الأذان الثاني يوم الجمعة .. بدعة أم سُنة ؟
بقلم - هاني ضوه :
نائب مستشار مفتي الجمهورية
من حين لآخر يثير بعض المتشددين اللغط حول مشروعة الأذان الثاني يوم الجمعة، واستندوا في ذلك إلى أن أذان يوم الجمعة على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أذانًا واحدًا وليس اثنين.
ولكي نفهم الأمر على حقيقته، لابد أن نوضح أنه بالفعل كان أذان الجمعة على عهد رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله أذانًا واحدًا، وكان يرفع حين يجلس الإمام على المنبر، فزاد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه أذانًا ثانيًا على الزوراء حين كثر الناس وأصبح الكثير منهم لا يدرك صلاة الجمعة، ودل على ذلك حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه: "أن الأذان يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان في خلافة عثمان رضي الله عنه وكثر الناس وتباعدت المنازل، أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثاني، فأذّن به على الزوراء ، فثبت الأمر على ذلك".
وما فعله الخليفة الراشد سيدنا عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين رضي الله عنه لم يشذَّ به عن باقي الأمة؛ فقد أقره الصحابة في عهده، وثبت الأمر على ذلك بعده في عهد أمير المؤمنين سيدنا الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى يومنا هذا، ولقد روى البخاري نفس الحديث برواية أخرى زاد فيها: عن الزهري قال: سمعت السائب بن يزيد رضي الله عنه يقول: "إِنَّ الأَذَانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ كَانَ أَوَّلُهُ حِينَ يَجْلِسُ الإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان في خلافة عثمان رضي الله عنه وكثروا أمر عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة بالأذان الثالث، فأذن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك".
هذا يجعلنا نتسائل .. هل الأذان الثاني من السنة؟ أم أنه أمر يجب الامتناع عنه خاصة مع وجود وسائل الإخبار الحديث وزيادة عدد المساجد وتقاربها؟!
ولكي نجيب على هذا السؤال علينا أن نقرأ حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي يقول فيه: «مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا؛ فَعَلَيْكُمْ بسنتي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ»، وسيدنا عثمان بن عفان من الخلفاء الراشدين الذين أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم باتباع سنتهم وما يجتهدون فيه من أمور تتوافق مع عصرهم.
ولا شك أن الصحابة الكرام الذي عاصروا تشريع سيدنا عثمان للأذان الثاني قد ارتضوه دون نكير منهم، وكذلك ارتضاه أئمة وعلماء الإسلام المعتبرين على مدار التاريخ الإسلامي وحتى يومنا هذا، فالذي يطعن فيه وينكره فإنه يطعن في إجماعٍ وفي شعائر الإسلام التي ارتضاها العلماء عبر القرون، والذي يدعي أنه بدعة ضلالة يخالف ما تواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أن الله سبحانه لا يجمع أمته على ضلالة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
والأمر على السعة، وهو أمر فقهي والقاعدة الأصولية تقول: "إنما يُنكر المتفق عليه، ولا يُنكر المختلف فيه".
فيديو قد يعجبك: