قراءة في حديث "ناقصات عقل ودين" .. هل جاء لذم المرأة؟
كتب – هاني ضوه :
"ناقصات عقل ودين".. عبارة تحمل في طياتها الكثير من التفسيرات المغلوطة التي يستغلها المتشددون في معاملاتهم مع المرأة، رغم أن معناها الصحيح الذي قصده النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعيد تمامًا عن تلك التفسيرات التي تنتقص من المرأة التي جعلها الله شقيقة للرجل بقوله: "النساء شقائق الرجال".
الحديث مشهور وصحيح رواه الإمامان بالبخاري ومسلم في صحيحهما، ورواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عند البخاري فقال: "خرَج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أضحى أو فِطْرٍ إلى المُصلَّى، فصلَّى ثمَّ انصرَف، فقام فوعَظ النَّاسَ وأمَرهم بالصَّدقةِ، وبعد حديث طويل قال صلى الله عليه وآله وسلم: "مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ»، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا»."
ويقف مصراوي مع شرح هذا الحديث وقفات بينها العلماء كثيرًا عند شرحهم له، إلا أن هناك عقولا لا تزال تسعى لاستغلال الفهم الخاطئ للانتقاص من المرأة.
المتأمل لهذا الحديث يجد أنه جاء في مناسبة وهي وقت العيد، وهي أيام فرحة ومداعبة وليست مجالًا للانتقاص من المرأة، وهو أمر ليس من أخلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أكد على ضرورة الإحسان إلى النساء وإكرامهن.
الوقفة الثانية أن الحديث كان موجها إلى بعض نساء المدينة المنورة وكان أغلبهن من الأنصار، وفي طبع الأنصاريات بعض الشدة في تعاملهن مع أزاوجهن، وهو ما أشار إليه سيدنا عمر بن الخطاب حين قال: "وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الأَنْصَارِ".
وهذا يوضح معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهذه المجموعة من النساء: "مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ". فهو بعض في نساء الأنصار وليس عامًا على كل النساء.
أما الوقفة الثالثة فهي أن هذا الحديث النبوي الشريف وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه لم يأت لتقرير قاعدة عامة أن كل النساء ينطبق عليهن هذا الوصف، بل هي كما قال العلماء أقرب إلى صيغة التعجب من هذه الصفة في أغلب نساء الأنصار خصوصًا، فرغم أن السائد في المجتمع في هذا الزمان أن الرجل يكون هو الأقوى والمسيطر على الأمور وليس العكس كسياق اجتماعي، مما يشير إلى أن قول النبي جاء ملاطفة لنساء الأنصار ليجذبهن إلى نصائحه التالية التي سيلقيها عليهن، فلم تأت عبارة "ناقصات عقل ودين" في صيغة الإقرار والتعميم على كل النساء.
ثم تأتي الوقفة الرابعة وهي الحاسمة، عندما سألن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟" ليأتي تفسير وتوضيح النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهن فيقول: "أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا".
فحددها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هاتين الحالتين وهما الشهادة، والامتناع عن العبادة في فترة الحيض والنفاس، وهي أيام مؤقتة وليس وضعا دائما، وهذا أمر لا يعيب المرأة لأنه قدر قد كتبه الله على النساء، وهن مأجورات بالصبر عليه.
وما أجمل تفسير إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي عند الحديث عن هذا الأمر بقوله: "العقل يعني أن تمنع نوازعك من الانفلات، ولا تفعل إلا المطلوب فقط.
إذن فالعقل جاء لعرض الآراء، واختيار الرأي الأفضل، وآفة اختيار الآراء الهوى والعاطفة، والمرأة تتميز بالعاطفة، لأنها معرضة لحمل الجنين، واحتضان الوليد، الذي لا يستطيع أن يعبر عن حاجته، فالصفة والملكة الغالبة في المرأة هي العاطفة، وهذا يفسد الرأي.
ولأن عاطفة المرأة أقوى، فإنها تحكم على الأشياء متأثرة بعاطفتها الطبيعية، وهذا أمر مطلوب لمهمة المرأة .
إذن فالعقل هو الذي يحكم الهوى والعاطفة، وبذلك فالنساء ناقصات عقل، لأن عاطفتهن أزيد، فنحن نجد الأب عندما يقسو على الولد ليحمله على منهج تربوي فإن الأم تهرع لتمنعه بحكم طبيعتها، والإنسان يحتاج إلى الحنان والعاطفة من الأم، وإلى العقل من الأب".
والذي يؤكد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعمّم الحكم على كل النساء، كما أنه لم يرد الانتقاص من المرأة، أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يأخذ برأي زوجاته رضي الله عنهن، وليس أدل على ذلك مما حدث في قصة الحديبية مع السيدة أم سلمة رضي الله عنها، فإن النبي صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما صالح قريشاً على الرجوع، وعدم دخول مكة عامهم هذا، قال لأصحابه: "قُومُوا فَانْحَرُوا"، قال الراوي: "فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ . فلما فعل ذلك ، قاموا فنحروا".
وذكر لنا القرآنُ العديد من قصص النساء اللاتي لديهن من رجاحة العقل، ما لا يتمتع به الكثير من الرجال، ومن هؤلاء بلقيس ملكة سبأ التي قادها عقلها الحكيم إلى ترك الشرك بالله، والدخول في دين الإسلام ، وقد حكى الله تعالى شأنها مع سيدنا سليمان عليه السلام، وكذلك ابنة نبي الله سيدنا شُعيب عليه السلام، وهي تُحدِّث أباها عن موسى عليه السَّلام: ﴿ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]، وهي لم تَرَ نبي الله موسى عليه السلام مِن قبلُ، فدل ذلك على رجاحة عقلها، وصدْق فراستها.
وقد روى ابن كثير أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهي الناس عن المغالاة في المهور، فلما نزل من على المنبر اعترضته امرأة من قريش، وقالت له: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ فقال : وأي ذلك؟، فقالت: أما سمعت الله يقول: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً ) فقال عمر: اللهم غَفْراً، كل الناس أفقه من عمر. ثم صعد المنبر وقال: كنت نهيتكم عن كذا، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب، أو قال: فمن طابت نفسه فليفعل.
والأمثلة كثيرة يقصر المقام عن ذكرها كلها، ولكن جميعها يؤدي إلى الفهم الصحيح لنص حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويبين أن المرأة مكرمة في الإسلام، وأن رجاحة العقل هي كذلك من صفات المرأة الرشيدة، وليس معنى الحديث الانتقاص من المرأة كما يفهم ويروّج المتشددون.
فيديو قد يعجبك: