المفتى السابق يوضح فائدة محاسبة النفس فى الدنيا قبل الأخرة
مصراوي:
قال الدكتور على جمعة - مفتى الديار المصرية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف - موضحا هل هناك فائدة من أن نحاسب أنفسنا في الدنيا قبل أن يحاسبنا الله في الآخرة إن شاء الله؟.
الخطوة الأولى في الطريق إلى الله التوبة، التوبة تقتضي الخطوة الثانية وهي المحاسبة، والمحاسبة مهمة لأنها كأنها أمرٌ بالمعروف، ونهيٌ عن المنكر باعتبار النقض الذاتي؛ يعني «ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول»، الإنسان يجب أن يرى نفسه أولًا، وسبب ذلك في الحقيقة مبني على أن الله سبحانه وتعالى خلقنا فكلفنا فراقبنا فسجل علينا كل شيء، قال تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ هذه هى العلة ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾.
وتابع جمعة من خلال الصفحة الرسمية لفضيلته على فيسبوك قالاً: من أجل ذلك احتجنا إلى محاسبة «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا» قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾، ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ﴾، ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾، ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.
إذن هذه الآيات هي التي تدعونا وتؤكد علينا أن هناك حسابًا، وأنه ينبغي علينا أن نحاسب أنفسنا قبل ذلك الحساب، حتى نجد هذا الحساب يسيرًا، سهلًا، لنا وليس علينا.
- كيف نستطيع أن نصل لمرحلة المحاسبة؟
يوضح عضو هيئة كبار العلماء أن سيدنا جبريل جاء يعلمنا أمر ديننا في صورة دحية الكلبي فـ«دخل علينا رجلٌ شديد سواد الشعر، شديد بياض الثياب لا يعرفه أحدٌ منا وليس عليه أثر السفر».. وفيه فسأله عن الإحسان، قال: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك» تعبد الله كأنك تراه إذًا هناك مراقبة دائمة، وهناك شعور بهذه المراقبة قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ فنرجو الله سبحانه وتعالى الهداية؛ ولذلك يقول الله: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ إن الله سبحانه وتعالى يرى، قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ يعني ربنا رقيب ومن أسمائه الرقيب.
وعندما يقول ربنا سبحانه وتعالى : ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ فهناك من يسأل عن معنى ذلك ؟ يعني هذا لمن راقب ربه، وحاسب نفسه، وتزوّد ليوم القيامة؛ ولذلك قال رجل للإمام الجنيد سيد الطائفة : بمن أستعين على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الناظر إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه.
يعني ربنا ينظر لك وربنا سبحانه يراك على الدوام ؛ فإذا راقب الإنسان ربه حينئذٍ استعان بهذه المراقبة على غض البصر فيستحي ، وما من شخص -وهذا مجرّب- منع نفسه من النظر إلى المحرم، وإلى العورات إلا وأحدث الله له بذلك المنع لذةً في قلبه يشعر بها، أما كلام فرويد إن أنت أترك نفسك ترتع في نفسك الأمارة بالسوء فهذا يؤدي إلى جهنم، وليس يؤدي إلى العفاف، واللذة، والسعادة، والمراقبة الربانية، والسكينة، والتنزلات الرحمانية؛ ولذلك كان الصوفية يقولوا : إننا نجد لذةً لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف.
كان هناك قصة مشهورة عن سيدنا سهل التستري كان خاله محمد بن المنكدر معلمه قاله: الله معي، الله شاهدي، الله مطلع عليّ، وكان يقولهم قبل النوم 7 مرات، فالتكرار يعمل عند النفس شيء من المَلَكة، شيء من الراحة النفسية، شيء من التأثير الباطني عند الإنسان ؛فينبغي علينا أن نُرسّخ كلمة التكرار، من التراكم بعض الشيء فوق بعض؛ فهذا هو الذي يُمكّننا من الوصول إلى المحاسبة بيسر وسهولة، من غير معاناة، وتصبح المحاسبة جزء لا يتجزأ من مكونات شخصية المسلم، وجزء لا يتجزأ من نفسيته، وجزء لا يتجزأ من عقليته
وكان سيدنا صلى الله عليه وسلم يعيد الكلام 3 مرات حتى يسمن من لم يسمع ، ولكي يترسخ المعنى في نفوس السامعين؛ فكان يعيد الكلام، وكان فصيحًا واضحًا جليًا 3 مرات، فالتكرار الذي ندرسه في علم النفس الحديث له أثر فعلًا وله حقيقة.
- ما هي حقيقة المحاسبة؟ وما هي مفاتيح المحاسبة التي يحاسب المسلم بها نفسه؟
قال جمعة إن حقيقة المحاسبة يشير الإمام الغزالي إلى أن الآية التي تُبين لنا حقيقة المحاسبة هي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ فهذه الآية كأنها هي الأساس للمحاسبة، أو بيان كنه المحاسبة، انظر ما الذي فعلته لغدٍ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة: «فماذا أعددت لها؟» قال: إني أحب الله ورسوله.
وجاءه شخص أخر قال له : يا رسول الله ادع الله أن أكون معك رفيقًا في الجنة؟ قال: «أوغير هذا؟» قال: هو هذا، قال: «أعني على نفسك بكثرة السجود» .
إذن ﴿وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ غد وهو يوم القيامة ماذا قدمت له ؟ لا يوجد كلام بالتمنّي لابد من الفعل، وهناك حديث أيضًا عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلًا قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: «ما قدمت لها؟».
والإمام الغزالي يعتبر هذا الحديث أيضًا أصل من الأصول، وأهل الله عندما جربوا الدين فقالوا: ملاك الأمر كله أن تُجهّز حجتك عند الله. ولله الحجة البالغة فإذًا لابد علينا أن نفعل هذا.
مفاتيح المحاسبة أشار إليها الإمام الغزالي ورآها أنها ثلاثة مفتاح المحاسبة يتمثل :
أولًا : نور الحكمة. وهو الفقه سواءٌ بالتعلم، أو بالسؤال، المهم إنك تعرف الفقه، ولذلك تجد الإمام الغزالي ألّف كتابًا هو كتاب «البسيط» ثم اختصره في «الوسيط» ثم اختصر الوسيط في «الوجيز» في فقه الشافعية ، «البسيط» للمنتهين ، «الوسيط» للطلبة، «الوجيز» للعوام، والوجيز شرحه العلماء مثل" الشرح الكبير" للرافعي، وكذا إلى آخره، كان مهتم جدا بالعلم.
الثانية من مفاتيح المحاسبة : سوء الظن بالنفس . فيجب أن نترك التكبر.
المفتاح الثالث : تمييز النعمة من النقمة من الفتنة. فالتمييز بين النعمة والنقمة هو الذي يجعل الإنسان واعيًا في حساب نفسه.
- كيف يعتاد الإنسان على هذه المحاسبة ؟
يعتاد عليها بمحاسبة أعضائه السبعة ؛ العين لأنها ترى، الأذن لأنها تسمع، اللسان لأنه ينطق، فهؤلاء الثلاثة مبني عليهم تكليف ؛أُمرنا بغض البصر، أًمرنا بعدم سماع الكذب، والنميمة، والغيبة، وكذا، أمرنا بألا ننطق بالكذب، وبالغيبة ، والنميمة .
البطن والفرج، البطن شهوة البطن معروفة، وممكن تحملني إلى أكل الحرام، شهوة الفرج معلومة وممكن تدفعني إلى ارتكاب المعصية، والفاحشة، والزنا، وكذا إلى آخره.
اليد والرجل لأن ممكن باليد أبطش، ممكن أكتب كلام يُغضب الله، ممكن إن أنا أستعمل إيدي في غير ما خُلقت له، وممكن إن أنا برجلي أذهب إلى المعصية، هذه هى السبعة أعضاء أُمرنا بحفظهم الرأس وما وعى، والصدر وما حوى . ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ وكما يقول سيدنا عمر : «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا».
وكان مالك بن دينار رحمه الله تعالى يقول: رحم الله عبدًا قال لنفسه ألست صاحبة كذا، ألست صاحبة كذا . ذمها ثم ألزمها كتاب الله فكان له قائدا.
فيديو قد يعجبك: