"بريرة ومغيث".. قصة الحب والحرية ورفض شفاعة النبي
كتبت – آمال سامي:
من بين قصص الحب الكثيرة التي يحفل بها التاريخ الإسلامي منذ بداية عصر النبوة، تأتي قصة "بريرة" التي رفضت شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في حب "مغيث" على رأس القصص المثيرة للجدل، إذ كيف ولم وما دلالات رفض بريرة لشفاعة النبي في حب مغيث لها؟ وكيف استنبط الفقهاء من هذه القصة أحكاما شرعية مختلفة؟
بريرة هي مملوكة زوجة مملوك سئمت حياة العبودية وقررت أن تنال حريتها بنفسها، إذ اتفقت مع مالكيها من الأنصار على أن يحرروها بشرط أن تكاتبهم، وذهبت إلى السيدة عائشة رضي الله عنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم حتى تعينها على أن تسد ما اتفقت مع مواليها عليه من مال، فيروي الذهبي في سير أعلام النبلاء ان بريرة دخلت على السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت لها :اشتريني، فقالت نعم، فقالت: إنهم لا يبيعونني حتى يشترطوا ولائي، فقالت عائشة: لا حاجة لي فيك، فسمع أو بلغه ، فقال : ما بال بريرة ؟ ، فأخبرته ، فقال : اشتريها فأعتقيها ، ودعيهم فيشترطون ما شاءوا، فتقول عائشة: فاشتريتها فأعتقتها.
إذن دفعت لها السيدة عائشة رضي الله عنها ثمن حريتها، ثم أعتقتها، ولكن هي مازالت زوجة "مملوك" وهنا شرعًا لها الحق في اختيار أن تكمل زواجها به ولها أن تفارقه، ولكن نبهها النبي صلى الله عليه وسلم قائلًا: إن قربك فلا خيار لك، فاختارت بريرة الفراق، على الرغم من شدة حب "مغيث" لها، وما بينهما من أبناء، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمها فيه بعدما رأى شدة تعلقه بها وحبه لها، فقالت: يا رسول الله أشيء واجب؟ فقال لا إنما أشفع له، ولكنها رفضت أن تكمل معه وقالت: لا حاجة لي فيه، وكان لها عدة المطلقة الحرة.
فيروي ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدًا يقال له مغيث، وكان يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ للعبَّاسِ يا عبَّاسُ ألا تعجَبُ من حبِّ مغيثٍ بريرةَ ومن بُغضِ بريرةَ مُغيثًا فقالَ لها النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لو راجعتيهِ فإنَّهُ أبو ولَدِكِ قالت يا رسولَ اللَّهِ تأمُرُني قالَ إنَّما أشفَعُ، قالت لا حاجةَ لي فيهِ.
ويرى الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، أن قصة مغيث وبريرة تدلل على أن الممنوع والمشروع يتعلق بالأفعال لا بالشعور، إذ أن الحب شعور لا يحمل حلالا ولا حرامًا في ذاته، بل حسب تأثيره في السلوك، وقال جمعة إن "الممنوع والمشروع يتعلق بالأفعال لا بالشعورات" ، وضرب جمعة المثل بقصة مغيث وبريرة، ثائلًا أن مغيث أحب بريرة حباً لا مثيل له، وكان لها منه سبعة أبناء لكنها لم تكن تبادله الحب، لكن المفاجأة أن بريرة بمجرد أن حصلت على حريتها قررت فسخ عقد زواجها بمغيث، وظل يتجول في المدينة باكيًا، حتى رق له قلب عمر بن الخطاب وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتشفع له عند بريرة، وبالفعل ذكرها النبي بالعشرة الطيبة بينهما، وقالت له: أتأمرني يا رسول الله؟، فقال: لا، فرفضت بريرة العودة إلى مغيث، يعلق جمعة قائلًا "فانظر إلى مغيث ومدى حبه لها ورفضها لحبه وكذلك ترك الرسول للجميع الحرية في اختيار احوالهم الشخصية".
اقرأ أيضًا:
الحب في عهد الرسول.. قصة "عاتكة" و "مهاجر أم قيس" و"زينب"
فيديو قد يعجبك: