في التنسيق.. لماذا يُسجّل طلبة الثانوية رغباتهم بمعامل الحاسب بدلًا من المنزل؟
كتبت- رنا الجميعي:
تصوير- فريد قطب:
يبدو الأمر مجرد ضغطة زر، غير أنه أكبر من ذلك، داخل معامل الحاسب الآلي، اليوم، يقف الطلبة برفقة عائلاتهم على أبواب حُلم دخول الكلية، ورغم إتاحة كتابة الرغبات من المنزل، لكن هناك عدد لم يستثقل الحر وتعب الطريق، وبُعده أحيانًا، لكتابة الرغبات داخل معامل الحاسب الآلي.
اليوم، فتح باب تسجيل رغبات المرحلة الأولى، لطلبة الثانوية العامة، بحد أدنى، للشعبة العلمية 398 درجة فأكثر، أما الشعبة الهندسية فدرجاتها تبدأ من 389.5 فأكثر، بينما الشعبة الأدبية 328 درجة فأكثر.
خارج معمل الحاسب الآلي لكلية الهندسة، كانت سهيلة محمود، لم تُنهِ بعد من تسجيل الرغبات، حيث جاءت الفتاة، التي يبدو على وجهها ويديها أمارات التوتر، لأخذ النصيحة من موظفي المعمل عن كيفية تسجيل الرغبات "امبارح الموقع مفتحش معايا وكنت فاكرة إن فيه مشكلة عندي، بس جيت هنا وفتحته".
برفقة سهيلة جاءت والدتها، وبدت أكثر هدوء من ابنتها، حيث قالت "أنا أخدت خبرات واستفدت كتير لما جيت هنا، مكنتش عارفة ازاي أرتب الكليات صح حسب الموقع الجغرافي"، ويُذكر أن محافظتي القاهرة والجيزة تعتبر نطاقًا جغرافيًا واحدًا، يضم جامعات القاهرة، وعين شمس، وحلوان.
قررت سهيلة ألا تُنهي تسجيل رغباتها اليوم، حيث تُمنّي الفتاة نفسها بدخول كلية الإعلام، ستُحاول مُجددًا من البيت "ولو جيت أسجل في البيت واتلخبطت هاجي هنا تاني أسجل"، حيث تمتد أيام التسجيل وتعديل الرغبات حتى يوم الخميس المقبل، منذ التاسعة صباحًا وحتى الخامسة مساءً.
لتسجيل الرغبات داخل جامعة القاهرة، من خلال ثلاث كليات رئيسية؛ تستحوذ كلية الزراعة على 4 معامل منها، ومثلها بكلية الهندسة، و3 معامل داخل كلية الدراسات والبحوث الإحصائية، كذلك خصصت جامعة حلوان 5 معامل حاسب آلي، وهناك معمل بكلية هندسة حلوان -الموجودة بحي المطرية، وكلية الفنون الجميلة وكلية التربية الموسيقية وكلية التربية الرياضية.
ومن منطقة سكنية قريبة جاءت ريهام عطية لتسجيل رغباتها داخل معمل كلية الهندسة، اضطرت الفتاة لذلك بسبب تعطل جهاز الكومبيوتر الخاص بها، جلست ريهام قرابة الساعة تُسجل وتحذف، تشاور والدتها التي قدمت برفقتها، لتُسجل في النهاية 75 رغبة، حيث يلزم على طلاب الثانوية العامة هذا العام تسجيل 75 رغبة بدلًا من 60 كما الحال في العام الماضي.
"كتبت سياسة واقتصاد رغبة أولى، وأنا عارفة إني مش هجيبها"، تقول ريهام بنبرة من الخيبة، حيث حصلت على نسبة 92%.
تميل ريهام للغات، لذا سجّلت أولى رغباتها بكليات الإعلام والألسن ثُم كلية الآداب، واستبعدت كلية الآثار، بات هناك ثأر بين ريهام وكلية الآثار، حيث تذكر والدتها "بنتي مقفلة معظم المواد، واتصدمت صدمة كبيرة في التاريخ".
وسط حديث الطلبة وحيرتهم، كانت شروق محمود تجلس جوار أحد موظفي المعمل، الذين حصلوا على خبرة كبيرة في التعامل مع طلبة الثانوية على مدار سنوات، بهدوء يُجيب أيمن عبد المنعم على أسئلة شروق، التي استقرت أخيرًا على تسجيل الرغبة الأولى لها وهي كلية التربية، ثم فروعها بأنحاء الجمهورية بحسب الموقع الجغرافي الخاص بها، الآن تتنفس شروق الصعداء، فحُلم أن تصير مُدرسة أصبح أقرب لها.
لم تعلم شروق أن جامعة حلوان بها عدة معامل للتسجيل، وجاءت من حلوان إلى جامعة القاهرة خصيصًا لذلك، أصرّت والدتها منى على التسجيل داخل أحد المعامل "عشان بتبقى فرحة"، فابنتها شروق هي الفرحة الأولى لها في الثانوية العامة، "أنا معرفش أي حاجة ودي أول مرة، عشان كده جيت أتعلم، ابني أهو خلاص داخل أولى ثانوي السنة الجاية".
داخل المعمل تتداخل في نفس سلمى حيرة شديدة، حصلت الفتاة على نسبة 96%، لكن بسبب عدم الإعلان عن التنسيق، تشعر بالقلق ويظلّ سؤال ماذا إذا جاءت التنسيق أعلى مما تتوقع؟، حاولت سلمى التسجيل من داخل منزلها "هما أربع خطوات، وصلت للصفحة الرابعة اللي هي تسجيل الرغبات ومعرفتش أسجل لوحدي"، لذا قررت بصحبة والدتها القدوم إلى كلية الهندسة للتسجيل.
التشتت الذي أحست به سلمى جعلها تُكثر من الأسئلة، كلما وجدت موظفًا أو طالبًا سألته للتأكد أكثر "بفكر أروح اسأل في إعلام أشوف اختبار القدرات"، رغم أنها لم تُسجل إلكترونيًا لدخول الاختبار، ظلّت الفتاة لفترة طويلة دون الاستقرار على شئ، بالنهاية سجّلت رغباتها، وقررت الذهاب إلى كلية الإعلام للسؤال عن اختبار القدرات "ولو معرفتش أعمل الاختبار هاجي هنا تاني أعدل الرغبات".
على عكس سلمى كان حسن الذي قدم برفقة والدته وأخيه الصغير وإحدى زميلاته أيضًا، حيث يعلم الفتى هدفه جيدًا، فمحبّة حسن للتاريخ جعلته يختار آداب على الفور، وقد حصل على نسبة 88%، بهدوء سجّل حسن رغباته داخل المعمل "هنا أحسن بيقولولي ع الحاجة الأحسن والصح".
ظلّ الموظف أيمن عبد المنعم يدور بين الأجهزة، يجلس برفقة هذا أو ذاك، يتحمّل أسئلة الطلبة المُترددين والخائفين، كذلك تكرار الأسئلة بينهم، وبهدوء يجيب عليهم، ويطمئنهم، يكرر ذلك لمدة 14 عامًا "الأهل والطلبة بيكونوا مش عارفين الطريقة اللي يدوروا بيها عشان كده بييجوا هنا، الناس بتيجي هنا عشان الأمان".
نفس الأسئلة سمعها عبد المنعم على مدار سنوات، لكن هناك بعض التغيير الذي حدث، مثلًا درجات التنسيق التي تختلف كل عام، والمناطق الجغرافية للكليات "وبفهمهم كل حاجة زي الانتساب والانتظام"، يتفهّم عبد المنعم قلق الأهل جيدًا "دول بيسألوني وبعدين يروحوا لموظف تاني يسألوه نفس السؤال"، يُقدّر الموظف ذلك.
وصحيح أنه لم يتعرّض لتلك التجربة، وهي الثانوية العامة، حيث تخرج في الثانوية الفنية، لكن صادف أن أبنائه انتهوا هذا العام بالفعل من الثانوية العامة، وهم الآن ينتظرون المرحلة الثانية من التنسيق، لن يكتب أولاد عبد المنعم رغباتهم من المنزل، يضحك قائلًا "أنا اللي هعملهم بقى هما مش محتاجين ييجوا".
فيديو قد يعجبك: