باحث بالعلوم اللغوية يوضح سر حذف "الواو" في قوله تعالى: "وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ": علة بلاغية
كتبت- آمال سامي:
يقول الدكتور إبراهيم عبدالمعطي، الباحث في العلوم اللغوية، إن من خواص الرسم العثماني للقرآن الكريم، حذف كتابة بعض الحروف بدون سبب لغوي، مؤكدًا أن هذا الرسم جاء وحيًا كما تلقاه النبي ﷺ عن جبريل عليه السلام، فبحضور النبي ﷺ كان تسجيل القرآن الكريم في صورته البصرية التي نراها عليه حتى الآن.
وضرب عبدالمعطي مثلًا لحذف بعض الحروف في القرآن الكريم، حذف واو الفعل "يمحو" في الآية 44 من سورة الشورى في قوله تعالى: "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۖ فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ ۗ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ"
وقد ورد الفعل ذاته بثبوت الواو في آية أخرى، هي قوله تعالى: "يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ"(الرعد:39)، فلماذا ثبتت الواو في هذه الآية، وحذفت في الآية الأخرى؟
يوضح إبراهيم عبدالمعطي أن حذف الحروف في القرآن بدون علة لغوية يكون لسبب بلاغي يتعلق بالمعنى، ففي قوله تعالى: "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۖ فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ ۗ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور"، حذف حرف الواو من الفعل "يمحو" رغم أنه لم يسبقه جازم، وهو كذلك ليس معطوفا على الفعل "يختم" المجزوم في جملة الشرط في قوله تعالى: "فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ"، فقد انتهت هذه الجملة بكلمة "قَلْبِكَ"، وبدأت جملة جديدة مبدوءة بقوله: "وَيَمْحُ، وأشار عبدالمعطي إلى أن الدليل على أن الفعل "يَمْحُ" مرفوع، هو أن الفعل "يُحِقُّ" جاء مرفوعًا في قوله "وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ"، وهو معطوف على الفعل "يَمْحُ".
أما العلة البلاغية من حذف الواو، فيقول عبدالمعطي إنها للدلالة على سرعة محو الله للباطل، وحذف الواو فيه دلالة بصرية أيضًا، فالله قادر على محو الباطل، وهو الذي محا "الواو" من الكلمة، للإشارة إلى هذا المعنى، فالمحو السريع للباطل، دل عليه محو "الواو".
فحذف الواو في الفعل "يمحُ" يدل على سرعة محو الباطل، وأن الله قادر على محو الباطل بسرعة شديدة، وأن الباطل نفسه ليست لديه القدرة على عدم الاستجابة لما يريده الله عز وجل، وفي مقابل الباطل الذي يمحوه الله بسرعة شديدة "وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ"، أشار الله سبحانه وتعالى إلى أنه ينصر الحق، فقال عقب حديثه عن محو الباطل: "وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ".
لكن ماذا لم تحذف الواو في قوله تعالى "يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ"؟
يقول عبدالمعطي إن المحو في الآية الأولى خاص بالباطل، الذي يمحوه الله بسرعة.
أما في الآية الثانية، فإن المحو عام، فالله سبحانه قادر على محو ما يشاء أو العمل على ثبوته في أي وقت ومتى شاء، ولذلك ليس هناك دلالة على السرعة في هذه الآية.
فيديو قد يعجبك: