فوائد وعبر الصيام
كتب: د. عبدالله سمك
فرض الله تعالى على عباده صيام شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان لعلهم يتقون وليكبروا الله على ما هداهم ولعلهم يشكرون.
فالصيام إعداد وتهيئة فإذا ما تعهد الإنسان نفسه التي أعدت بالصوم اتصف بالتقوى وأدرك فضل الله عليه وهدايته له مما يدفعه إلى تكبيره وتعظيمه وشكره.
والصائمون الفائزون هم الذي يغتنمون وقت الصوم ويرون فيه فرصة لا تعوض يحققون من خلالها فوائد كثيرة منها:
أولاً: الخروج من أسر العادات التي تفيد حركة الإنسان، وما أكثر العادات التي تحكم الإنسان وتجعله عبداً لها فالصيام تحرير للإنسان من عبودية العادات التي تجعله يتصرف كترس في آلة، روي النسائي وغيره عن أبي أسامة رضي الله عنه قال: (قلت يا رسول الله: مرني بعمل قال: عليك بالصوم فإنه لا عدل له ...).
ثانياً: التدريب علي الصبر وتقوية العزيمة وتربية الإرادة لا سيما في مواجهة الشدائد التي تواجه الإنسان في حياته، وإذا كان الصيام إمساكاً عن الطعام والشراب والشهوة ورذائل الأخلاق فإن معني ذلك أن الصائم رجل مبادئ لا يسيل لعباده لأجل شهوة زائلة أو يذل نفسه أمام لقمة عيش أو شربة ماء أو يفجر عند خصومه.
روي أصحاب الكتب الستة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قال الله ـ عز وجل ـ كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قالته فليقل: إني صائم إني صائم..).
ثالثاً: الإحساس بألم الجوع والشعور بالحرمان مما يجعل الغني يعطف علي الفقير ويتسابق القادر في إعطاء العاجز فيتحقق للمجتمع التعاون المنشود والإخوة الصادقة ويتدفق نهر الخير والعطاء من الأغنياء إلي الفقراء.
وفي هذا المعني روي ابن خزيمة في صحيحه في حديث طويل عن سلمان رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان قال: أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدي فريضة فيما سواه ومن أدي فريضة فيه كان كمن أدي سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء...
قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً علي تمرة أو علي شربة ماء أو مذقة لبن (الخليط) ما معنى الكلمة وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وأخره عتق من النار من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار واستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غناء بكم عنهما...
فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه وأما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار ومن سقي صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة... ولنا في رسول الله أسوة حسنة فقد كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان .
رابعاً: العناية بالصحة والحفاظ علي سلامة الجسم وقد أفاض المتخصصون من الأطباء في فوائد الصيام من الناحية الطبية حيث يعتبر الصيام عاملاً من العوامل المنقية للجسم من سموم الأغذية كما أن له تأثيراً كبيراً في تخفيف الأمراض التي تنتاب الأعضاء الظاهرة والباطنة، روي الطبراني في الأوسط ورواته ثقات عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أغروا تغنموا وصوموا تصحوا وسافروا تستغنوا).
خامساً: الفوز بالجنة والبعد عن النار فالصيام يشفع للعبد يوم القيامة يقول: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ويقول القرآن (الذي نزل في شهر الصيام): منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان ويسببان دخول الجنة حيث أعد الله للصائمين باباً لا يدخل منه أحد غيرهم كما ثبت في صحيح السنة عند البخاري وغيره عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد.
هذه الفوائد وغيرها لا يستفيد منها إلا من تعهد نفسه فالصوم بالنسبة للصائم كمثل زارع تعد له الأرض وتهيأ وتعطي له محروثة لا حشائش فيها مهيئة تمام التهيئة وما عليه إلا أن يتصرف حسبما يريد فإن شاء ألقي فيها البذر ثم تركه يذبل ويموت وإن شاء تركها مهملة تنمو فيها الحشائش الخبيثة من جديد وتعود تربة غير صالحة وإن شاء ألقي فيها البذر وتعهده حتى يترعرع ويستوي علي سوقه ويؤتي أكله.
ومن هنا ندرك ما جاء في السنة من فوائد الصيام التي لا نظير لها أو التنبيه علي أن من الصائمين من لا يستفيد من صيامه شيئاً بل لا نصيب له إلا الجوع والعطش.
روي عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون فقال: إن الله ـ عز وجل ـ جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا وتخلف أقوام فخابوا فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسئ بإسائته أي كان سرور المقبول يشغله عن اللعب وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك، .
وعن الأحنف بن قيس أنه قيل له: إنك شيخ كبير وإن الصيام يضعفك فقال: إني أعده لسفر طويل والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر علي عذابه ...
فيديو قد يعجبك: