عودوا إلى دائرة نظر الله.. جمعة: النعمة للمؤمن والكافر وليست مقياس الحق

(مصراوي):

قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، إن طاعة العبد لله ليست مقياسا للنعم، فالمقياس أنه إذا ما أردت أن تعرف قربك وبُعدك عن الله انظر إلى طاعتك هل أنت موفق للطاعة فالله راضٍ عنك، أو أنك بعيدٌ عنها فالله سبحانه وتعالى غير راضٍ عنك، أما النعم فهذه يأخذها المؤمن، ويأخذها الكافر.

وأضاف عضو هيئة كبار العلماء، مستشهدا بقول ربنا سبحانه وتعالى {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}، أن في هذه الآية بياناً لسنة الله الكونية التي لا تتخلف، وهو أن القوة والتمكن في الأرض ليسا مقياسًا للحق، وأن النعمة الربانية يعطيها الله سبحانه وتعالى لكل أحد للمؤمن والكافر؛ فليس الغنى، وليست الصحة، وليس الجاه، وليس السلطان، وليست القوة بمقياس للحق؛ فقد تكون مع الكافر، ومع الملحد، ومع المؤذي، ومع المفسد، وقد تكون مع التقي النقي.

وتابع جمعة، عبر صفحته الشخصية على فيسبوك: وهكذا رأينا الأنبياء فمنهم المِلك، ومنهم من كان فقيرًا، ومنهم من كان غنيًا، كلهم كانوا أصحاب فطنة، وذكاء، وصفاء، ونقاء، واصطفاء، ولكن تقلبت عليهم الدنيا، منهم من جعل الله الدنيا في يده، ومنهم من كان فقيرًا إليه سبحانه وتعالى لا يسأل الناس إلحافا، كلهم كانوا من أشراف أقوامهم، كلهم كانوا صادقين، ولكن هذه المقاييس التي نسميها بمقياس النعمة فقد يُحرمها أحدهم، ولذلك رأينا من الأنبياء من ضر بصره مثل سيدنا يعقوب، ورأينا من الأنبياء من ابتلي في جسده بالمرض مثل سيدنا أيوب، وكان النبي ﷺ وهو سيد الخلق يمرض، وكان قد وقع مرةً من على الفرس فكُشح -كُشح يعني ردت ضلوعه-، وعندما حاول يهود أن يقتلوا النبي ﷺ بالسم فدست امرأةٌ من اليهود السم في الذراع فإنه تألم وقال: «أكلة خيبر قطعت أبهري» -والأبهر هو الأورطة-؛ فالنبي ﷺ وهو بشر عندما جُرح نزف دمًا، وكسرت رباعيته وهكذا.

وأوضح فضيلة المفتي السابق أن مقياس الحق ليس هو النعمة؛ فالنعمة يتقلب فيها المؤمن والكافر، فلو كان الله سبحانه وتعالى جعل سنة كونه أن كل من انحرف عن طريقه أوذي لكان الناس كلهم قد استقاموا، ولكن ولأن النعمة ليست مقياسًا للحق فإنه لما {نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} ماذا فعل فيهم ربنا؟ {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} يعني نِعَم كثيرة جاءتهم لأن هذا ليس مقياسًا للحق، لا يقول أحدهم لو كان الله قد غضب عليّ لحرمني هذا كلامٌ غير سديد، لا لو أن الله سبحانه وتعالى أكرمك لوفقك لطاعته؛ فإذا ما أردت أن تعرف قربك وبُعدك عن الله انظر إلى طاعتك هل أنت موفق للطاعة فالله راضٍ عنك، أو أنك بعيدٌ عنها فالله سبحانه وتعالى ليس راضٍ عنك، أما النعم فهذه يأخذها المؤمن، ويأخذها الكافر يرزق الله المؤمنين والكافرين من حيث لا يحتسبون، ويرزقهم رزقًا واسعا رغدا، ولكن انظر إلى نفسك في الطاعة هل أنت قد تذكرت ما ذكَّرك الله به؟ فأنت في رضاه، أو أنك على خلاف ذلك فأنت خارج دائرة نظر الله ورعايته سبحانه وتعالى، وأنت في ضلالة فلترجع، ولتراجع نفسك، ولتعد إلى الحق، وإلى دائرة نظر الله سبحانه وتعالى.