العارف بالله "رينيه جينو" .. قصة تحول مفكر فرنسي إلى عالم صوفي في مصر
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
كتب – هاني ضوه:
رينيه جينو .. مفكر وفيلسوف فرنسي رحلته من الشك إلى اليقين والبحث عن الحق حتى وصوله إلى الإسلام جديرة بأن تتم دراستها والاستلهام منها، فهو كما وصفه الإمام الدكتور عبدالحليم محمود في كتابه: "الفيلسوف المسلم رينيه جينو": " العارف بالله الشيخ عبدالواحد يحيى"، وهو الاسم الذي اختاره لنفسه بعد إسلامه.
البحث عن الدين الحق
رحلة المفكر والفيلسوف الفرنسي إلى الإسلام لم تكن بسيطة أو سهلة، فقد ولد مسيحيًا كاثوليكيًا محافظًا، ثم درس الماسونية وفلسفات الشرق القديم بحثًا عن الاستقرار الروحي.
ولِـد رينيه جينون عام 1886 في مدينة بلوا بفرنسا، وبدأ في شبابه دراسة الرياضيات والفلسفة وقد كان طالبا ممتازا في باريس رغم صغر سنه، ثم انغمس جينو في عدد من الحركات الباطنية الفرنسية وصار
عضوًا بارزًا في عدة منظمات سرية والتي كان من بينها الجمعيات الثيوصوفية والروحانية والماسونية و"الغنوصية".
لم يكتف رينيه بذلك بل قرر الولوج إلى عالم الديانات الشرقية، وذلك بدءًا من عام 1904م، وفي تلك الفترة كان هناك ثلاث شخصيات أثرت عليه بشكل كبير كان أولهم المفكر الفرنسي "ليون شامبريينو" أو "عبدالحق" وهو اسمه بعد إسلامه وقد أسهم بشكل كبير في الإجابة عن تساؤلات كثيرة كانت تدور في ذهن رينيه جينو وعمل معه في مجلة "الطريق" التي كان يصدرها حتى عام 1907م.
أما الشخص الثاني فكان صديقه "الغراف ألبير بيوتو" الذي اعتنق الديانة التاوية، والشخص الثالث كان صديقه الثالث الفنان السويدي "أيون غوستاف آغلي" الذي أسلم وغير اسمه إلى عبدالرحمن، وكان له تأثير كبير على تفكيره.
وفي عام 1909، أسس جينو مجلة باطنية بعنوان "الغنوص" أي "العرفان". وقد دامت تلك المجلة لمدة تربو على سنتين وحوت معظم كتابات جينو في تلك الفترة الزمنية.
وشهدت الفترة بين 1912 إلى 1930 نشاطًا كبيرًا لـ رينيه جينو، حيث ألقى الكثير من المحاضرات في جامعة السوربون وكثرت كتاباته وانتشرت على نظاق واسع وذاع صيته بسبب مؤلفاته التي تناولت موضوعات فلسفية وميتافيزيقية.
لحظة التحول إلى الإسلام
وتأتي لحظة التحول بعد أن استغرق في عالم التصوف مع صديقه الفنان السويدى "أيون غوستاف آغلي" الذي أسلم وغير اسمه إلى عبدالرحمن وتصوف على يد الشيخ عبدالرحمن عليش، حينها أعلن رينيه جينو إسلامه سنة 1912 على يد صديقه الرسام السويدي "عبدالرحمن"، وأصبح معروفاً في عالم التصوف الإسلامي الشاذلي باسم "عبدالواحد يحيى"، فقد تلقى العهد مناولة من الشيخ "عليش" المصري، على يد "عبدالرحمن" السويدي في باريس، ويهدى عام 1912 كتابه "رمزية الصليب" إلى شيخه "عليش" الذي كان يشتغل وقتها بالتدريس في الأزهر.
ويقول رينيه جينو عن سبب إسلامه: "تتبعت كل الآيات القرآنية التي لها ارتباط بالعلوم الطبية والصحية والطبيعية، والتي درستها منذ صغري وأعلمها جيدا، فوجدت هذه الآيات منطبقة كل الانطباق على معارفنا الحديثة، فأسلمت لأني تيقنت أن محمدا صلى الله عليه وسلم أتى بالحق الصُّراح من قبل 1000 سنة، ومن قبل أن يكون هناك معلم أو مدرس من البشر".
وعن إسلامه يقول الإمام عبدالحليم محمود في كتابه: "الفيلسوف المسلم رينيه جينو": "وكان سبب إسلامه بسيطا ومنطقيا في آن واحد، لقد أراد أن يعتصم بنص مقدس لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فلم يجد بعد دراسته العميقة سوى القرآن؛ فهو الكتاب الوحيد الذي لم ينله التحريف ولا التبديل؛ لأن الله تكفل بحفظه فاعتصم به وسار تحت لوائه فغمره الأمن النفساني في رحاب الفرقان".
من فرنسا إلى مصر .. نقطة تحول
وفي شهر يناير من عام 1928، توفيت زوجة جينو دون مقدمات؛ وبعد سلسلة من الظروف العرضية المواتية، قرر السفر إلى القاهرة سنة 1930 بعد أن جاءه عرض من بيت النشر في باريس ليقوم بمشروع جمع وترجمة مستندات تتعلق بالثقافة الصوفية والزهد في الإسلام، كان من المفترض أن تكون مدة إقامته في القاهرة ثلاثة أشهر فقط، ولكن أخذ وقتًا أطول، وفجأة قررت دار النشر إيقاف المشروع، ورفض رينيه جينو العودة إلى فرنسا من أصحابه الغربيين.
بين الإمام الحسين والأزهر الشريف
قرر أن يبقى في مصر رغم حالته المادية المتردية ليجاور شيخه الشيخ عليش وعاش في منطقة الأزهر، حيث كان يقضي وقته بين مسجد الإمام الحسين والجامع الأزهر الشريف.
وفي القاهرة وبعد فترة من العزلة تعرف رينيه جينو على الشيخ محمد إبراهيم صديق شيخه الشيخ عليش، وتزوج ابنته فاطمة في عام 1934 وأنجب منها أربعة أبناء.
وغير الشيخ عبدالواحد كثيرًا من هيئته فأصبح يرتدي الزي الأزهري والجلباب، وخلال تلك الفترة كان رينيه جينو أو الشيخ عبدالواحد يؤلف بالفرنسية ويراسل المجلات الفرنسية، كما كان يؤلف بالعربية مباشرة وينشر في مجلة "المعرفة" التي أنشأها بالتعاون مع عبدالعزيز الإسطنبولي لنشر الثقافة الإسلامية والصوفية في مصر.
وبعد أن توفى حموه الشيخ محمد إبراهيم، يترك إقامته في حي الإمام الحسين، وينتقل وزوجته فاطمة إلى "شارع نوال" بحي الدقي، حيث أقام في فيلا اسماها "فاطمة" على اسم زوجته، ليعيش معها وبنتيه "خديجة"، و"ليلى"، وولده "أحمد".
وأصيب بمرض الروماتويد عام 1939 وظل طريح الفراش لفترة، وكان يستعين بذكر الله سبحانه وتعالى على الشفاء فيؤدي وردًا بأسماء الله الحسنى، وبقي كذلك حتى تماثل للشفاء وحينها قرر الانتقال للعيش في حي عابدين ليكون قريبًا من مقام الإمام الحسين.
عزلة للكتابة والتأليف
وعلى مدار سنوات ظل رينيه جينو أو الشيخ عبدالواحد يكتب عن التصوف والإسلام ويصدر المؤلفات التي بلغت 29 كتابًا لم يترجم أي منها إلى اللغة العربية، وما يزيد على 500 مقال ومراجعات للكتب، وغطت أعماله مجالات الدين والعلوم التقليدية والفنون، ونقد العالم الحديث ضمت بين صفحاتها دفاعًا عن الإسلام وصورته لدى الغرب في مواجهة الصورة التي كان يروجها المستشرقون حول كون الإسلام انتشر بحد السيف، وأنه لا يثمر الروحانية العميقة، وأن الحضارة الإسلامية تتسم بالقوة الذاتية التي تجعلها تؤثر في أقاليم غير التي نشأت فيها.
وفاته .. آخر ما قاله "الله"
ويقول الكاتب "بول شكورناك"، مؤلف كتاب "حياة رينيه جينو الزاهدة" عن وفاته: "وفي العام 1949 حصل على الجنسية المصرية، ولكن مع حلول شهر يناير سنة 1950م عاود مرض الروماتويد الشيخ رينيه جينو فلازم الفراش حتى تقرح فخذه الأيمن ولكنه يتحسن ولكن يمرض مرة أخرى، ويحتضر سريعاً فتدخل عليه زوجته فاطمة فيقول لها بالعامية المصرية: "النفس خلص" وينتقل إلى بارئه قبل منتصف الليل ويوم 7 يناير عام 1951 وهو يقول ذاكرًا الله بالاسم المفرد: "الله .. الله".
جنازته
وصف الكاتب المشهور "أندريه روسو" حيث كان في القاهرة إذ ذاك جنازة الشيخ عبدالواحد يحيى فكتب في جريدة الفيجارو الفرنسية يقول: "شيعت جنازته في اليوم التالي لوفاته فذبح تحت نعشه كما هى العادة كبشًا وأسيل دمه على عتبة المنزل، وسار في الجنازة زوجته وأطفاله الثلاثة واخترقت الجنازة البلدة إلى أن وصلت إلى مسجد سيدنا الحسين حيث صلى عليه، ثم سارت الجنازة إلى مقبرة الدراسة، لقد كانت جنازة متواضعة مكونة من الأسرة ومن بعض الأصدقاء، ولم يكن فيها أي شيخ من مشايخ الأزهر، ودفن الشيخ عبدالواحد في مقبرة أسرة الشيخ محمد إبراهيم، وكان آخر ما قال لزوجته: كوني مطمئنة لن أتركك أبدا، حقيقة أنك لا ترينني، ولكنني سأكون هنا وسأراك”.
ويضيف روسو: "والآن حينما لا يلتزم أحد أطفالها الهدوء فإنها تقول له: كيف تجرؤ على ذلك مع أن والدك ينظر إليك، فيلتزم الطفل السكون في حضرة والده اللا مرئي”.
ودفن رينية جينو أو الشيخ عبدالواحد يحيى في مقابر الدراسة، بجوار حميه الشيخ "محمد إبراهيم"، وتضع زوجته بعد وفاته بأربعة أشهر ابنه "عبدالواحد" تيمناً باسم أبيه، ويحمل مشعل والده فقد حضر الندوة التي نظمها المركز الثقافي الفرنسي بباريس في 15 يونيو 2005 بعنوان "رينيه جينو.. ومنهجه الصوفي في إعادة التوازن بين الشرق والغرب"، وقد تحدث الابن عن الأب الشيخ الصوفي وكيف كان يمسح على رؤوس بناته وهن ذاهبات إلى المدرسة.
فيديو قد يعجبك: