الدولة تبحث عن "ناخب".. وصوت المحبوس والمفقود "في الحفظ والصون"
كتبت- إشراق أحمد:
الإقبال شحيح، واللجان تنادي ناخبيها دون جدوى، عناوين رئيسية لحدث انتظرته الدولة كاستحقاق ثالث في خارطة طريق رسمتها قبل أكثر من عامين، غير أن الشباب قرر العزوف عن خوض غمار الانتخاب، بينما يُظهر موقع اللجنة العليا للانتخابات أن للمحبوس و"الفقيد" حق الانتخاب.
الاستعلام عن اللجنة الانتخابية فعل طبيعي لكل مقبل على المشاركة بالاقتراع، فلا يوجد مانع لعدم تواجد اسم في كشوف الناخبين حتى لو كان الفقد لسنوات دون معرفة مكان التواجد، أو حتى الاحتجاز خلف القضبان لأكثر من عام، فمع إدخال الرقم القومي لمحمد محمود سلامة المختفي منذ 14 سبتمبر 2012 كانت النتيجة "له حق الانتخاب" مع إعطاء تفاصيل المكان المخصص للإدلاء بصوته، وكذلك إسلام خليل المحتجز في سجن كرموز بالإسكندرية منذ 21 سبتمبر الماضي، بعد القبض عليه من منزله في 24 مايو 2015، ليتم احتجازه بجهة غير معلومة منذ ذلك الوقت حتى ظهوره في التاريخ السالف ذكره بنيابة شرق الإسكندرية كما يقول شقيقه نور خليل.
النتيجة التي ظهرت عقب إدخال الرقم القومي لـ"إسلام" على الموقع الخاص باللجنة العليا للانتخابات للاستعلام عن لجنته، لم تختلف عن نتيجة "محمد" في حقه بالتصويت، إلا في المكان المخصص للاقتراع، وهو الأمر الذي لم يتعجب له "نور" الشقيق الأصغر للشاب المحتجز على ذمة الاتهامات الموجهة له بالانضمام لجماعة إرهابية، ومحاولة اقتحام سجن برج العرب والمساعدة في تهريب المساجين، حيث يعتبر هذا جزءا من الوضع المتناقض الذي تعرض له شقيقه، فقد كان "نور" مع أخيه لحظة القبض عليه، لكنه أفرج عنه ووالده الذي قُبضت عليه قوات الأمن معهما، ليخرجا كما دخلا دون سبب، فيما بقي "إسلام" مختفيا 122 يوم في مكان غير معلوم ليظهر بتهمة "ملفقة" حسب قوله.
لم يشارك "إسلام" إلا في استحقاق واحد وهو انتخابات الرئاسة لعام 2012، فالشاب العشريني لا يهتم كثيرا بأمور السياسة كما يقول أخيه، لكن تلك المرة كان يحمل شيء من الأمل حال الكثير كما يقول "نور"، الذي يتصور لو كان شقيقه خارج القضبان لما اكترث كثيرا لذلك الحق الذي تعترف به قائمة بيانات الناخبين "اعتقد المنظومة كلها فقدت شرعيتها عنده.. بعد الانتهاكات اللي حصلت له".
باللجنة الفرعية رقم 46، حاملا رقم 1630 يحتفظ محمد محمود سلامة بتسلسله بين كشوف الناخبين المنتظر توجهم لمدرسة السيدة خديجة الثانوية بنات بمنطقة المطرية في المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب في نوفمبر المقبل، لكن الشاب العشريني لن يذهب، إذ منذ خروجه قبل ثلاثة أعوام من منزله في غضون الثانية ظهرا للمشاركة في التظاهرة الرافضة للفيلم المسيء للرسول الذي ظهر في ذلك الوقت ولم يستدل على مكانه، بعد اتصال أخير أخبر به عائلته أن الأمن يحاصر ميدان التحرير، فيما حررت والدته محاضر وبلاغات للنائب العام تتهم بها وزارة الداخلية باختطاف ابنها، الذي لم يظهر له أثر، لكن ذلك لم يمنع من بقاء اسمه مدرجا في كشوف المحق لهم الانتخاب في جميع الاستحقاقات التي تلت اختفاءه.
الانتخابات البرلمانية هذه تعد الاستحقاق الأول لمحمود محمد أو "معتقل التي شيرت" كما يطلق عليه، ورغم أحقيته بالانتخاب كذلك كما أظهر موقع اللجنة العليا للانتخاب، غير أنه أيضا لن يتمكن من ذلك؛ فالشاب البالغ من العمر 19 عاما يقبع بالسجن منذ 25 يناير 2014، بعد القبض عليه لارتدائه قميص كتب عليه "وطن بلا تعذيب"، حيث يلقى التجديد على ذمة القضية طيلة هذه الفترة.
وفقا لقانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية رقم 46، فإنه يحق للمحبوس احتياطيا على ذمة القضية المشاركة بالانتخاب، وقد أكدت وزارة الداخلية على هذا بالأمس على لسان مدير الإدارة العامة للانتخابات بالوزارة سمير عبد المجيد، لكن الناشط الحقوقي طارق محمد شقيق "محمود" يجد هذا "أمر مضحك جدا"، معتبرا أن قمة التناقض إعطاء حق الانتخاب لنحو 12 ألف شخص محبوس احتياطيا على ذمة قضايا ذات خلفية سياسية -وفقا لإحصاء الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان- حسب قوله، في الوقت الذي تسلب به الدولة حقهم الأساسي وهو الحرية بحبسهم احتياطيا لفترة تتجاوز العام "الأولى تفرج عنهم وبعدين تطالبهم بالانتخاب".
على الرغم من أن المادة الثانية من قانون 46 تُحرم مؤقتا الصادر ضده حكم نهائي في إحدى الجرائم من ممارسه حقه في الانتخاب، غير أن ليلي سويف والدة الناشط الحقوقي علاء عبد الفتاح الذي يقضي فترة حكم الخمس سنوات الصادر ضده في القضية المعروفة إعلاميا "أحداث الشوري"، تقول إن الحكم على ابنها لم يمنع تواجد اسمه ضمن قاعدة بيانات الناخبين، حيث أكدت أستاذة كلية العلوم بجامعة القاهرة والناشطة الحقوقية أن القانون يمنع مشاركة المحكوم عليه، لكن عدم تعديل البيانات بشكل دوري وفعال يجعل نتيجة "له حق الانتخاب" شيء طبيعي، حيث أنها تعتمد على بيانات الرقم القومي وليس السجل الجنائي، وهو ما يعبر عنه القانون 46 في المادة 14، إذ تنص على أنه يقيد تلقائيا أسماء مَن لم يلحق به أي مانع من موانع مباشرة الحقوق السياسية على مدار العام، وتسجل بياناته من واقع بيانات الرقم القومي الثابتة بقاعدة بيانات مصلحة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية.
استنادا على قانون ممارسة الحقوق السياسية، قام علاء عبد الفتاح برفع قضية في مجلس الدولة بينما كان على ذمة قضية "أحداث ماسبيرو" عام 2011 لإثبات حق المحبوس احتياطيا في المشاركة بالانتخابات، وقد حكمت المحكمة بقبول الدعوى، وتلك كانت المرة الأولى حسب قول "سويف" التي يشارك بها ابنها في الانتخابات البرلمانية لعام 2012 بينما هو محبوس، بعد التقدم للجنة العليا للانتخابات بطلب، ليُسمح بالاقتراع داخل السجن عبر لجنة خاصة.
ورغم ما نص عليه القانون بالتعديل الدوري للبيانات، وإخطار النيابة العامة للجنة العليا بوزارة الداخلية بالأحكام القضائية المانعة من ممارسة الحقوق السياسية، وتنويه المادة 16 إلى عدم جواز تعديل البيانات بعد دعوة الناخبين للاقتراع بل قبل ذلك بحد أقصى 15 يوم، غير أن هذا لا يحدث في غالب الأمر كما ترى "سويف"، لعدم وجود نظام يتيح تعديل البيانات المرتبطة بالرقم القومي، وليس تغيير الأحداث "لو حد مات مثلا يوم الانتخابات البيانات مبتتعدلش وبيفضل اسمه في الكشوف ".
فيديو قد يعجبك: