إعلان

في ذكرى ميلاد "عبلة الكحلاوي": رحلة "شمس العلم والولاية" من الإشراق إلى الغياب

04:40 م الأربعاء 15 ديسمبر 2021

الدكتورة عبلة الكحلاوي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت – آمال سامي:

بوجه منير وقلب مطمئن غادرت الدكتورة عبلة الكحلاوي الحياة في مطلع العام الحالي، ورثاها الكثير من أقطاب الدعوة وعلماءها، وكذلك عدد من الفنانين والفنانات، وكانت وفاتها ألمًا في نفوس محبيها، خاصة هؤلاء الذين انتفعوا بعلمها وعملها الصالح الذي مثلته جمعية الباقيات الصالحات الخيرية التي انشأتها وظلت تعمل على تطويرها حتى آخر أيامها، واليوم، الموافق الخامس عشر من ديسمبر، هو ذكرى مولدها الثالثة والسبعين، إذ ولدت عبلة محمد مرسي عبد اللطيف الكحلاوي في حي الزمالك بالقاهرة، فهي الابنة الكبرى للمنشد الشهير محمد الكحلاوي، وعلى الرغم من دراستها النظامية العامة، إلا أنها ألتحقت بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر تحقيقًا لرغبة والدها، وتخصصت في الشريعة الإسلامية وحصلت على الماجستير في الفقه المقارن عن رسالة بعنوان: "الشورى قاعدة الحكم الإسلامي"، في عام 1974م، ثم حصلت على الدكتوراه عام 1978.

السيدة نفيسة وبداية الدعوة إلى الله

تروي الكحلاوي حلمًا بالسيدة نفيسة رضي الله عنها غير حياتها، إذ رأتها تأخذها بجوارها وتطلب منها الجلوس على كرسي بجانبها، وكانت خائفة، لكنها أعطتها مصحفًا وطلبت منها قراءة القرآن، فقالت الكحلاوي: أخاف أن أخطيء في التشكيل، فقالت السيدة نفيسة اقرأي، فوجدت الكحلاوي نفسها تقرأه بيسر وجودة ولا تعرف كيف فعلت ذلك، ثم أعطتها عدة كتب فأخذتها وعادت للمسجد، وحينها أخبرها أبوها عن هذه الرؤية: "ربنا يبارك فيكي يابنتي انتي هتحملي لواء الدعوة إن شاء الله".

وفي مكة المكرمة بدأت الكحلاوي الرحلة الدعوية الجادة، إذ تولت رئاسة قسم الشريعة بكلية التربية للبنات في مكة، وأعطت دروسًا يومية بعد صلاة المغرب للنساء في الحرم المكي الشريف منذ عام 1987 وحتى عام 1989، وحين عادت للقاهرة، بدأت في إعطاء المحاضرات للنساء في مسجد أبيها المستقر في البساتين، وبعدها طلبت منها ياسمين الخيام أن تلقي دروسًا دينية للفنانات التائبات في مسجد الشيخ محمود خليل الحصري بالسادس من أكتوبر، وكانت أيضًا تعطي دروسًا دينية بالأزهر وبيت الحمد في المقطم قبل مرضها الأخير ووفاتها.

الشعراوي يبشرها بالمغفرة

"كنت اعيش في الجنة بكل ما تحمله الكلمة من معنى" تصف عبلة الكحلاوي في إحدى لقاءاتها الإعلامية حياتها مع زوجها الراحل، واصفة أياه بأنه كان أعظم رجل رأته في حياتها، وأنه كان هدية الله لها، فساعدها على اتمام تعليمها حتى حصلت على الماجستير والدكتوراه، "خبر وفاته كان أكبر صدمة في حياتي وإيماني بالله ووجود أسرتي خففها عني"، عانت الكحلاوي كثيرًا بعد وفاة زوجها مثلما صرحت في آخر حوار تلفزيوني لها قبل وفاتها، إذ كان يحيط بها الطامعين، لكنها في الوقت نفسه منحت هدية من الله سبحانه وتعالى، فبعد وفاة زوجها، إذ دعت الله سبحانه وتعالى أن يرزقها علامة على قبول زوجها، الذي اشتد عليه المرض في آخر أيامه.

نامت عبلة ورأت نفسها تسير في طريق طويل في بيت أبيض وأمامها مباشرة الشيخ الشعراوي، فنظر إليها وربت على كتفها واعطاها شهادة كبيرة وقال لها: "اطمني"، وقالت عبلة الكحلاوي أن زوجها كان دائما يخدم الشيخ الشعراوي في مكة فكان يعرفه، وعندما استيقظت تلقت اتصالا من ياسمين الخيام تقول لها أن الشيخ الشعراوي يريد أن يقابلها، فلما رأته قال لها: "ايه ياستي لازم اجيبكم المشوار دا"، فاخبرته انها رأته فقال لها: "أنا عارف"، وقال لها في حديث قدسي يقول: "وعزتي وجلالي لا يخرج عبدي من الدنيا وقد إردت به خيرا حتى إوفيه ما عليه من نقص في ماله إو فقد في ولده إو مرض في صحته فإن بقي من سيئاته شيئ أثقلت عليه في سكرات الموت حتى يلقى الله وما عليه خطيئة".

"يا عمر أوعى تدبح الأسرى"

أنارت الرؤى كثيرًا من حياة عبلة الكحلاوي، فتروي أنها يومًا رأت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها: "يا عبلة قولي لعمر أوعى تدبح الأسرى"، احتارت عبلة في تفسير معنى هذه الكلمات، لكنها ذهبت إلى الإمام الشعراوي ليخبرها أن عمر المقصود هو أحمد عمر هاشم، لأنه أقرب عمر إليها، إذ كان رئيس الجامعة التي كانت تعمل بها حينها، وبالفعل تذهب عبلة إلى عمر، لتخبره بالرؤيا لتكتشف أنه هناك فعلا أزمة كبيرة تتحكم في مصائر الناس ستعرض عليه قريبًا، وتقول الكحلاوي أن كل قرارات الرفد التي عرضت عليه في هذه اليوم رفضها، وكذلك كل الأشخاص الذين كانوا سيتعرضون لمشكلات كبرى بعملهم.

الباقيات الصالحات وآخر الوصايا

في الخامس عشر من مايو عام 2010 بدأت عبلة الكحلاوي العمل على مشروعها الأكبر، وهي جمعية خيرية إسلامية تحتوي على دار للمسنين والأرامل واليتامى والمطلقات، في منطقة المقطم، وظلت حتى آخر أيامها توليها الاهتمام الأكبر حتى تفرغت لها تمامًا، وقالت ابنتها مروة بعد وفاتها أن آخر وصاياها كانت الاستمرار في عمل الجمعية وعدم إغلاقها وتكثيف العمل الخيري فيها.

وفي الرابع والعشرين من يناير عام 2021، توفت الدكتورة عبلة الكحلاوي بعد إصابتها بفيروس كورونا، لتشيع جنازتها من مسجد الباقيات الصالحات بالمقطم عقب صلاة الظهر، وكان قد صلى عليها الشيخ أسامة الأزهري مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية حسبما أوصت الكحلاوي، الذي نعاها قائلًا: " شمس من العلم والولاية قد انطفأت... والله يعلم ما في القلب من حزن شديد على فقدها، فقد كانت شمسًا ونورًا في حياة ألوف وملايين من الأسر والبيوت، الذين وجدوا في كلامها ونصائحها نورًا يملأ القلوب سكينة ونورًا، لقد ربطتني بها رحمها الله علاقة خاصة جدًا، فكانت أمي بعد أمي، وكان بيني وبينها اتصال مُستمر ومُشاورة دائمة في أمور عامة وخاصة، وكم كانت لها الأيادي السابغة والإنفاق الواسع على ذوي الحاجات، كانت من أهل العلم والصلاح الذين يصح أن نُسميهم ورثة النبوة بحق وصدق، رحمك الله ياأستاذتنا الجليلة، ورفع درجاتك في جنات النعيم، وألحقنا بك في عليين، ولانقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقك لمحزونون، وإنا لله وإنا إليه راجعون".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان