إعلان

في ذكرى ميلاد الإمام عبدالحليم محمود.. سيرته ومواقفه مع الأزهر والرئيس السادات

12:29 م الخميس 12 مايو 2022

عبد الحليم محمود

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كـتب- علي شبل:

تولى الإمام الراحل الشيخ عبد الحليم محمود مشيخة الأزهر في ظروف بالغة الحرج، وذلك بعد مرور ما يزيد على 10 سنوات من صدور قانون الأزهر سنة (1381هـ= 1961م) الذي توسّع في التعليم المدني ومعاهده العليا، وألغى جماعة كبار العلماء، وقلص سلطات شيخ الأزهر، وغلّ يده في إدارة شئونه، وأعطاها لوزير الأوقاف وشئون الأزهر، الأمر الذي عجّل بصدام عنيف بين محمود شلتوت شيخ الأزهر الذي صدر القانون في عهده وبين تلميذه الدكتور محمد البهي الذي كان يتولى منصب وزارة الأوقاف، وفشلت محاولات الشيخ الجليل في استرداد سلطاته، وإصلاح الأوضاع المقلوبة.

ولم يكن أكثر الناس تفاؤلا يتوقع للشيخ عبد الحليم محمود أن يحقق هذا النجاح الذي حققه في إدارة الأزهر، فيسترد للمشيخة مكانتها ومهابتها، ويتوسع في إنشاء المعاهد الأزهرية على نحو غير مسبوق، ويجعل للأزهر رأيا وبيانا في كل موقف وقضية، حيث أعانه على ذلك صفاء نفس ونفاذ روح، واستشعار المسئولية الملقاة على عاتقه، وثقة في الله عالية، جعلته يتخطى العقبات ويذلل الصعاب.

وفي التقرير التالي يرصد مصراوي أبرز المعلومات والمواقف في حياة الإمام الراحل، وفق ما جاء بكتاب (شيوخ الأزهر) لمؤلفه: أشرف فوزي، و(مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن) للكاتب علي عبد العظيم، و(الأزهر في اثني عشر عامًا)، نشر إدارة الأزهر.

وُلد الشيخ عبد الحليم محمود في قرية أبو أحمد من ضواحي مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية في 2 من جمادى الأولى سنة 1328هـ الموافق لمثل هذا اليوم 12 من مايو 1910م، والقرية منسوبة إلى جده (أبو أحمد) الذي أنشأ القرية وأصلحها، وتُسمَّى الآن باسم (السلام).

نشأ الشيخ الإمام عبد الحليم محمود في أسرة كريمة مشهورة بالصلاح والتقوى، فحفظ القرآن الكريم في سِنٍّ مبكرة مِمَّا أثار إعجاب قريته ومحفظه، وكان والده -رحمه الله- ممن شغفوا بالثقافة الدينية وحلقات الأزهر العلمية، فكان لذلك الأثر في توجيه ابنه للدراسة بالأزهر، فدخل الشيخ عبد الحليم الأزهر سنة 1923م، وظل به عامين ينتقل بين حلقاته، حتى تم افتتاح معهد الزقازيق سنة 1925م، فألحقه والده به لقربه من قريته، ثم التحق بعدها بمعهد المعلمين المسائي، فجمع بين الدراستين، ونجح في المعهدين، ثم عُيِّن مُدَرِّسًا، ولكن والده آثر أن يكمل الشيخ عبد الحليم دراسته، فتقدم الشيخ لامتحان إتمام الشهادة الثانوية الأزهرية فنالها سنة 1928م، ثم استكمل الشيخ الإمام دراسته العليا، فنال العَالِمية سنة 1932م، ولم يكتف والده بأن يعمل ابنه الشيخ عبد الحليم مُدَرِّسًا بل تطلع لأكبر من ذلك، واختار لدراسة ابنه جامعة السوربون في باريس على نفقته الخاصة، وآثر الشيخ عبد الحليم أن يدرس تاريخ الأديان والفلسفة وعلم الاجتماع، وحصل في كل منهما على شهادة عليا، وفي نهاية سنة 1937م التحق بالبعثة الأزهرية التي كانت تدرس هناك، وفاز بالنجاح فيما اختاره من علوم لعمل دراسة الدكتوراه في التصوف الإسلامي، وكان موضوعها: أستاذ السائرين الحارث بن أسد المحاسبي، وفي أثناء إعداد الرسالة قامت الحرب العالمية الثانية في سبتمبر سنة 1939م، وآثر كثير من زملائه العودة، ولكنه بالإيمان القوي والعزيمة الصلبة أصر على تكملة الرسالة وبلغ هدفه وتحدد لمناقشتها يوم 8 من يونيه سنة 1940م، ونال الدكتوراه بدرجة امتياز بمرتبة الشرف الأولى، وقررت الجامعة طبعها بالفرنسية.

بدأ الشيخ الإمام حياته العملية مُدَرِّسًا لعلم النفس بكلية اللغة العربية، ثم نقل أستاذًا للفلسفة بكلية أصول الدين سنة 1951م، ثم عميدًا للكلية 1964م، وعين عضوًا بمجمع البحوث الإسلامية، ثم أمينًا عامًّا له، وبدأ عمله بدراسة أهداف المجمع، وكوَّن الجهاز الفني والإداري من خيار موظفي الأزهر ونظمه خير تنظيم، وأنشأ المكتبة به على أعلى مستوى من الجودة، وبعدها أقنع المسؤولين في الدولة بتخصيص قطعة أرض بمدينة نصر لتخصيصها للمجمع لتضم جميع أجهزته العلمية والإدارية إلى جانب قاعات فسيحة للاجتماعات، فكان أول من وضع لبنات مجمع البحوث الإسلامية واهتم بتنظيمه، وواصل الشيخ عبد الحليم محمود اهتمامه بالمجمع بعد تعيينه وكيلا للأزهر ثم وزيرًا للأوقاف وشؤون الأزهر، ثم شيخًا للأزهر.

صدر قرار تعيين الشيخ الإمام عبد الحليم محمود شَيْخًا للأزهر في 27 من مارس سنة 1973م، وقد باشر فيه السعي لتحقيق أهدافه العلمية السامية التي بذلها وهو أستاذ بكلية أصول الدين، ثم وهو أمين عام لمجمع البحوث الإسلامية، ثم وهو وكيل للأزهر، ثم وهو وزير للأوقاف وشؤون الأزهر.

وقد صدر قرار جمهوري استصدره وزير شؤون الأزهر كاد يسلب به من الشيخ كل سلطة ويجرده من البقية الباقية من نفوذه، فغضب الشيخ الإمام عبد الحليم محمود لا لنفسه، وإنما غضب للأزهر، ولمكانة شيخه التي اهتزت واهتز باهتزازها مقام الأزهر في مصر وفي العالم العربي، بل في العالم الإسلامي كله، فلم يجد الإمام بدًّا من تقديم استقالته في 16 من يوليو سنة 1974م، ثم شفعها بخطاب آخر قدمه إلى السيد رئيس الجمهورية شَارِحًا فيه موقفه وأن الأمر لا يتعلق بشخصه، وإنما يتعلق بالأزهر وقيادته الروحية للعالم الإسلامي كله، مبينًا أن القرار الجمهوري السابق يغض من هذه القيادة ويعوقها عن أداء رسالتها الروحية في مصر وسائر الأقطار العربية والإسلامية، وقبل هذا أخطَرَ وكيل الأزهر بموقفه ليتحمل مسؤوليته حتى يتم تعيين شيخ آخر.

وروجع الإمام في أمر استقالته، وتوسط لديه الوسطاء فأصرَّ عليها كل الإصرار؛ لأن الموقف ليس موقف انتقاص من حقوقه الشخصية، وإنما هو انتقاص لحقوق الأزهر وهضم لمكانة شيخه.

ولو كان الأمر يتعلق بحقوق الإمام عبد الحليم محمود لتساهل فيها؛ لأنه صديق قديم لوزير شؤون الأزهر؛ ولأنه بفطرته زاهد في المناصب، عازف عن المظاهر، منصرف عن متاع الحياة الزائل وزخرفها الباطل، مؤمن كل الإيمان بأن الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخير أملا، فأَصَرَّ على تقديم استقالته وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه، ورفض تناول مرتبه، وطلب تسوية معاشه، ووجه إلى وكيل الأزهر -وقتها- الدكتور محمد عبد الرحمن بيصار خطابًا يطلب منه فيه أن يُصرِّف أمور مشيخة الأزهر حتى يتمَّ تعيين شيخ جديد.

وأحدثت الاستقالة آثارها العميقة في مصر وفي سائر الأقطار الإسلامية، وتقدم كثيرون من ذوي المكانة في الداخل والخارج يُلحِّون على الإمام راجين منه البقاء في منصبه، لكنه أبى.

واقعة غريبة قبل حرب أكتوبر

وكان الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، حكى خلال حديث سابق عن نصر السادس من أكتوبر عام 1973، فى لقائه مع الإعلامي عماد الصديق في برنامج «بكل هدوء»، المذاع عبر فضائية «الحدث اليوم»، يوم النصر، عن كرامة شيخ الأزهر الراحل عبدالحليم محمود في حرب أكتوبر المجيدة قائلًا: "كرامة لسيدي وشيخي عبدالحليم محمود قبل المعركة بأيام لم يكن يعلمها وطلب لقاء عاجل مع الرئيس محمد أنور السادات الذي كان يحب العلماء ويجلهم والسادات كان عنده نزعه صوفية وقالوا له الشيخ عبدالحليم محمود عايز يقابلك قال دخلوه طبعا والشيخ عبدالحليم قاله انا أريدك في خلوة.. واستجاب له الرئيس وقال له خير يا شيخ عبدالحليم؟ فقال له انت بتعد المعركة والسادات اتغير قاله بلغك شيء في الشارع قاله لا قاله لماذا هذا السؤال قاله لأني رأيت بالليل في منامي قبل الفجر النبي محمد صلى الله عليه وسلم يعبر قناة السويس ومعه الصحابة ويكبرون الله أكبر وطالب منه الرئيس السادات أن يكتمها ولا يخبر بها أحد».

وأضاف: «الرئيس السادات قاله يا شيخ عبدالحليم لو ده حصل انا ماليش في الأكل انا بس القهوة والبايب واحيانا أكل مسلوق ماذا لو حصل ده في رمضان أيحل لي أن أفطر.. قاله انت والجيش تفطروا وسجلوا الفتوى دي للشيخ عبدالحليم ومع أول بيان أذيعت الفتوى لعموم الجيش بأن يفطروا وأغلب الجيش عبر وهو صايم ومعاهم الإخوة الأقباط وحينما أذن المغرب تسابق المسيحيون لتجهيز الإفطار لإخوانهم المسلمين».

وكان الإمام الراحل استعرض سيرته الذاتية في كتابه (الحمد لله هذه حياتي) والذي جاء خلاصة لأفكاره ومنهجه في الإصلاح أكثر منه استعراضًا لمسيرة حياته، وعَبَّر عن منهجه التفصيلي في الإصلاح في كتابه القيم (منهج الإصلاح الإسلامي في المجتمع).

وبعد عودة الشيخ الإمام عبد الحليم محمود من رحلة الحج في 16 من ذي القعدة 1398هـ، الموافق 17 من أكتوبر 1978م قام بإجراء عملية جراحية بالقاهرة فتوفي على إثرها وتلقت الأمة الإسلامية نبأ وفاته بالأسى، وصلى عليه ألوف المسلمين الذين احتشدوا بالجامع الأزهر ليشيعوه إلى مثواه الأخير تاركًا تُرَاثًا فِكْرِيًّا ذَاخِرًا ما زال يعاد نشره وطباعته.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان