الأقصى مسجد أم هيكل؟.. قصة بناء "هيكل سليمان" بين التوراة ورواية يهود اليوم (2)
كتبت – آمال سامي:
بعدما تهدم واندثر الأقصى في القرون الأولى، قام سليمان عليه السلام ببنائه، إذ كان بناؤه قديمًا بعد بناء المسجد الحرام بأربعين عامًا كما ذكرنا في الحلقة السابقة، وكان داوود عليه السلام قد اشترى أرض المسجد الأقصى من أرنان اليبوسي وأحضر الأخشاب والنحاس وكل ما يتعلق ببنائه إلا أن الله قد أخبره أن البناء سيتم على يد ابنه سليمان، حسب رواية التوراة..
قصة بناء "المسجد الأقصى" بين النصوص الإسلامية واليهودية (1)
يذكر محمد علي البار في كتابه "القدس والمسجد الأقصى عبر التاريخ"، أن العهد القديم يتناقض في كثير من التفاصيل بالاضافة إلى تصويرهم الأنبياء في صورة "قميئة حقيرة" فيذكر سفر أخبار الأيام الأول أن "داوود رفض أن يبني للرب مذبحًا دون مقابل، بل شراء، اشتريه بفضة كاملة، لأني لا آخذ مالك للرب فأصعد محرقه مجانية، ودفع داوود عن المكان ذهبًا وزنه ستمائة شاقل"، "وقال داوود هو ذا بيت الرب الإله وهذا هو مذبح المحرقة لإسرائيل" ثم يقول السفر أن الرب منع داوود من أن يبني له بيتًا لأن يداه ملطختان بالدماء البريئة، وجعل مهمة البناء لسليمان الذي لم يتلطخ بالدماء البريئة، وتتناقض كميات الخشب والذهب والفضة المستخدمة في بناء البيت في أكثر من موضع، ويروي سفر أخبار الأيام الثاني بداية بناء سليمان للهيكل أو بيت الرب.
وأشار البار إلى وجود مبالغات كثيرة في وصف البناء والعمال، فيقول أن في سفر أخبار الأيام الثاني أن سليمان أحضر سبعين ألف رجل حمال وثمانين ألف رجل نحات في الجب، ووكلاء عليهم 3600، وطلب مساعدة ملك صور ليرسل له مزيدًا من الأرز والبخور والعطور والمحرقات.
بدأ سليمان بناء المسجد الأقصى أو "الهيكل" كما يسميه اليهود في جبل المرايا في أورشليم في بيدر أرنان اليبوسي، وبلغ طوله 60 ذراعًا وعرضه 20 ذراعًا، وبلغ حجم الرواق أمام المبنى عشرون ذراعًا في الطول و120 في الأرتفاع، ومن الداخل زينه بالذهب كله ورصعه بالحجارة الكريمة، وصنع مذبحًا نحاس يبلغ طوله وعرضع عشرون ذراعًا بينما يرتفع بقدر عشرة أذرع، وبعد ان انتهى من العمل جعل الذهب والفضة وجميع الآنية في خزائن بيت الله، وتروي التوراة أن هذا البناء استغرق سبع سنوات، وأن سليمان قد بنى قصره الفخم بجوار الهيكل الذي استغرق بناءه ثلاثة عشر عامًا.
وفي الإصحاح الخامس والسادس يروي سفر أخبار الأيام الثاني اتمام سليمان للبناء، فيقول أنه بعدما اتمه "جمع شيوخ بني إسرائيل وكهنتهم وأصعدوا تابوت عهد الرب من مدينة داوود، وهي صهيون، وحمل اللاويون التابوت وأصعدوا التابوت وخيمة الاجتماع مع جميع آنية القدس التي في الخيمة..وذبح سليمان غنمًا وبقرًا لا يحصى.."، تروي التوراة أن سليمان قدم صلاته مع الكهنة للرب وبعدما انتهى منها نزلت نار من السماء فاكلت المحرقة والذبائح و "ملأ مجد الرب البيت".
وقد ذكرت التوراة في روايتها أن بناء الهيكل تم باستخدام العمال اليهود والاجانب بالسخرة، وأن سليمان قد اسرف في المظاهر حتى حمل شعبه ما لا يستطيع ولا يطيق من ضرائب، يقول محمد علي البار: "ولا شك أن أسفار العهد القديم قد لوثت سيرة سليمان عليه السلام كما لوثت من قبله سيرة أبيه داوود وجميع الأنبياء".
الهيكل كما يتحدث عنه اليهود الآن
تتفق المواقع اليهودية مع الرواية السابقة إذ أنها معتمدة كلية على نصوص التوراة التي بين يد اليهود، لكن عندما تطالع مواقع اليهود التي تتحدث عن الهيكل، ترى أنه ليس فقط مجرد رمز ديني، بل هو رمز كبير على العنصرية اليهودية باعتبارهم "أبناء الله وأحباءه"، ففي موقع المكتبة الإفتراضية اليهودية الإلكتروني، يتحدث عن الهيكل كما ورد في الكتاب المقدس وقصته، ثم ينقل إحدى الصلوات التي كان يرتلها اليهود في هيكلهم: " عالم الله عظيم ومقدس. أقدس أرض في العالم هي أرض إسرائيل. أقدس مدينة في أرض إسرائيل هي القدس. أقدس مكان في القدس كان الهيكل ، وفي الهيكل كان قدس الأقداس .... هناك سبعون شعباً في العالم. أقدس هؤلاء هم شعب إسرائيل. أقدس شعب إسرائيل سبط لاوي. الكهنة هم أقدس سبط اللاوي، بين الكهنة، الأقدس رئيس الكهنة .... هناك 354 يومًا في السنة (القمرية). ومن بين هذه السنوات الأقدس الأعياد المقدسة، و أعلى هذه الأعياد قداسة هي قداسة السبت. وبين السبت ، أقدس يوم الكفارة....هناك سبعين لغة في العالم، أقدسها العبرية، التوراة المقدسة هي الأقدس من أي شيء آخر في هذه اللغة".
وحسب موقع المكتبة اليهودية، فإن اليهود "التقليديون" يصلون ثلاث مرات في اليوم حتى يومنا هذا من أجل ترميم الهيكل، ويعتبر اليهود أن المسلمين هم من قاموا ببناء مسجدهم المقدس في "الأماكن المقدسة للآخرين" لأن أي محاولة لهدم هذه المقدسات ستؤدي إلى حرب "مقدسة" أي "جهاد" ضد إسرائيل.
وعبر مقال كتبه ديفيد بي جرين بموقع "هآرتس" الإسرائيلي، يؤكد أن موقع الهيكل ليس معروفًا على وجه الدقة ولم يتم اكتشاف قطع أثرية مادينة منه من قبل علماء الآثار، على الرغم من وجود العديد من القطع الأثرية التي تنذر بوجوده حسب تعبيره، قائلًا أنه حتى لو كانت هناك بقايا لهذا المعبد تحت الأرض، فإن وجود مزارات إسلامية على جبل الهيكل، مشيرًا إلى المسجد الأقصى وقبة الصخرة، تجعل لا إمكانية لعلماء الآثار الإسرائيلين بالتنقيب هناك، ولكنه على الرغم من ذلك يؤكد وجود آثار تدل على احتمالية وجود آثار أخرى للهيكل...
فيديو قد يعجبك: