الشيخ أحمد الرزيقي
ولادته ونسبه الاسم:
أحمد الشحات أحمد الرزيقي نسبة إلى بلدته (الرزيقات قبلي) أمين عام نقابة القراء، وقارئ مسجد السيدة نفيسة بالقاهرة، ولد يوم 21/2/1938م بقرية الرزيقات قبلي مركز أرمنت قنا ألحقه والده المرحوم الحاج الشحات بالمدرسة الابتدائية بالقرية.
رضي الطفل بهذا لأنه هو الأسلوب المتبع لدى الناس جميعاً وذات يوم خرج الشيخ أحمد من البيت قاصداً المدرسة فرأى حشداً من الناس أمام بيت المرحوم الحاج الأمير داود التاجر المعروف بالمنطقة والذي كان هو الوحيد الذي يمتلك (راديو) في القرية فسأل الطفل الصغير عن سر ذلك التجمهر اللافت للنظر، وكأن عناية السماء تدخلت في حياته لتنبئ عما كتبه الله له فساقته الأقدار إلى البحث عن سبب تجمع الناس في جو شديد البرودة في هذا التوقيت بالذات قبل السادسة صباحاً – فقيل له لأن ابن بلدنا الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، دخل الإذاعة وسوف يقرأ الآن بالراديو فجلس معهم الطفل الصغير صاحب العقل الكبير، ليس ليشاركهم الفرحة فقط، ولكن لأشياء سيطرت على كيانه.
وبينما الجميع في الانتظار، مشغولين بإذاعة اسم ابن بلدهم بالراديو، وانطلاق صوته العذب الجميل عبر جهاز لا حول له ولا قوة من وجهة نظرهم مع علمهم بأنه سينطق بقدرة الله الذي أنطق كل شيء.
ولكن الطفل تدور الأمور برأسه دوراناً خالصا، لسان حاله يقول بصوت داخلي يهز المشاعر: إذا كان هذا الحب، وهذا التفاني، وهذا الانتظار من أجل الشيخ عبدالباسط الذي وصل إلى قمة المجد، فما هو المانع من أن أكون مثله؟ إذا كان قد حفظ القرآن فإن شاء الله سأحفظ القرآن مثله! وإذا كان صوته جميل فهذا ليس على الله بعزيز.
لحظات وانطلق صوت المذيع معلنا عن اسم القارئ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، إذا بالجميع وكأن الطير على رءوسهم، لا ينطق اللسان، ولكن القلوب تهتف وتتراقص طرباً واستحساناً لابن بلدهم حسن الصوت.
وبعد انتهاء التلاوة تبادل الحاضرون فيما بينهم عبارات التهاني والفخر والسرور، وانصرف الشيخ أحمد من بينهم دون أن يشعر به أحد، ليغير طريق حياته كلها قبل أن يغير طريق الوصول إلى المدرسة.
واتجه إلى الكتّاب مباشرة، وألقى السلام على الشيخ واستأذنه في الجلوس بين أقرانه. وبدأ معهم الحفظ وظل يتردد على الكتّاب لمدة أسبوع دون أن يعلم أحد من البيت. ولكن المدرسة أرسلت خطاباً يحمل مدة الغياب عن المدرسة، فتعجب والده لأن الابن يخرج من البيت إلى المدرسة في الموعد المحدد ويعود بعد انتهاء اليوم الدراسي.
فانتظر الحاج الشحات ابنه أحمد ليعرف منه سبب الإنذار. لم يخطر على بال الوالد أن الابن قد تغيب، ولما عاد الشيخ أحمد إلى المنزل ككل يوم سأله والده أين كنت الآن؟ وهل كنت بالمدرسة أم لا؟ فرد الشيخ أحمد على والده بفلسفة وأسلوب لا يصدق أحد أن طفلاً يتحدث به ورد قائلاً لوالده: ولماذا لم تسألني منذ تغيبت إلا اليوم؟ فقال له والده: لأنني كنت معتقداً إنك رايح المدرسة وجاي من المدرسة! فقص عليه ما حدث فاحتضنه أبوه وقبّله وقال له: يعني أنت اتخذت القرار من نفسك قال: نعم فشجعه على ذلك وفرح جداً. وسأله عما حفظ من القرآن، فقرأ عليه، فدعى له بالتوفيق وأقره في ذلك.
كان الشيخ أحمد حريصاً على متابعة مشاهير القراء عن طريق الإذاعة، وبالأماكن التي يسهرون فيها في الصعيد ليتعلم منهم ويقتدي بهم. وبعد أن حفظ القرآن كاملاً وهو ابن العاشرة، كافأه الوالد بأن اشترى راديو ليستمتع الشيخ أحمد بالاستماع إلى قراءة الرعيل الأول بالإذاعة.
وكان الشيخ أحمد يحاول تقليدهم فيحضر زجاجة لمبة الجاز نمرة (5) ويضعها على فمه ويقرأ بها لتكون كالميكرفون وتحدث صوتاً يساعده على القراءة. يقول الشيخ أحمد الرزيقي : مثلاً كنت أضع للشيخ أبوالعينين شعيشع صورة معينة في خيالي، ولكنني لما رأيته تعجبت لأنني كنت متخيلاً أن هؤلاء الكواكب والنجوم الزاهرة ليسوا كمثلنا، ولكن كالملائكة، ولما قابلت الشيخ أبوالعينين قلت له الحقيقة غير الخيال، كنت متخيلاً أنك في جمال سيدنا يوسف عليه السلام وضحكنا أنا والقمر الذي يضيء دنيا القراءة السيد النقيب صاحب الفضيلة الشيخ أبوالعينين شعيشع.
وشاءت الأقدار بفضل الله وبفضل القرآن أن أكون الأمين العام لنقابة القراء في ظل رئاسة الشيخ أبوالعينين للنقابة أي (النقيب) وانتقل الشيخ الرزيقي من كتّاب الشيخ محمود إبراهيم كريّم الذي حفّظه القرآن وعلمه حكايات من القصص الديني الذي يروي حياة الصحابة رضوان الله عليهم، وعلمه بعضاً من الفقه والسنة والتاريخ الإسلامي، وجزءاً من حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
أنتقل إلى معهد تعليم القراءات ببلدة أصفون المطاعنة القريبة من قريته الرزيقات قبلي. حيث تعلم التجويد والقراءات السبع وعلوم القرآن.
يقول الشيخ أحمد الرزيقي: وتخيلت أنني لو سلكت طريق القرآن فسأكون قارئاً مشهوراً للقرآن الكريم. فرافقت القرآن مرافقة الخادم لسيده.. لأن شيخي علمني الكثير والكثير، وكانت رعايته ترقبني لأنه توسم فيّ خيراً كما قال لي.
ولذلك فضله عليّ كبير، لأنه علمني أشياء أفادتني في حياتي كلها. علمني الكياسة والفطانة وكيفية التعامل مع الناس، وكيف أفكر قبل إصدار القرار، حتى في نطق الكلمة، أتذوقها أولاً فإذا كان طعمها مستساغاً أنطقها، ولكنها إذا كانت مرة المذاق، فسوف تكون أكثر مرارة إذا خرجت من لساني. وعلمني متى أتحدث، وفي أي وقت أتحدث، وكيفية احترام الكبير والصغير، فكان الكتاب جامعة داخل كتاب.
كان الشيخ محمد سليم المنشاوي أحد علماء القراءات في مصر والوجه القبلي، لقد علّم الشيخ عبدالباسط القراءات وذلك بمعهد أصفون المطاعنة، وكان هو شيخ المعهد في ذلك الحين. ولثقة الجميع بالشيخ سليم وخاصة بعدما تخرج الشيخ عبدالباسط على يده، لم يتردد الشيخ أحمد الرزيقي في الذهاب إلى الشيخ سليم.
وبأصفون تلقى علم القراءات وعلوم القرآن ساعده على ذلك القرابة التي كانت تربطه بأهل أصفون يقول الشيخ أحمد: ولم أشعر بالغربة داخل بلدتي الثانية أصفون نظراً لأنهم أبناء عمومتنا، وتربطنا بهم علاقة الدم والنسب والأرحام، وكان أهل المطاعنة يطلبون من الشيخ محمد سليم زيارتي لهم، فكان يوافق الشيخ رحمه الله.
وبعد ذلك ذاع صيت الشيخ أحمد الرزيقي في كل مدن وقرى الوجه القبلي فانهالت عليه الدعوات ليسهر رمضان، ويحي المآتم والمناسبات الدينية، وأصبح محل ثقة وحب الجميع في صعيد مصر.
ولم تتوقف الموهبة الفذة عند هذا الحد، ولكنها حملت صاحبها إلى القاهرة على أجنحة الالتزام والتقدير والاعتزاز بكتاب الله عز وجل: فاشتهر في القاهرة بين كوكبة من القراء يتنافسون بحب في لقاءات وسهرات من الصعب أن يحدد المستمع من هو أقوى طرفيها أو أطرافها، لأنها كانت سهرات جامعة شاملة، في مناسبات معروفة ومحدد الزمان والمكان، يقيمها كبار تجار القاهرة في كل المناسبات وخاصة في المولد النبوي الشريف، ومولد السيدة زينب والإمام الحسين.
وكان يصادف أن يدعى اثنان أو ثلاثة في سرادق واحد وربما كان من هذه الأسماء الشيخ رفعت والشعشاعي وشعيشع والمنشاوي ومصطفى إسماعيل وعبدالباسط وغيرهم: فكان من الصعب أني يأتي قارئ من الأقاليم ليفرض نفسه على الساحة بين قمم جبال راسخة، ولكن الحظ وحده جعل الشيخ أحمد يسلك الطريق، وينحت في صخور ليخط له اسماً بفضل الله تعالى...
ثم بفضل شيخ مخلص هو المرحوم الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، الذي ساعد الشيخ أحمد الرزيقي وشجعه على القراءة بين هؤلاء العمالقة داخل مدينة القاهرة التي وقع مستموعها تحت سيطرة محكمة من كتيبة القراء التي فتحت دنيا القراءة أما أجيال ستظل تنهل من بحر عطاء لا ينضب ومجد لا ينتهي صنعه أصحاب المدارس الفريدة رحمهم الله، ونفعهم بما قدموا للمسلمين والإسلام.
كان الشيخ الرزيقي ينزل القاهرة قبل الاستقرار بها وأول شيء يفعله يتجه إلى عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصة الإمام الحسين والسيدة زينب. وبعد ذلك يتجه إلى الشيخ عبدالباسط يتدارس معه شئونه القرآنية، وليستفيد من توجيهاته الذكية الرشيدة، وتعليماته الدقيقة.
يقول الشيخ الرزيقي: وذات مرة جئت إلى القاهرة وكالعادة ذهبت إلى الشيخ عبدالباسط فقال لي: خلاص لن تعود إلى الصعيد: فقلت له: لماذا يا فضيلة الشيخ قال: لأنك ستسهر معي وتقرأ معي حتى تشتهر وتدخل الإذاعة إن شاء الله.
وأخذني معه في كل مكان، وقرأت معه في كل المحافظات حتى ذاعت شهرتي، واستمع إليّ كبار المسئولين بالدولة. وأذكر أنني قرأت أمام الفريق سعد الدين الشريف و د. حسن عباس زكي وفريد باشا زعلوك والأستاذ نبيل فتح الباب، فأعجبوا بتلاوتي وأدائي، وقالوا حتماً ستكون قارئاً بالإذاعة.
وكتب لي فريد باشا زعلوك خطاباً إلى صديقه الأستاذ الشاعر محمود حسن إسماعيل مراقب الشئون الدينية والثقافية بالإذاعة وقتذاك. ولكنني لم أذهب بالخطاب إلى الإذاعة وإنما سافرت إلى الصعيد.
وفي عام 1967م وكنت محتفظاً بالخطاب – جئت إلى القاهرة وذهبت إلى الإذاعة لأقابل الأستاذ محمود حسن إسماعيل، وقلت له: حضرت إليك برسالة من رجل عزيز عليك، وصاحب فضل عليك. فقال من فريد باشا زعلوك؟ فقلت له نعم: فتلقف الرسالة بشغف وتأملها، ولكنه قال: يا أستاذ فيه قرار بعدم انعقاد اللجنة إلا بعد إزالة آثار العدوان. فقلت له أدعو الله أن يزيل آثار العدوان، وأن ينصر مصر، وقلت له عندما – يأذن الله سأحضر إلى الإذاعة. وعدت إلى البلد، أقرأ القرآن في كل بلاد الوجه القبلي، وبعض محافظات الوجه البحري.
الرسالة التي كتبها إلى الرئيس السادات وردّ الرئيس عليها:
يقول الشيخ أحمد الرزيقي: جلست تحت شجرة فمسني نسيم الهواء الطاهر، فحرك مرواح القلب وأنعش روحي التي استوت على حروف القرآن، لأكتب رسالة حددت مستقبلي القرآني إلى الرئيس الراحل أنور السادات قلت فيها: الأخ العزيز الرئيس محمد أنور السادات تحية طيبة وبعد..
إني أكتب إليك هذه الرسالة لا لأنك رئيس الجمهورية ولا على أنك الحاكم، وإنما على أنّك شقيق يشعر بآلام أخيه وأما قصتي فهي أنني أتلو القرآن الكريم، وأتقي الله في ذلك، وأصاحب القرآن منذ طفولتي، وجعلت نفسي خادماً له. فلم يأل القرآن جهداً في إسداء النصح إليّ، وإني قد ذهبت إلى المسئولين بالإذاعة فقالوا لي: لن تنعقد لجنة اختبار القراء إلى بعد إزالة آثار العدوان. وها نحن الآن وقد تفضل الله علينا بإزالة آثار العدوان، وانتصرنا في حرب أكتوبر، التي كنت أنت قائدها: فأرجو سيادتكم التفضل باتخاذ ما ترونه من إخطار الإذاعة أن تبعث لي بموعد اختباري كقارئ بها..
وبعد أيام قلائل جاءني رد الرئيس السادات على رسالتي برسالة تقول: الأخ العزيز القارئ الشيخ أحمد الرزيقي تحية طيبة وبعد – لقد وصلتنا رسالتكم الرقيقة والتي حملت بين سطورها معاني المحبة والإخلاص.. وقد اتصلنا بالإذاعة فوجدنا طلبكم موجوداً، وسترسل الإذاعة لاستدعائكم للاختبار، فأدعو الله لكم بالتوفيق، وأرجو لكم النجاح، وإخطاري بنجاحكم حتى أستمتع بالاستماع إليكم.. محمد أنور السادات.
وكانت فرحة الشيخ أحمد الرزيقي لا توصف باهتمام الرئيس السادات بخطابه والرد عليه. وركب أول قطار بعد وصول الرسالة إليه من الرئيس السادات ووصل إلى القاهرة واتجه إلى الإذاعة، وحدد المسئولون له موعداً لاختباره، ودخل اللجنة في الموعد المحدد.
ولكن اللجنة رأت أنه يستحق مهلة 6 شهور عاد بعدها واعتمد قارئاً بالإذاعة بعد أن أثنى عليه كل أعضاء اللجنة، وحصل على تقدير الامتياز، ليصبح واحداً من أشهر قراء القرآن الكريم بالإذاعة المصرية والإذاعات العالمية كلها.
ذكريات الشيخ الرزيقي مع الشيخ عبدالباسط عبدالصمد:
يقول الشيخ الرزيقي: لي مع المرحوم الشيخ عبدالباسط ذكريات كثيرة جداً: سافرت معه إلى معظم دول العالم. وكان بمثابة التابع لي ولست أنا التابع له. وذلك من حسن خلقه – فكان مهذباً ومتواضعاً وعلى خلق.
فعلى سبيل المثال سافرت معه إلى جنوب أفريقيا، وكانت مشاكل العنصرية هناك لا حدّ لها، ويصعب السفر والإقامة بها آنذاك. ولما وصلنا جوهانسبرج وجدنا جماهير غفيرة في استقبالنا، وخاصة من البيض، وكثير من رجال الصحافة. فقلت للمرحوم الشيخ عبدالباسط: خلي بالك من نفسك فقال الحافظ هو الله وجلسنا بصالة كبار الزوار بالمطار...
وأقبلت علينا سيدة صحفية فقال لها الشيخ عبدالباسط تحدثي مع زميلي الشيخ الرزيقي.. أنا تابع له فتحدثت معي وقلت لها: لقد جئنا إلى هنا في مهمة دينية وهي تلاوة القرآن الكريم. فقالت لي: هل رأيت عنصرية هنا؟ قلت لها: إنني جئت إلى هنا لأقرأ القرآن، ولست باحثاً عن العنصرية ولا غيرها.. فجاء صحفي يبدو أنه عنصري وقال: أنا أعرف أنكما شخصيتان مهمتان. فهل تعلمان ما أعد لكما من تأمين على حياتكما قبل أن تأتيا إلى هنا؟.. فقلت له: يا أخي لسنا في حاجة إلى تأمين لأننا جئنا لقضاء بعض الأيام الطيبة بين أشقائنا من المسلمين هنا على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وصفاتهم، ونحن بمثابة الآباء لهم فهل يحتاج الأب إلى من يحميه من أبنائه؟ كل هذا في حديث تليفزيوني فلما سمع الناس ذلك قابلونا ونحن متجهون إلى المسجد وقالوا: ونحن حراس عليكما.
وفي نيجيريا نزلنا عند رجل ثري جداً بأحد الفنادق فتركنا وقال هذا الجرس تستخدموه عند الحاجة ولما جعنا ضغطت على الجرس فجاء رجل طوله متران ونصف ولا يفقه كلمة عربية واحدة ولا حتى إنجليزية فأشرت له بإشارات عرف منها أننا نتضور جوعاً، فأحضر كتاباً به قوائم للطعام بالإنجليزي، وزاد الموقف صعوبة فقال لي الشيخ عبدالباسط: أصرفه فضحكت وقلت له: كيف أصرفه أقرأ عليه قرآن يعني؟ وضحكنا وبعد فترة من الوقت جاءنا الطعام.
السفر إلى دول العالم:
لم يترك الشيخ الرزيقي بلداً عربياً ولا دولة إسلامية ولا جالية إسلامية في دولة أجنبية ولا جزيرة في عرض بحر إلا وذهب إلى المسلمين في شهر رمضان ليمتعهم بما أفاء الله عليه من نعمة حفظ كتاب الله والحافظ عليه بتلاوته بما يرضي الله تعالى..
وسر تدفق الدعوات الخاصة على الشيخ الرزيقي من الدول الشقيقة لإحياء شهر رمضان والمناسبات الدينية المختلفة هو أنه يراعي الله في تلاوته ويتقيه ويؤدي أداءً محكماً ليرضي الرب قبل إرضاء العبد ولا نظن أن ما يرضي الخالق لا يرضي المخلوق وأنّ ما يرضي الحق جلت قدرته يجعل العباد في شوق إلى هذا الأداء الملتزم الموزون بكل دقة.
مواقف طريفة لا ينساها الشيخ الرزيقي:
حياة الشيخ أحمد الرزيقي حافلة بالذكريات المختلفة عبر رحلة ممتدة عبر ما يقرب من أربعين عاماً قضاها في رحاب هدى القرآن ونوره وخاصة الذكريات والمواقف مع مثله العليا من العلماء والفقهاء والأدباء يقول الشيخ الرزيقي: وأثناء اختباري كقارئ بلجنة اختبار القراء بالإذاعة والتي كان الشيخ الغزالي رحمه الله أحد أعضائها.. طلب مني فضيلته أن أقرأ سورة التغابن تجويداً..
فقلت لفضيلته: لم أعود نفسي على تجويدها، ولكنني أجيد أداءها ترتيلاً. فأصر وألح عليّ لأجودها، ولكنني كنت أكثر إصراراً فقال له زميله باللجنة المرحوم الدكتور عبدالله ماضي يا شيخ محمد الشيخ أحمد الرزيقي صادق وهذه تحسب له.. فأود أن تجعله يقرأها مرتلاً.. وكان الشيخ محمد الغزالي سمحاً ما دام الأمر لا يؤثر على أحكام الدين والقرآن فقال لي: رتلها يا شيخ أحمد فرتلت سورة التغابن وسعد الشيخ الغزالي بالأداء لدرجة أنه شكرني وأثنى على أدائي المحكم.
ودارت الأيام ومرت مر السحاب، صنع الله الذي أتقن كل شيء وبعد أن أصبحت قارئاً مشهوراً بالإذاعات العالمية جاءتني دعوة لإحياء شهر رمضان بدولة قطر عام 1985م وشرفت بصحبة الشيخ محمد الغزالي الذي دعي لإلقاء دروس العلم.. وفي ليلة بدر وكان مقرراً أن أبدأ الاحتفال بتلاوة القرآن ويقوم فضيلة الشيخ الغزالي بالتعليق على ما أتلوه.. فطلب مني أن أقرأ من سورة آل عمران: {.. ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة} فقلت له إنني سأقرأ (التغابن) فابتسم ابتسامة عريضة ولأنه صاحب مكانة جليلة وأخلاق كريمة قال أقرأ آيتين من آل عمران ثم أقرأ التغابن حتى نتحدث في المناسبة ثم أقوم بتفسير ما تقرأه من التغابن.. لم أقصد من وراء قولي هذا لفضيلة الشيخ الغزالي إلا لأذكره فقط بما حدث بلجنة الاختبار.
ولن أنسى موقفاً حدث لي ببريطانيا في مدينة شفيلد: وهذا الموقف مهم جداً أذكره لبعض المدعين أنهم مسلمون وهم يقتلون الأبرياء ويهددون ضيوف مصر القادمين لرؤية حضارة مصر والاستمتاع بجوها الساحر!! نزلت في منزل الشيخ زهران إمام المسلمين هناك وكنت أستيقظ متأخراً بعد ما يخرج الشيخ زهران إلى عمله. ولأنني بمفردي بالمنزل. دق الجرس ففتحت الباب فوجدتهم مجموعة من الأطفال فقالوا: لي صباح الخير بالإنجليزية ورديت التحية عليهم، ولم أعرف منهم ماذا يريدون، وكانت هناك سيدة ترقب الموقف من أمام منزلها فجاءت مسرعة لتعتذر لي وصرفتهم وانصرفت السيدة ومعها الأطفال، ونسيت ما حدث لأنه شيء عادي من وجهة نظرنا هنا...
ولكن في المساء فجأة دق جرس الباب ففتح الشيخ زهران، وقال لهم: ماذا تريدون؟ قالوا نريد الشيخ. قال لهم: لماذا؟ فقالوا لنشرح له ما حدث من الأطفال في الصباح، ونعتذر له. وجلست مع الوفد الذي جاء تقديراً واحتراماً لي، وقالوا لقد جاء الأطفال ظنّا منهم أن أبناء الشيخ زهران بالمنزل، لأن الأطفال هنا تعودوا على الخروج إلى الجناين ليتنزهوا، ولقضاء يوم السبت بالمنتزهات، وكذلك يوم الأحد والأطفال الذين حضروا إلى هنا وأزعجوك هم أعضاء إحدى جمعيات الأطفال، ونحن جميعاً المسئولين عن الجمعية، فجئنا ومعنا الأطفال حتى نعتذر لك عما بدر منهم، لأنك ضيف عزيز، ويجب أن نعمل على راحتك. فقلت في نفسي ياليتنا في مصر نعرف حق الضيف كما يعرف هؤلاء.
تكريم الدولة للشيخ أحمد الرزيقي:
حصل الشيخ أحمد الرزيقي على وسام الجمهورية من الطبقة الأولى تقديراً لدوره في خدمة القرآن الكريم كما حصل على العديد من الميداليات وشهادات التقدير ولكن أغلى شهادة وأعظم وسام حصل عليه كما يقول هو حب الناس إليه.
المصدر: موقع قراء القرآن الكريم
فيديو قد يعجبك: