من معاني القرآن: تفسير آيات من سورة القيامة
كتب ـ محمد قادوس:
يقدم الدكتور عصام الروبي-أحد علماء الأزهر الشريف ـ (خاص مصراوي) تفسيراً ميسراً لما تحويه آيات من الكتاب الحكيم من المعاني والأسرار، وموعدنا اليوم مع تفسير الآيات القرآنية {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29)}، {أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ (34) ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ (35) أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ (38)}..[القيامة: 26*27*28*29*34*35*36*37* 38 ]
(كلا): ردع عن إيثار العاجلة على الآجلة.
(إذا بلغت): المراد: نفس الإنسان أو روحه.
(التراقي): التراقي: جمع ترقوة، وهي العظام المحيطة بأعالى الصدر عن يمينه، وعن شماله، وهي موضع الحشرجة.
(وقيل من راق): قال الحاضرون: من يرقيه.
(وظن أنه الفراق): أيقن صاحب النفس أن نهايته اقتربت.
(والتفت الساق بالساق): التصقت ساق بساق عند سكرات الموت لشدته.
(أولى) من الولي بمعنى القرب فهو للتفضيل في الأصل، غلب استعماله في قرب الهلاك ودعاء السوء. كأنه قيل: هلاكًا أولى لك.
(ثم أولى لك فأولى) تكرير للتأكيد.
قيل: إن رسول الله خرج من المسجد ذات يوم فاستقبله أبو جهل على باب المسجد مما يلي بني مخزوم فأخذ رسول الله بيده فهزه مرة ومرتين ثم قال: (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى)، فقال أبو جهل: أتهددني؟ فوالله إني لأعز أهل الوادي وأكرمه فنزل على رسول الله كما قال لأبي جهل، وهي كلمة وعيد.
(أيحسب): يعني: هل يظن.
(الإنسان): المراد: جنسه.
(سدى): بضم السين مع القصر-بمعنى مهمل. يقال: إبل سدى، أى: مهملة ليس لها راع يحميها، وهو حال من فاعل (يُترك)، والمراد: يترك مهملًا لا يؤمر ولا ينهى، ولا يثاب ولا يعاقب.
(ألم يك): المراد: هذا الإنسان.
(نطفة): النطفة: القليل من الماء.
(من مني يمنى): يعني: يراق هذا المني في رحم المرأة.
(علقة): أي: قطعة دم متجمد.
(فخلق فسوى): يعني خلقه الله بقدرته وسواه في أحسن تقويم، والاستفهام في الآية للتقرير.
خلاصة المعنى في هذه الآيات:
ـ يذكِّر الحق تبارك وتعالى ببعض أحوال هذا اليوم المؤلمة حتى يحذره الناس، ذلك عندما تبلغ أرواحهم نهايتها، وتنقطع عند ذلك آمالهم، ويتمنى أصحابهم وأهليهم أن يجدوا لهم من يرقيهم وينجيهم مما ينزل بهم، وأيقنوا أنهم راجعون إلى ربهم، منتهية حياتهم، مفارقين أهلهم فراقًا لا رجوع بعده.
ـ وأن الحق تبارك وتعالى يهدد ويتوعد مرة بعد مرة ذلك الإنسان الشقي، المصر على إعراضه عن الحق، بالهلاك وسوء العاقبة.
ـ وأن الحق تبارك وتعالى يشير إلى الحكمة من البعث والجزاء، وبيان جانب من مظاهر قدرته، فهذا الإنسان الذي أنكر البعث والجزاء، وظن أن الله يتركه مهملًا دون مجازاة على أعماله التي عملها في الدنيا في وهم وضلال؛ وحسبان باطل، وظن بالله بغير ما يليق بحكمته؛ لأن حكمة الله تبارك وتعالى اقتضت أن يُكرم المتقين، وأن يعاقب المكذبين.
ـ وكيف يحسب ذلك الإنسان أن الله يتركه مهملًا دون أمر ونهي وثواب وعقاب وقد كان في الأصل قطرة ماء مهين تُصب من الرجل في رحم المرأة وتراق فيه، ثم جعل الله هذا المني دمًا، ثم جعل سبحانه-بقدرته-هذا الدم قطعة لحم ثم شكله ونفخ فيه الروح وعدله وكمله فصار خلقا آخر سويا سليم الأعضاء في أحسن تقويم بإذن الله وتقديره.
فيديو قد يعجبك: