إعلان

رمضان شهر التغيير

رمضان شهر التغيير

رمضان شهر التغيير

08:59 م الأحد 10 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: د. سعيد رجب
عضو مركز الفتوى بالمركز العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية
ومدرس العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين

من أهم سمات شهر رمضان أنه شهر التغيير، ففيه فرضية الصيام والتي ليست في غيره من الأشهر، وفيه نزل القرآن من سدرة المنتهى إلى السماء الدنيا، وفيه يتغير الناس دينيا وسلوكيا واجتماعيا.

وسوف نتناول الموضوع من عدة محاور.
أولا: التغير في عالم الغيب وما يتبعه من تغير كوني.

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي أَنَسٍ، مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ: "إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ".

فالتغير الذي يحدث في عالم الغيب ولا اطلاع لنا عليه وإنما آمنا به وصدقناه على ما أخبرنا به سيد الأنام إنما هو تغير لدفع الناس دفعا نحو التغيير، فإذا أخبر الإنسان أن أبواب الجنة فتحت له وغلقت أبواب النيران له أيضا، وهو من نواتج التغير الكوني الذي هو تابع للتغير الغيبي فيما أخبرنا به سيدنا الكريم عندما قال في تتمة الحديث السابق: "وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ", فإغلال الشياطين –أو مردتهم- له معطيات نراها في عالم الواقع، وإن كان الحديث عن الشياطين إنما هو حديث عن عالم الغيب، ولكنا نرى النتائج في عالم الشهادة رأي العين، فالمعاصي تقل وباغي الخير يقبل وباغي الشر يدبر.

نموذج آخر:

تجديد وتعاهد غيبي ينتج عنه تغير كوني وهو استزادة في الطاعة.

في الحديث: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ ، حِينَ يَلْقَى جِبْرِيلَ ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ ، قَالَ : فَلَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ".

فحكاية ابن عباس رضي الله عنه لحال النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يعارض سيدنا جبريل لسيدنا رسول الله القرآن تبين كيف كانت المعاهدة والتغيير من عالم الغيب لعالم الشهادة، ينتج عنه تغير حالي في فعل النبي صلى الله عليه وسلم فلقد كان أجود الناس، فإذا عارضه جبريل عليه السلام زاد جوده.

إنه تجديد غيبي وإن شئت قلت تغيير غيبي، كان من توابعه تغير في الطاعة أي ازدياد فيها.
نموذج ثالث باق إلى يوم القيامة.

أضف إلى هذا تلك الليلة المباركة وهي ليلة القدر وهي ليلة مشهودة لمن تحراها من العالمين، والتي تنزل فيها ملائكة الرحمن إلى عالم الشهادة يسدون عنان السماء، في موقف مهيب لا يطلع عليه إلا كل ذو لب قريب، فالتغير إذًا سنة غيبية وكونية.

والله سبحانه وتعالى وصف ذلك الاتصال -غير المحسوس- الذي يحدث بين عالم الغيب وعالم الشهادة في تلك الليلة فقال: {تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْر سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر} .

فالتغيير سنة من سنن الله تعالى في كونه تظهر أيما ظهور في شهر رمضان.

من التغير الحاصل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان.

عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ".

والمقصود بالعشر هنا: العشر الأواخر من شهر رمضان.

فهذا تغيير يحدث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة أهله، فكان يقبل أيما إقبال على الطاعة والاستزادة من العبادة.
وهذا ما درج عليه صحابة رسول الله والسلف الصالح من بعده صلى الله عليه وسلم، والنماذج في ذلك أكثر من أن تحصى.

ماذا لو اعتاد الناس بعض الأفعال البذيئة؟
شهر رمضان فرصة عظيمة لتغيير تلك العادات التي اعتادها الناس في حياتهم، سواء ما كان يتعلق منها بالقول أو الفعل أو كليهما، قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: «إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ، وَبَصَرُكَ، وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً».
بل من لم يغير سلوكياته السيئة ربما لم يقبل صومه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ".

فالتغيير حالتئذ شرط لقبول الصيام.

والتغيير في حياة المسلم في شهر رمضان إنما هو للوصول إلى مقام عال، ألا وهو تزكية النفس والوصول بها إلى مقام التقوى، قال الشيخ محمد الغزالي :
شرع الإسلام الصوم، فلم ينظر إليه على أنه حرمان مؤقت من بعض الأطعمة والأشربة، بل اعتبره خطوة إلى حرمان النفس دائما من شهواتها المحظورة ونزواتها المنكورة ويؤيد هذا؛ الحديث السابق، وبعد هذا التغيير يصل الإنسان إلى الثمرة المرجوة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} .

وأخيرا من أراد التغيير في شهر رمضان بأداء عمرة أثناء هذا الشهر الكريم، ثم حرمها لما نزل بالبلاد والعباد من بلاء حال دون ذهابه للعمرة فله أن يتأمل فيما أورده حجة الإسلام الغزالي في إحياء علوم الدين ( ) حيث جاء رجل: " يودع بشر بن الحارث وقال قد عزمت على الحج فتأمرني بشيء فقال له كم أعددت للنفقة فقال ألفي درهم، قال بشر فأي شئ تبتغي بحجك تزهدا أو اشتياقا إلى البيت أو ابتغاء مرضاة الله قال ابتغاء مرضاة الله قال فإن أصبت مرضاة الله تعالى وأنت في منزلك وتنفق ألفي درهم وتكون على يقين من مرضاة الله تعالى أتفعل ذلك قال نعم قال اذهب فأعطها عشرة أنفس مديون يقضي دينه وفقير يرم شعثه ومعيل يغني عياله ومربي يتيم يفرحه وإن قوي قلبك تعطيها واحدا فافعل فإن إدخالك السرور على قلب المسلم وإغاثة اللهفان وكشف الضر وإعانة الضعيف أفضل من مائة حجة بعد حجة الإسلام قم فأخرجها كما أمرناك وإلا فقل لنا ما في قلبك فقال يا أبا نصر سفري أقوى في قلبي فتبسم بشر رحمه الله وأقبل عليه وقال له المال إذا جمع من وسخ التجارات والشبهات اقتضت النفس أن تقضي به وطرا فأظهرت الأعمال الصالحات وقد آلى الله على نفسه أن لا يقبل إلا عمل المتقين" .

إعلان

إعلان

إعلان