ميلاد السيد المسيح كما جاء في القرآن
بقلم - هاني ضوه :
نائب مستشار مفتي الجمهورية
كانت ولادة سيدنا المسيح عيسى ابن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام معجزة باهرة، ذكرها القرآن الكريم بتفاصيل دقيقة تظهر عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وتبين المعجزات والخصائص التي أكرم الله بيها نبيه سيدنا عيسى عليه السلام.
ولنبدأ قليلًا من قبل ولادة السيدة المسيح بأمه الطاهرة السيدة مريم العذراء لنعرف كيف أنها ذرية مباركة بعضها من بعض، فمنذ أن حملت امرأة سيدنا عمران بالسيدة مريم نذرتها لله وأعاذتها من الشيطان الرجيم فكانت ذرية طاهرة مقبولة من الله عز وجل، وعن ذلك يقول القرآن الكريم: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
وهكذا كان سيدنا عيسى المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام محفوظًا بحفظ الله من الشيطان الرجيم، وهذا ما أكده سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد قال: "ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخاً من مسِّ الشيطان إياه إلا مريم وابنها"، وعلق الصحابي الجليل سيدنا أبو هريرة على هذا وقال: اقرؤوا إن شئتم: {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}.
وقصة ميلاد المسيح ومعجزته ذكر القرآن الكريم أدق تفاصيلها، وما أكرمه الله به من فضائل وخصائص، وبداية الحديث عن قصة ميلاد سيدنا عيسى ابن مريم العجيبة المعجزة، جاءت تفاصيلها في أكثر من موضع من القرآن الكريم ففي سورة "مريم"، الآيات (16-34)، وذُكر طرف منها في سورة آل عمران، وذلك قوله سبحانه: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.. [آل عمران: 59].
يقول تعالى في سورة مريم: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا}.
ثم تسترسل الآيات الكريمة في ذكر قصة مولد سيدنا عيسى، وكيف أن قوم السيدة مريم قد تعجبوا من هذه الولادة من السيدة العذراء التي لم يمسها أحد، لتظهر المعجزة الباهرة، ويتحدث السيد المسيح في مهده ويخبرهم بكرامه الله له، وعن ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ}.
وقد ورد في سورة آل عمران ما يؤكد قصة مولد سيدنا عيسى عليه السلام كما وردت في سورة مريم، وذلك قوله سبحانه: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}.
ونطق سيدنا المسيح عيسى عليه وعلى نبينا السلام بتوحيد الله عز وجل وهو في المهد، وأنه رسول من عند الله بكلمة التوحيد، يقول تعالى: {وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}. ليقر بأنه عبد الله ورسوله ويدعو الناس إلى عبادة الله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.
فيديو قد يعجبك: