حين يتحول الفقه إلى شذوذ ودجل
بقلم – هاني ضوَّه :
نائب مستشار مفتي الجمهورية
القاعدة تقول: "كن شاذًا .. تكن شهيرًا"، وقد أصبحنا في زمن انتشر فيه الشذوذ في كل شئ، حتى أن الكثير من وسائل الإعلام تخلت عن دورها في التثقيف والتوعية لتصبح منصة لكل ما هو شاذ.
قد يتغاضى البعض عن بعض الشذوذ، لكن أن يصل الشذوذ إلى من يتصدرون لتعليم الناس أحكام دينهم فهو أمر لا يمكن السكوت عنه، فكما أن هناك تطرف فقهي يؤدي للإرهاب، فهناك شذوذ فقهي يؤدي إلى التسيب والإنحلال، فيصبح حينها الفقيه شاذًا وتصبح أراءه دجلًا يزين للناس أهوائهم فيضلوا عن الحق بعد أنا كانوا يطلبوه.
خلال اليومين الماضيين تصدرت وسائل التواصل الاجتماعي أخبارًا وفيديوهات لأحد أساتذة جامعة الأزهر الذي استضافه أحد الإعلاميين في برنامجه اليومي يتحدث فيها عن أن المرأة من حقها أن تفسر الآيات المتعلقة بالحجاب حسب ما تراه هي، وأن ترتدي ثيابها أو تخلع حجابها وزينتها حسب ما يرضيها ويناسبها، "وإن لم يرض عنها أوصياء الدين" -حسب تعبيره- ولا المجتمع فلا يليق أن يفسر لها أحد آيات القرآن ويضيق عليها هي حرة -على حسب قوله-.
حاول هذا "الدكتور" خلال الحلقة تمييع النصوص الدينية التي تتحدث عن فريضة الحجاب، بل وحتى تمييع آراء الفقهاء واختيار الشاذ منها أو المقيد بحالات وأوضاع معينة والتدجيل على الناس بأنها آراء مشهورة معمول بها، كرأي الإمام أبو حنيفة المتعلقة بجواز صلاة المرأة دون تغطية قدمها- القدم وليست الساق- فقد حملها الدكتور على أنه يجوز للمرأة كشفها خارج الصلاة، والأمر مختلف فالمرأة في غالب الوقت تصلي في بيتها وحتى إن خرجت للصلاة في المسجد فإنها ترتدي حذاءً أو نعلًا، فالأمر متعلق بالصلاة أكثر.
واحتج أستاذ الفقه بجامعة الأزهر بحديث رواه الإمامان البخاري ومسلم للتدليل على وجهة نظره الغريبة، وهو حديث سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما استأذن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنده بعض النساء يسألنه، فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، إلى آخر الحديث، ويفسر يبتدرن الحجاب بأنهن لم يكن محجبات !!! وهذا على عكس شرح أئمة الحديث لمعنى يبتدرن الحجاب، حيث يقول الإمام القاري في "المرقاة": "ابتدرن الحجاب" أي بالانتقال من مكانهن، وإخفاء حالهن وشأنهن.
ويؤكده كذلك ما ورد في رواية للإمام أحمد في مسنده: "وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرن، رافعات أصواتهن، فلما سمعن صوت عمر انقمعن وسكتن". والانقماع هو الدخول، والتغيب في الشيء.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في "غريب الحديث": قولها: "انقمعن" تعني دخلن البيت وتغيبن.
وهذا لأن سيدنا عمر كان شديدًا، بل إن بعض شراح الحديث مثل ابن حجر قد ذكروا أنه قد يكون ضمن هؤلاء النساء من زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهن مأمورات بالاحتجاب.
كل هذه المحاولات من أجل لي عنق النصوص وتطويعها لفهم شذ عن إجماع علماء الأئمة بمختلف مذاهبهم وعلى مدار العصور، فلم يقل عالمًا أو فقيه على مدار التاريخ الإسلامي بأن الحجاب ليس بفرض.
وإلا فليقل لي ماذا يفعل مع الحديث الذي رواه الأئمة الخمسة إلا النسائي، ويقول فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ -من بلغت سن المحيض- إِلَّا بِخِمَارٍ».
فإذا كان الله سبحانه وتعالى لا يقبل صلاة المرأة البالغة إلا بخمار وهو الذي غطي الرأس والرقبة والصدر، فكيف يقول قائل بأن الحجاب ليس فرضًا؟!!!
وما دامت يا دكتور تقول لنا إنك ستعرض علينا آراء الفقهاء ونحن نختار منها، فمن بربك من فقهاء وعلماء الإسلام على مر الزمان قال بأن الحجاب ليس فرضًا ؟!!! وإن لم يكن هناك رأي فقهي فماذا تريد منا بفهمك أنت المعوج للنصوص؟!!!
إن ما تحاول فعله هو نشر منهجية شاذة عن منهجية علماء الأئمة، وهي منهجية التشهي بأن يتبع كل واحد ما أراد مما ذُكر في الكتب أو مما فهمه عقله دون منهجية الفهم السليم للنصوص والإلمام بالعلوم الشرعية واللغة ومعرفة الناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والعام والخاص والمجمل والمبين، والإجماع وأن يكون لديه مهارات القياس والاستنباط التي تحتاج إلى علم وتدريب، مع أن حتى الاختيارات الفقهية يجب أن تكون من شأن العلماء المجتهدين وفق حال الشخص مع مراعاة تغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، ودون المساس بإجماع الأمة والمعلوم من الدين بالضرورة.
بل أنت بذلك تخرق إجماع العلماء المجتهدين وورائهم أمة المسلمين على مر العصور، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه إذا رأينا خلافًا فعلينا بالسواد الأعظم، ومن شذ شذ في النار.لا أدري ما الطائل من وراء تشكيك الناس في ثوابت دينهم وتركهم لأهوائهم يتخبطون؟!!! كان الأولى أن تجمع الأمة لا أن تفرقها بدعوى الوسطية والخروج من تحت عباءة أوصياء الدين كما أسميتهم.
قد أتفهم حرية المرأة في أن تختار إرتداء الحجاب أو ترفضه مع اعترافها بفرضيته وهي بذلك تكون مقصرة عاصية تاركة لفرض من فرائض الإسلام، ولكن ما لا أستطيع تفهمه هو تمييع النصوص وتسخيرها لإيهام الناس بعدم فرضية الحجاب.
ولكن لا عجب .. فقد قلت من قبل إن "الراقصة إذا ماتت وهي ذاهبة لطلب الرزق فهي شهيدة"، وقلت: " "البيرة" المصنوعة من الشعير و"الخمر" المصنوع من التمر، و"النبيذ" المصنوع من العنب حلال ما دام لم يسبب السكر أو يذهب بعقل شاربه"، وقلت أيضًا: إن زواج المتعة حلال بشرط أن يقبله النظام العام والمجتمع" رغم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أنهى زواج المتعة، بل الأدهى والأمر قولك: "إن شهادة "لا إله إلا الله" تكفي للإسلام دون الشهادة بنبوة النبي الحبيب سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم"!!!
للأسف في زمن الشذوذ لا يعرف المرء ولا يشتهر إلا إذا شذ، ولن يتبعه أحد إلا إذا دجَّل عليهم وزين لهم أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين.
فيديو قد يعجبك: