ضرب التلاميذ .. مشاكل المعلم النفسية تدمر أجيال ويرفضها الدين
بقلم – هاني ضوَّه :
نائب مستشار مفتي الجمهوري
ةمنذ بدء العام الدراسي الجديد، تطالعنا وسائل الإعلام من حين لأخر بأخبار عن معلمين تجردوا من إنسانيتهم وخرجوا عن طور بشريتهم، فأصابوا بعض الطلبة بعاهات مستدمية –عضوية ونفسية- أو أزهقوا أرواحهم نتيجة عقابتهم بالضرب إذا ما أخطأوا أو تشاكسوا، متناسين قيم الرحمة والتسامح التي حثنا عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة في التعامل مع الأطفال.
وخلال الأيام الماضية ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بأخبار وصور تظهر إحدى المدرسات بمدرسة الإمام محمد عبده بعين شمس وقد ألقت أحد الطلبة في المرحلة الإعدادية على الأرض ووضعت قدمها فوق رقبته لإذلاله وسط الطلاب، والعجيب أن هذه المدرسة تعمل اخصائية نفسية!!!
وخبر أخر اتهمت فيه معلمة بمدرسة إمبابة الخاصة بقطع شراين طالب نتيجة قيام مدرسة اللغة العربية بسحب السبورة من يده بسبب حديثه مع زميله، رغم نفسي المعلمة إلا أن الظاهرة لا تزال مستمرة، فضلًا عن غيرها من الأخبار والصور والفيديوهات التي تظهر عمليات عقاب بدي مبرح لبعض التلاميذ في عدد من المدارس المصرية.
من المفترض أن يكون هؤلاء المعلمين قدوة يحتذى بها في كظم الغيظ وحسن التعليم ونشر قيم التسامح والرحمة في المجتمع، فقد تغافلوا عن الأخلاق المحمدية والقيم الإنسانية، فالنبى صلى الله عليه وآله وسلم هو المعلم الأول، ولم يرد عنه أنه ضرب طفلاً قط، وهو الأسوة والقدوة الحسنة الذى يجب على المعلمين أن يقتدوا بسيرته الكريمة العطرة في التربية والتوجيه، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا}، فعن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت: «مَا ضَرَبَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأةً ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نِيلَ منه شىءٌ قطّ فينتقم من صاحبه، إلاّ أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم».
هكذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تعاملاته خاصة مع الأطفال.
وقد أظهرت الأبحاث والدراسات العلمية أن العقاب البدني يجعل الأطفال أكثر عدوانية ويؤثر على نموّهم الذهني وقدراتهم الإدراكية. وأظهرت دراسة عن الأطفال، وعدد من الدراسات الأخرى تابعت مجموعة أطفال من مرحلة الطفولة وحتى البلوغ، أن الضرب قد يجعلهم أكثر انعزالية، وأن أولئك الذين تعرضوا للعقاب البدني في عمر سنة واحدة أصبحوا أكثر شراسة وتراجع نمو قدراتهم الإدراكية، مقارنة بمن يتم تقريعهم شفاهة فقط.
وبينت دراسة منفصلة أن معاقبة الأطفال بدنياً يطور لديهم ظاهرة السلوك الاجتماعي الشائن، وبواقع ثلاثة أضعاف، عن أقرانهم ممن لم يتعرضوا للضرب، وأظهرت النتائج أن تعريض الأطفال لمزيد من الضرب في عمر سنة واحدة يجعل تصرفاتهم أكثر عدوانية عند بلوغ الثانية، وتدنت درجاتهم في اختبارات مهارات التفكير عند بلوغ الثالثة.
ويجدر هنا أن أشير إلى أننا في دار الإفتاء المصرية قد تنبهنا لهذه الظاهرة الخطيرة في بعض المدارس المصرية فأصدرنا فتوى أكدنا فيها على عدم جواز ضرب التلاميذ في المدارس لما في ذلك من أضرار بدنية ونفسية خطيرة، كما أن بعض المدرسين قد يتخذ الضرب تُكَأَةً للضرب المبرح، أو للتنفيس عن غضبهم لا بغرض التربية، فيحدث ما لا تُحمَد عقباه من إصابة الطالب أو حتى وفاته كما رأينا خلال الفترة الماضية، ومن نشر الروح العدوانية بين المدرسين والطلاّب وأهليهم، ولذلك فإنا رأينا في دار الإفتاء أنه لا يجوز ضرب التلاميذ في المدارس سدًّا للذريعة.
وأوضحنا في الفتوى كذلك أن التلاميذ الذين لم يصلوا إلى سن البلوغ - والذين يصدق عليهم وصف الطفولة في المصطلح الفقهي والشرعي - وهم تلاميذ المراحل الأولية والابتدائية وغالب تلاميذ المرحلة الإعدادية وقليل من تلاميذ المرحلة الثانوية، أما عن تلاميذ المرحلة الثانوية فالتعامل معهم يكون من منطلق أنهم مكلَّفون بالغون، والبالغ لا يُضرَبُ إلاَّ فى الحد أو التعزير كما سبق فى كلام الحافظ ابن حجر وغيره، والتعزير له مواضعه المعروفة فى الفقه الإسلامى، وهو أيضًا من سلطة ولى الأمر ولا يكون إلا بإذنه".
وأكدنا كذلك في الفتوى أنه إذا رأى الحاكم أو المسؤولين منع الضرب في المدارس بمراحلها المختلفة بل وتوقيع العقوبة على ممارسه؛ فله ذلك شرعًا؛ لأن الشارع أجاز للحاكم تقييد المباح للمصلحة، هذا إذا كان مباحًا صرفًا فكيف وقد نتج عنه من الضرر ما لا يخفى، وصار بحيث لا يتميز حلالُه من حرامه، وحينئذ فلا يجوز اللجوء إليه، وفاعله آثم شرعًا.
أما عن الجانب القانوني فقد أصدرت وزارة التربية والتعليم المصرية تعميم وزاري رقم (6/4/ ت و ت م/2012م) والخاص بمنع استخدام العقاب البدني أو النفسي في المدارس وتعميمه على جميع المدارس على مستوى الجمهورية، وأكد أن عقوبته الإدارية قد تصل إلى الفصل من الخدمة، هذا فضلًا عن العقوبة القانونية التي يقرها القانون المصري والدستور اللذان يمنعان الإساءة للأطفال (البدنية والنفسية)، حيث يعاقب القانون بـ3 سنوات سجن لمن يعتدي بالضرب على الطفل ويحدث به إصابة، في حين تكون عقوبة المعتدي الذي لم يحدث إصابة السجن 6 أشهر، باعتبار أنه ارتكب جريمة تعريض الطفل للخطر، فيما تكون عقوبة التعذيب المتعمد للأطفال 5 سنوات سجن.
المشكلة الأكبر تكمن في عقلية المدرسين الذي تخلوا عن كونهم قدوة للطلبة في التسامح والمحبة والرحمة، فأصبحوا يجهلون كيفية التعامل مع الطلبة الذين هم في النهاية أطفال لا يزالون في طور التربية والترويض والتعلم يحتاجون إلى معاملة وسمات خاصة يفتقدها أغلب المدرسين في مصر نظرًا لغياب القيم الأخلاقية وانعدام التدريب والتأهيل التربوي للمدرسين.
موضوعات متعلقة:
فيديو قد يعجبك: