الرد على شبهة حول زواج السيدة خديجة من النبي
بقلم - هاني ضوه :
نائب مستشار مفتي الجمهورية
لا يجد أعداء الإسلام فرصة للنيل من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن الإسلام إلا واستغلوها، ويبذلون جهدهم لبث الافتراءات والأكاذيب والآثار الضغيفة والمتروكة لتشويه نبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، ولكن الله ناصره ومدافع عنه، يقول تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.
وخلال الأيام الماضية انتشر على بعض صفحات التواصل الاجتماعي خاصة التي يرتادها الملحدين والعلمانيين وغير المسلمين من المتطرفين، شبهة مغلوطة حول زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أمنا السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها، رد عليها العلماء مرارًا عبر التاريخ، ولكنهم دائمًا ما يتجاهلون الرد وينشرون الشبهة.
وتدعي تلك الشبهة والتي للأسف روجها بعض الدعاة من السلفية مثل محمد حسان وغيره أن أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها سقت والدها الخمر لكي يسكر ويوافق على زواجها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعندما فاق من سكر اعترض على هذا الزواج ولكنها ظلت وراءه حتى أقنعته!
واستند هؤلاء المدعون إلى رواية ذكرها الإمام أحمد في مسنده، حكم عليها علماء الحديث بالضعف والعلة في السند، وخالفتها روايات أخرى كثيرة صحيحة، فالرواية التي استندوا إليها هي من طريق حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس، وهي رواية مشكوك في وصل راويها حماد بن سلمة، ومن المعروف في علم الحديث أن الشك في اتصال السند علة توجب التوقف بالاحتجاج بالحديث.
وعلق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله على هذه الرواية التي أخرجها الإمام أحمد وقال عنها: "اسناده فيه نظر والأقرب أنه ضعيف لشك حمّاد بن سلمة في وصله إذ قال "عن ابن عباس فيما يحسب حماد "فلم يجزم".
كما أن الروايات الحديثية والتاريخية تثبت أمرًا مهما يدل على أن هذه الشبهة لم تحدث، وهي أن خويلد والد السيدة خديجة رضي الله عنها قد توفي قبل زواجها بسنوات قبل حرب الفجار، وبالتالي لم يشهد زواجها.
هذا بالإضافة إلى روايات أخرى كثيرة تبين أن الذي زوج السيدة خديجة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو عمها عمرو بن أسد.
وهذه الروايات كثيرة ومنها ما جاء في تاريخ الطبري: "قال الواقدي وهذا غلط والثبت عندنا المحفوظ من حديث محمد بن عبدالله بن مسلم عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم ومن حديث ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة ومن حديث ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن عمها عمرو بن أسد زوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم وأن أباها مات قبل الفجار".
وكذلك في طبقات ابن سعد الجزء الأول، وكذلك قال الحلبي في سيرته: "وفي كون المزوج لها أبوها خويلد أو كونه حضر تزويجها نظر لأن المحفوظ عن أهل العلم أنه خويلد بن أسد مات قبل حرب الفجار".
إذا القول بأن من زوجها هو أباها قول باطل أنكرته الروايات الصحيحة لأن أبو السيدة خديجة قد توفى قبل حرب الفجار وقبل زواجها بسنوات طويلة تصل إلى 20 عامًا.
تذكر لنا سيرة ابن اسحاق قصة زواج السيدة خديجة الصحيحة الخطبة التي خطبها عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبو طالب الذي قال خطبة عظيمة بين فيها شرف نسب النبي، ورد عم السيدة خديجة عليه بالموافقة والتزويج.
الرواية تقول: "حدثنا أحمد قال نا يونس عن ابن اسحاق قال: فلما قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قالت ذكر ذلك لأعمامه فخرج معه منهم حمزة بن عبد المطلب حتى دخل على أسد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم".
واتفقت الروايات كلها على أن السيدة خديجة رضي الله عنها هي التي خطبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتتشرف بالزواج منه، وذهب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت خديجة في صحبة عمه حمزة وأبي طالب الذي قام خطيباً في قوم السيدة خديجة، وكان مما قاله أبو طالب: "الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وجعلنا حضنة بيته، وسواس حرمه، وجعل لنا بيتاً محجوباً، وحرماً آمناً، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل من قريش شرفاً ونبلاً وفضلاً إلا رجح به محمد، ومحمد من قد عرفتم، وله في خديجة رغبة، ولها فيه مثل ذلك، وما أحببتم من الصداق فعليه".
فقال عمها عمرو بن أسد موافقاً على هذا العرض الكريم: "هو الرجل لا يرد".
أي: هو الكفء الكريم الذي لا يرد.
وهو ما بثبت أن تلك الشبهة التي تدعي أن السيدة خديجة قد أسكرت أباها خويلدًا ليوافق على زواجها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي شبهة باطلة، لأنه مات قبل زواجها بأعوام كثيرة، وأن من زوجها هو عمها عمرو بن أسد.
فيديو قد يعجبك: