هارون الرشيد.. هل كان "زير نساء"؟.. تعرف على حقيقة الخليفة المفترى عليه
-
عرض 4 صورة
-
عرض 4 صورة
-
عرض 4 صورة
-
عرض 4 صورة
كتب – هاني ضوه :
إذا ما ذُكر اللهو والنساء والجواري ومجالس الأنس والسمر ذُكر اسم الخليفة هارون الرشيد.. هكذا ارتبط الأمر في أذهان الكثيرين، رغم أن هذه الصورة بعيدة كل البعد عن حقيقة هذا الخليفة العباسي الذي كان مثالًا للزهد والتقوى، بل وصلت بغداد في عهده إلى قمة مجدها الحضاري والثقافي حتى صارت سيدة مدن العالم حضاريًا!
الرشيد راويًا للحديث
كان هارون الرشيد من أعظم خلفاء بني العباس، وكان شديد التقوى والخوف من الله عز وجل حتى إنه كان يحج عامًا ويغزو في سبيل الله عامًا، بل وحتى في حجه لم يكن مرفهًا بل كان يحج ماشيًا، ويصلي في كل يوم مائة ركعة.
بل والأعجب أنه كان يروي الحديث بالسند المتصل إلى النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وكان- رحمه الله- يجل العلماء ويجالسهم ويستمع منهم الحديث والموعظة فيبكي حتي يبل الثري بدموعه.
يقول ابن العماد: "كان الرشيد رحمه الله يحب الحديث وأهله، وسمع الحديث من مالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد الزهري، وأكثرُ حديثه عن آبائه، وروى عنه القاضي أبو يوسف والإمام الشافعي رضي الله عنهما".
ومما رواه الرشید من الحدیث قال الصولي: حدثنا عبد الرحمن بن خلف حدثني جدي الحصین بن سلیمان الضبي سمعت الرشید یخطب فقال في خطبته حدثني مبارك بن فضالة عن الحسن عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اتقوا الله ولو بشق تمرة".
وقال حدثني محمد بن علي عن سعید بن جبیر عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب قال قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "نظفوا أفواهكم فإنها طريق القرآن".
يغزو عامًا ويحج ماشيًا عامًا
ويستعرض "مصراوي" بعضًا من أقوال العلماء والمؤرخين الثقات في حق هارون الرشيد وبعضهم ممن عاصروه أو قابلوا من عاصروه:
ذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد عن هارون الرشيد: "كان يصلي في كل يوم مئة ركعة إلى أن فارق الدنيا، إلا أن يعرض له علة، وكان يتصدق في كل يوم من صلب ماله بألف درهم، وكان إذا حج أحج معه مئة من الفقهاء وأبنائهم، وإذا لم يحج أحج في كل سنة ثلاثمئة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الظاهرة".
وقال الإمام الذهبي في التاريخ: "سنة تسع وسبعين ومئة وفيها اعتمر الرشيد في رمضان ودام على إحرامه إلى أن حج ومشى من بيوته إلى عرفات".
وقال الغزالي في فضائح الباطنية: "وقد حُكي عن إبراهيم بن عبد الله الخراساني أنه قال: حججت مع أبي سنة حج الرشيد فإذا نحن بالرشيد وهو واقف حاسرٌ حافٍ على الحصباء، وقد رفع يديه وهو يرتعد ويبكي ويقول يا رب أنت أنت وأنا أنا، أنا العوّاد إلى الذنب وأنت العوّاد إلى المغفرة، اغفر لي".
وفيه وصفه قال الإمام السيوطي في كتابه "تاريخ الخلفاء": كان أبيض طويلًا جميلًا مليحًا فصيحًا يحب العلم وأهله ويعظم حرمات الإسلام، كثير الغزو والحج، حج تسع مرات وكان إذا حج حج معه الفقهاء وأبناؤهم وجمع كبير، وإذا لم يحج يحج عنه ثلاثمائة رجل معهم كسوة الكعبة الباهرة، وبذلك اشتهر عنه إنه كان يحج عامًا ويغزو عامًا".
في حين قال عنه الإمام الطبري: "إنه غزا سبع مرات وجهز عشرين حملة للجهاد في البر والبحرين وظل عهده ممزوجًا بين جهاد وحج حتي إذا جاء عام192 هـ فخرج إلي خراسان لإخماد بعض الفتن والثورات التي اشتعلت ضد الدولة، فلما بلغ مدينة طوس اشتدت به العلة وتوفي في 3 من جمادي الآخرة193 هـ الموافق 14 ابريل عام809 م، بعد أن قضي في الخلافة أكثر من ثلاث وعشرين سنة، وتعتبر هذه الفترة العصر الذهبي للحضارة الإسلامية".
مائة ركعة في اليوم
وكان رحمه الله عابدًا متهجدًا، فكان يصلي في خلافته كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا لا يتركها إلا لمرض، وكان يتصدق كل يوم من صلب ماله بألف درهم، وكان إذا حجّ أحجّ معه مائة من الفقهاء وأبنائهم، وإذا لم يحج أحج في كل سنة ثلاثمائة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الباهرة رحمه الله.
ذكر ذلك ابن الجوزى وقال أيضًا: وكان كثير البكاء من خشية الله، سريع الدمعة عند الذكر، محبا للمواعظ.
يقول القرماني: وهو من أجل ملوك الأرض، له نظر فى العلم والآداب، وكان يصلي في كل يوم وليلة مائة ركعة، وكان يحب العلم ويوقر أهله، وكانت أيام الرشيد كلها خيرًا، كأن من حسنها أعراس.
وكان عنده من تعظيم الشرع شيء عجيب، وكان إذا ذُكّر بالله تذكر، وإذا خُوف ازدجر، وكان معظمًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول أبو معاوية الضرير الإمام المحدث الكبير: ما ذكرت عنده – أي هارون الرشيد – حديثًا إلا قال: صلى الله وسلم على سيدي، وإذا سمع حديثًا فيه موعظة بكى حتى يبل الثرى.
بغداد الرشيد قبلة الحضارة
وقد اتسعت رقعة الخلافة الإسلامية في عصره؛ حتى بلغت مشارق الأرض ومغاربها؛ وكانت الأموال تحمل من جميع الأقاليم – بعد تكفية الجيوش – إلى بيت المال على بعد المسافة، وكان يستلقي وينظر إلى السحابة، فيقول: اذهبي إلى حيثُ شئت؛ خراجُك يأتيني يأذن الله.
وأنشأ ما يعرف ببيت الحكمة في بغداد، وزودها بأعداد كبيرة من الكتب والمؤلفات من مختلف بقاع الأرض. وكانت تضم غرفًا عديدة تمتد بينها أروقة طويلة، وخُصصت بعضها للكتب، وبعضها للمحاضرات، وبعضها الآخر للناسخين والمترجمين والمجلدين.
كما تمت في عهده أول ترجمة إلى العربية لأشهر كتاب علمي عرف في التاريخ، وهو كتاب الأصول (الأركان) في الهندسة والعدد لإقليدس وتطورت العلوم خصوصًا الفيزياء الفلكية والتقنية، وابتكرت عدد من الاختراعات كالساعة المائية، كما أنشئ في عهده أول مصنع للورق ببغداد سنة 795 وصار سوق الوراقين لاحقًا الذي يضم مئات الحوانيت التي تبيع السلع الورقية الفاخرة مفخرة عاصمة العباسيين.
واهتم هارون الرشيد بالإصلاحات الداخلية فبنى المساجد الكبيرة، وفي عهده استعملت القناديل لأول مرة في إضاءة الطرقات والمساجد. اعتنى الرشيد أيضًا بالزراعة وأسس نظامها، فبنت حكومته الجسور والقناطر الكبيرة وحفرت الترع والجداول الموصلة بين الأنهار، وأسس ديوانًا خاصًا للإشراف على تنفيذ تلك الأعمال الإصلاحية، ومن أعماله أيضًا تشجيع التبادل التجاري بين الولايات وحراسة طرق التجارة بين المدن.
وغدت بغداد في عهده قبلة طلاب العلم من جميع البلاد، يرحلون إليها حيث كبار الفقهاء والمحدثين والقراء واللغويين، وكانت المساجد الجامعة تحتضن دروسهم وحلقاتهم العلمية التي كان كثير منها أشبه بالمدارس العليا، من حيث غزارة العلم، ودقة التخصص، وحرية الرأي والمناقشة، وثراء الجدل والحوار.
كما جذبت بغداد في عصر الرشيد الأطباء والمهندسين وسائر الصناع. وكان الرشيد نفسه يميل إلى أهل الأدب والفقه والعلم، حتى ذاع صيت الرشيد وطبق الآفاق ذكره، وأرسلت بلاد الهند والصين وأوروبا رسلها إلى بلاطهِ تخطب وده، وتطلب صداقته.
علاقته بقناة السويس
روي الإمامان السيوطي والذهبي أن هارون الرشيد كان يفكر في عمل قناة السويس الموجودة حاليًا قبل أكثر من ألف عام، وأعرض عن ذلك لاحقًا تحسبًا لغزوات الروم ودخولهم أرض الحجاز.
ولكن للأسف هذه الصورة الذهنية المغلوطة عن هارون الرشيد إنما ارتبطت بروايات ألف ليلة وليلة التي صوّرته خليفة لا تخلو مجالسه من النساء والمجون، ولعل هذه الصورة التي حرص وزراؤه من البرامكة على تشويهها بعد أن تصدى لمطامعهم وتدخلاتهم السافرة في شؤون الحكم بل والوقيقة بين ابنيه الأمين والمأمون.
وحاولوا من حينها أن يصوروا هارون الرشيد في صورة الخليفة الماجن الذي لا همّ له إلا مجالس الطرب والخمر ومعانقة الجواري الحسان اللاتي لا يفارقن مجلسه. كما تناقلت هذه الصورة المشوهة بعض الأعمال الدرامية التي عملت على نشرها بين الناس.
وفاته
توفي هارون الرشيد في الغزو بطوس من خراسان ودفن بها في 3 من جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة، وكان عمره 45 سنة، وصلى عليه ابنه الصالح.
وقيل إن هارون الرشيد قبل موته رأى منامًا أنه يموت بطوس فبكى وقال: "احفروا لي قبرًا" فحفر له ثم حمل في قبة على جمل وسيق به حتى نظر إلى القبر فقال: "يا ابن آدم تصير إلى هذا"، وأمر قومًا فنزلوا فختموا فيه ختمًا للقرآن وهو في محفة على شفير القبر.
ولما مات بويع لوالده الأمين في العسكر وهو حينئذ ببغداد فأتاه الخبر فصلى الناس الجمعة وخطب ونعى الرشيد إلى الناس وبايعوه.
مصادر:
كتاب " تاريخ بغداد" - الخطيب البغدادي.
كتاب "تاريخ الخلفاء" – الإمام السيوطي.
كتاب "الذهب المسبوك في من حج من الملوك" – المقريزي.
كتاب "شذرات الذهب في أخبار من ذهب" - ابن العماد الحنبلي.
كتاب "تاريخ الأمم والملوك" - الإمام الطبري.
كتاب "وفيات الأعيان" - ابن خلكان.
كتاب " هارون الرشيد الخليفة المظلوم" - محمد الزين وأحمد القطان.
كتاب " هارون الرشيد دراسة تاريخية اجتماعية سياسية" - د. عبدالجبار الجومرد.
فيديو قد يعجبك: