبيا حاشدا.
وهناك تفسير أعمق من ذلك، وهو أنه بينما كانت هذه الانتخابات تمثل انتصارات سياسية لجماعة الإخوان المسلمين، إلا أنها لم تكن دليلا على وجود شعبية واسعة، وكانت قاعدة التأييد لجماعة الإخوان أكثر محدودية، وبدت السياسة في مصر أكثر استقطابا مما قد يبدو عليه نجاح الجماعة من الناحية الانتخابية.
التصويت الأول: الاستفتاء على الدستور في مارس/آذار 2011
صوت المصريون على تعديل الدستور الموجود بالفعل أو إلغائه تماما. وقادت جماعة الإخوان دعوة لتأييد تعديل الدستور وليس إلغائه، وهو ما استطاعت الفوز فيه بنسبة 77 في المئة من الأصوات مقابل 23 في المئة للرافضين. وكانت نسبة الإقبال على الاستفتاء 41 في المئة ممن يحق لهم التصويت. لكن الاستفتاءات تمثل تصويتا على أمور محددة وليس على أحزاب سياسية، كما كانت جماعة الإخوان واحدة من بين العديد من المجموعات البارزة التي كانت تدعو لتعديل الدستور. وبالتالي فالقول بأن النتيجة كانت نصرا لجماعة الإخوان المسلمين وحدها يمثل إشكالية، كما أن اعتبار النتيجة رمزا لشعبية الإخوان الواسعة أيضا هو أمر أكثر صعوبة.
التصويت الثاني: انتخابات مجلس الشعب، نوفمبر/تشرين الثاني 2011- يناير/كانون الثاني 2012
كان حزب الحرية والعدالة لجماعة الإخوان المسلمين واحدا من عشرات الأحزاب المتنافسة، وفاز الحزب بـ 43 في المئة من المقاعد في مجلس الشعب وهو ما يمثل 37 في المئة من أصوات الناخبين، بينما كانت نسبة الإقبال 52 في المئة من عدد المقيدين بجداول الناخبين. كما حققت بعض الجماعات الإسلامية الأكثر محافظة نتائج جيدة، حيث حصلت على 25 في المئة من المقاعد. وبالتالي كان فوز حزب الحرية والعدالة يعني أنه كان الحزب صاحب الأداء الأفضل، والذي حقق لنفسه وضعا قويا للتأثير على عملية التشريع. لكن الأرقام التي حصل عليها الحزب ونسبة الإقبال على التصويت تجعل من الصعب أن نرى هذا التصويت على أنه دليل على شعبية واسعة لحزب الحرية والعدالة.
التصويت الثالث: انتخابات مجلس الشورى، يناير/كانون الثاني – فبراير/شباط 2012
في هذه المرة أيضا يظهر حزب الحرية والعدالة كأفضل حزب من حيث الأداء، وقد حصل على 58 في المئة من المقاعد المتنافس عليها، وعلى 45 في المئة من إجمالي عدد الأصوات. وكان ذلك نصرا آخر لوضعه في العملية التشريعية، لكنه لم يكن دليلا على دعم شعبي واسع. وكانت نسبة الإقبال ضعيفة حيث بلغت 10 في المئة من أصوات المقيدين بجداول الناخبين.
التصويت الرابع: الانتخابات الرئاسية، يونيو/حزيران 2012
فاز محمد مرسي، مرشح حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين، بأقل من ربع عدد الأصوات في الجولة الأولى من التصويت، لكن في الجولة الثانية حقق أفضل أداء انتخابي للجماعة في تاريخها بحصوله على 51.7 في المئة من الأصوات، وقد بلغت نسبة الإقبال على التصويت 52 في المئة من أعداد الناخبين. لكن مع الوضع في الاعتبار أن خصم محمد مرسي في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وذلك بعد أكثر من عام بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، كان أحمد شفيق، وهو آخر رئيس للوزراء في عهد مبارك، وهو أيضا عسكري مثله، وأحد المقربين منه.
وبالتالي فإن 48 في المئة من هؤلاء المصريين الذين صوتوا في الانتخابات صوتوا لصالح أحد رجال مبارك، ولم يصوتوا لمحمد مرسي. وبالتالي قد يكون أهم انتصار لجماعة الإخوان المسلمين قد كشف عن العمق الحقيقي للاستقطاب السياسي في مصر.
التصويت الخامس: الاستفتاء على الدستور في ديسمبر/كانون الأول 2012
كان ذلك الاستفتاء سببا في ظهور جدل أكبر بكثير من الاستفتاء الأول، بل كان بمثابة تصويت على شعبية الإخوان المسلمين. وانسحب عدد من المجموعات الليبرالية والمسيحية من اللجنة التأسيسية التي كانت تشرف على كتابة الدستور المصري الجديد، اعتراضا منها على أن الإسلاميين كانوا يهيمنون على تلك العملية.
لكن حتى يكون ذلك الدستور محصنا من البطلان القانوني كما كانت تريد المعارضة، أصدر الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي قرارا مؤقتا يمنح نفسه من خلاله حصانة ضد القضاء، ويسمح لمجلس الشعب الذي يسيطر عليه الإسلاميون أيضا بتمرير المسودة الأخيرة من الدستور.
ومع عرض الوثيقة للاستفتاء العام، طالبت المعارضة أنصارها بعدم الذهاب إلى الصناديق للمشاركة في تلك العملية، بينما دعت جماعة الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى أنصارها للإدلاء بأصواتهم. وانتهت عملية الاستفتاء بنسبة بلغت 64 في المئة من المصوتين لصالح الدستور في مقابل 35 في المئة ممن صوتوا برفضه، إلا أن نسبة الإقبال على عملية الاستفتاء كانت 33 في المئة.
ومرة أخرى، اعتبر ذلك نصرا سياسيا للجماعة على الرغم من أنه لم يكن مؤشرا على أنها تتمتع بدعم الأغلبية. إلا أن تزايد خسارة الحكومة لشعبيتها بين الكثير من المصريين كان واضحا.
لذا، فإن الانتصارات الخمسة لجماعة الإخوان كانت مجرد نتائج سياسية لصالحها، إلا أن تلك الانتصارات كانت تخفي حقيقة أن أرضية الجماعة من الدعم السياسي المخلص – حتى في أعلى صوره- كان أقل مما كان يعتقد كثيرون، مع أخذ قدرات الجماعة التنظيمية في الاعتبار.
وكانت الجماعة ولا تزال تتمتع بقاعدة كبيرة من الدعم، إلا أن تحليل الانتخابات السابقة يشير إلى أنها لم تحقق على الإطلاق شعبية كاسحة. حيث يمكن التشكيك في بعض استطلاعات الرأي، كما يمكن تفسير بيانات الانتخابات بطرق مختلفة، وليس بإمكان أي من هذين الأمرين أن يفسر بشكل واضح الطريقة التي انتقل بها الإخوان المسلمون من السلطة إلى أن تكون جماعة مضطهدة خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وقد لا يساعد ذلك على تفسير السبب وراء رد فعل بعض المصريين تجاه مصير الجماعة بالاحتفال بدلا من شعورهم بالصدمة.
فيديو قد يعجبك: