أحمد كريمة لـ مصراوي: الأزهر وحده المسؤول عن الاجتهاد والفكر الديني
كتبت – آمال سامي:
يتصاعد الجدل من وقت لآخر بالتساؤل حول من له حق الاجتهاد وما هي شروط الاجتهاد؟ وهل حصر الفتيا والاجتهاد الديني في الأزهر الشريف وما يماثله من مؤسسات دينية هو كهنوت ديني كما يقول البعض؟ أسئلة توجه بها مصراوي إلى الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر الشريف، الذي أوضح فكرة الاجتهاد الديني ومن يقوم بها وما هي شروط المجتهد..
لمن الاجتهاد في مسائل الدين؟
أكد كريمة في بداية حديثه أن الشئون الدينية لأتباع الشرائع السماوية هناك دائما مؤسسات دينية ذات اختصاص بها، فمثلا الحاخامية اليهودية وحدها لها الشئون الدينية اليهودية، الكنائس المسيحية الكبرى بمجامعها لها وحدها حق الاختصاص في الشئون المسيحية، والإسلام كذلك له مرجعية تخصصية الله تعالى الذي حددها، فقال في القرآن الكريم في سورة النساء: "وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ".
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن المفتي إن اجتهد وأصاب فله اجران وإن اخطأ فله اجر، إذا الاجتهاد لأهل العلم الشرعي، يؤكد كريمة، سواء كانوا في أصول الدين أو في الشريعة الإسلامية أو في اللغة العربية وآدابها، وتساءل كريمة مستنكرًا: "لمن الاجتهاد في مسائل الدين؟ هل الإعلاميين والفنانين أو لغير المتخصصين؟ مع احترامنا لأهل المهن المختلفة".
وهل الاجتهاد في الدين شروط محددة؟
الاجتهاد له شروط، تلك الشروط فأولها ان يكون المجتهد حافظًا للقرآن الكريم، وعلى قدر كاف من المرويات الحديثية عن الرسول، وعلى علم باللغة العربية لأنها الأداة لفهم النصوص الشرعية، وأن يكون على ألمام بأصول الأحكام الفقهية، وأن يكون على صلة بعلوم الفقه الإسلامي كأصول الفقه والفقه العام وآيات الأحكام وأحاديث الأحكام وقواعد الفقه.
وتساءل كريمة: "هذه الأمور في أي مكان توجد؟ في وزارة الشباب والرياضة أو وزارة الثقافة؟ بالطبع لا مع احترامنا لهذه المؤسسات، فهذه الأشياء لابد أن توجد في مؤسسة ذات مرجعية علمية دينية هي الآن الأزهر الشريف، فالواقع والتاريخ حدد ذلك منذ 1080 عام، فمن وقتها والأزهر هو المرجعية السنية للعالم الإسلامي السني" وأضاف كريمة أن الدستور المصري الحالي أكد ذلك أيضًا، ففي المادة السابعة من الدستور الحالي أقر الدستور أن الأزهر الشريف وحده هو المنوط بالشئون الإسلامية، "فالأزهر وحده هو المسئول عن الاجتهاد والفكر الديني".
هل يعني ذلك أن الإسلام دين كهنوتي؟
"عندما يقول البعض إن الأزهر يريد عمل كهنوت في الدين، لا يعرفون معنى الكهنوت أصلا" يقول كريمة موضحًا معنى الكهنوت بأنه متعلق بالجزاءات الأخراوية، فبعض المرجعيات في الشرائع السابقة لديها كهنوت خاص بدخول الجنة والنار وهذا لا علاقة له بالإسلام، يؤكد كريمة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "أعملوا" لأهله، حيث قال: يا عمتي صفية يا عمي العباس يا فاطمة بنت محمد اعملوا فإني لا أغني عنكم من الله شيئًا. وأضاف كريمة أن الجزاءات الأخراوية لا صلة لعلماء الإسلام بها سوى التبليغ للناس وإنما الجزاء عند الله حيث قال تعالى: إن الحكم إلا لله، "فلماذا خلط الأوراق ويدعي العلمانيون أو غيرهم أن الأزهر أو غيره يسعى للكهنوت؟ هذا خلط للأوراق وتجني على الحقائق، فعليه أن يفهم أولا معنى الكهنوت".
وتساءل كريمة: "لماذا لا يتحدث هؤلاء في الشأن المسيحي أو اليهودي؟ لماذا لا يتحدثون عن أرض المعاد في عقيدة اليهود؟ على الرغم ان الشعب المسيحي لديه مشاكل أيضًا في مسائل الأسرة"، وأعزى كريمة ذلك لأن هناك من يدافع عن اليهودية، حسب قوله، فمن يتحدث عنها يواجه تهمة معاداة السامية، وأكد كريمة أنه أمر يحمد للمسيحيين أنهم لم يتركوا الشأن المسيحي في يد ليبراليين وعلمانيين، وذكر مثالًا على ذلك حين صدر حكم قضائي مصري في فقه الأسرة في عهد البابا السابق، البابا شنودة، قال الكنيسة سيدة قرارها ولا تخالف الكتاب المقدس، "فالبابا رأس الكنيسة الكبرى في مصر احترم كتابه المقدس، فلماذا نحن لا نحترم القرآن وعلماءه والفقه وخبراءه؟!"
الإفتاء توضح حكم الاجتهاد وشروطه
وعبر موقعها الرسمي، ذكرت دار الإفتاء حكم الإجتهاد وشروط المجتهد في "المفاهيم الافتائية" حيث ذكرت بأن حكم الاجتهاد هو أنه فرض كفاية؛ إذ لا بد للمسلمين من استخراج الأحكام لما يحدث من الأمور.
ويتعين الاجتهاد على من هو أهله إن سُئل عن حادثة وقعت فعلا، ولم يكن يوجد غيره ينهض لها، وضاق الوقت بحيث يخاف من وقعت به فواتُها إن لم يجتهد من هو أهلٌ لتحصيل الحكم فيها. وقيل: يتعين أيضًا إذا وقعت الحادثة بالمجتهد نفسه، وكان لديه الوقت للاجتهاد فيها. وهذا رأي الباقلاني والآمدي وأكثر الفقهاء. وقال غيرهم: يجوز له التقليد مطلقًا، وقال آخرون: يجوز في أحوال معينة.
أما شروط الاجتهاد فذكرت الافتاء قوله تعالى:﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾[10]، ثم أوردت ما قاله الإمام الشافعي فيما رواه عنه الخطيب: لا يحل لأحد أن يفتي في دين الله، إلا رجلا عارفًا بكتاب الله: بناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، ومكيّه ومدنيّه، وما أُريد به، ويكون بعد ذلك بصيرًا بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن، ويكون بصيرًا باللغة، بصيرًا بالشعر، وما يحتاج إليه للسنة والقرآن ويستعمل هذا مع الإنصاف، ويكون مشرفًا على اختلاف أهل الأمصار، وتكون له قريحة بعد هذا، فإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام، وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي.
ونقل ابن القيم قريبًا من هذا عن الإمام أحمد. ومفهوم هذه الشروط: أن فتيا العامي والمقلّد الذي يفتي بقول غيره لا تسمي "اجتهادًا"، وإنما هو نقل لاجتهاد مجتهد آخر.
فيديو قد يعجبك: