لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

يوميات جدو الصائم في رمضان (2-2)

يوميات جدو الصائم في رمضان (2-2)

يوميات جدو الصائم في رمضان (2-2)

10:00 م الثلاثاء 12 يونيو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يرويها: محمد عبدالعزيز

(تلك الخواطر التى أسجلها فى شهر رمضان حملتها النفس سنوات العمر، ولأننى مخلوق رمضانى، وحلم عمرى أن يكتب لى الله الدخول إلى الجنة من باب "الريان" الذى يدخله الصائمون، وأرجو من الله أن تجمعنا الصحبة إلى الدخول منه بفضل من الله ورحمته.

وقد سجلت هذه الخواطر التى تقود ذاكرتي إلى سنوات بعيدة أحببت أن يعيشها معى القارئ الكريم فى هذا الشهر المبارك).

"ريحة البيوت" والعيش الشامى

كان من عادتى قبل الإفطار بمجرد عودتى من الجامعة أو من العمل، لا أطلع إلى منزلى بل أقف مع أصدقائى على باب حتتنا «أى شارعنا»، نتكلم فى كل شىء، ونرى مظاهر رمضان قبل الإفطار، وهى مظاهر لا تحصى، فالباعة لا يتوقفون عن النداء على بضائعهم زهيدة الثمن، وروائح الطعام تنبعث من البيوت، أما أجمل المناظر التى كنت أتوقف أمامها فهو عودة الناس إلى بيوتهم قبل الإفطار، كانت رؤيتهم وهم صائمون يحملون فى أيديهم أشياء بسيطة، لكن سعادتهم غامرة، ونظل واقفين أنا وأصدقائى من شباب المنطقة إلى أن نسمع صوت الشيخ «محمد رفعت» يقرأ قرآن المغرب، فنسرع إلى «الفرن الأفرنجى» كما كنا نسميه لنفرق بينه وبين «الفرق البلدى» اذى يبيع الخبز، نسرع إلى

الفرن الإفرنجي لنشترى العيش الشامى، رغيف كبير طالع من الفرن، وجهه أحمر ورائحته نفاذة، تخيل رؤية هذا الرغيف وأنت صائم، فمن حبنا للعيش الشامى كان أحياناً يغنينا عن الإفطار، وبمجرد شراء العيش الشامى نروح لمنازلنا لأن أذان المغرب أوشك فنسرع لنستمع لصوت أحلى مدفع "مدفع الإفطار".

النقشبندى وصوت عبدالمطلب

للأغانى فى رمضان ذكريات فريدة غريبة، فما أن يأتى الشهر الكريم حتى تتردد على أسماعنا أصوات ارتبطت بالشهر، وارتبط الشهر بها وتعودتها النفس فما أن تسمعها فى أى وقت إلا وتستدعى الذاكرة شهر رمضان، وصوت الشيخ محمد رفعت يعطيك إحساساً وقت الإفطار وأذان المغرب وصوت النقشبندى لحظات الإفطار والسحور، وصوت محمد عبدالمطلب يؤذن بقدوم الشهر الكريم وصوت الإذاعية المتميزة آمال فهمى فوازير رمضان، وموسيقى ألف ليلة وليلة وصوت القديرة زوزو نبيل وهى تحكى القصص التى لا تنتهى، وغيرها الكثير من الأصوات التي تنقلك إلى تلك الأجواء الروحانية الجميلة حتى لو سمعتها فى غير رمضان تنقلك هذه الأصوات كبساط الريح إلى لحظات رمضان وأيامه الرائعة، وتتناقلها الأجيال، فهى أصوات لن تموت لأنها خالدة.

العرقسوس والتمر هندى

هناك مأكولات ارتبطت بهذا الشهر الكريم وأصبحت من معالمه وتضاريسه، قد تأكلها فى غير شهر رمضان، ولكنها فى رمضان لها سحر خاص، فأنت لا تتصور رمضان من غير الفول المدمس وخاصة على مائدة السحور، أو لا تتخيل رمضان دون الكنافة والقطايف، ومن أكلاته الشهيرة السمبوسك، وأيضاً لا تستطيع تصور رمضان دون مشروباته الشهيرة قمر الدين والعرقسوس والتمر هندى وكوب الخشاف على الإفطار المزين بالبلح والقراصيا والمشمشية، وللبلح فوائد عظيمة فتناوله على الإفطار سنة عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهكذا نرى
أن شهر رمضان عند المصريين قد ارتبط بمأكولات لا يخلو بيت من هذه الأطعمة التى تضفى على الشهر الكريم مذاقاً متفرداً.

الشهيد علي الهواري وفرحة العيد

وما أن يأتى يوم الرؤية فى آخر شهر رمضان إلا وتستشعر النفس فرحة عارمة تسيطر على كل كيانه، ويصبح لهذا اليوم فرحة لا تعادلها فرحة، فرحة بقدوم العيد، وفرحة اكتمال الفريضة بصوم رمضان، ومنذ طفولتى والعيد عندى هو يوم الرؤية، ويبدأ من إعلان دار الإفتاء إن رمضان انتهى، وتداعب سمعك أغنية «يا ليلة العيد» وتنزل الشوارع فترى البهجة والسعادة تملأ الدنيا، وكانت لى طقوس عجيبة استمرت معى قرابة نصف قرن وهو سهرة ليلة العيد حتى الصباح، ففى مرحلة الشباب كانت أقابل مع الأصدقاء لنجوب شوارع القاهرة سيراً على
الأقدام، وخاصة وسط البلد مع صديق عمرى «الشهيد على الهوارى» ونظل سائرين نشاهد الفرحة ونكون جزءاً منها حتى يدركنا التعب قبل صلاة الفجر فنجلس على مقهى «التوفيقية» ثم نصلى الفجر وننتظر حتى صلاة العيد بكل ما فيها من روحانيات اختلطت بشغاف القلب وعميق النفس، وبعد ذلك أعود إلى منزلى فقد سعدت بفرحة العيد كله فى تلك الليلة.

الحسين "رايح جاي"

شاء القدر أن ارتبط بحى الحسين منذ نعومة أظفارى «فترة بداية الشباب والمراهقة» فقد كان لى صديق لسكن فى قصر الشوق وكنت أذاكر معه، وكان لحى الحسين سحر خاص فى رمضان فقد تميز بأجواء خاصة وكانت تغلب عليه البساطة والروحانية العالية، كنت أذاكر كثيراً أنا وصديقى داخل المسجد، وكنت أشاهد وأستمع إلى تلاوة الشيخ الحصرى بعد صلاة العصر، فقد كان مقرئ الحسين وقتها، وكنت أقطع ساحة المسجد «رايح جاى» وأنا أحفظ وأذاكر وأحياناً كنت أخرج من المسجد لسبب أو لآخر وأعود إليه، لأجد كتبى كما تركتها، وبعد الإفطار يتحول حى سيدنا الحسين إلى كرنفال لا يوجد له مثيل فى العالم، فالمقاهى تستقبل الناس بعد خروجهم من المسجد لشرب الشاى، والسرادقات تملأ
المكان حتى الدراسة فهذا سرادق أبودراع «مطرب شعبى» وذاك سرادق محمد طه وسرادق خضر محمد خضر وسرادق الريس حفنى.. وأمام المقام مقهى المنشد «عزب السفرتى» وعلى الجانب الآخر تجد سرادقات الكتب وخاصة الدينية تزدحم بالمشترين، وأظل أنا وصديقى من بعد الإفطار وحتى السحور ونحن ننتقل من مكان إلى آخر فى متعة وسرور لا توصف، ولم يكن الأمر يحتاج إلا إلى قروش قليلة لتأكل وتشرب فلم يكن حى سيدنا الحسين عرف الجشع والطمع بعد مثل هذه الأيام.

* موجه لغة عربية سابق بوزارة التربية والتعليم

إعلان

إعلان

إعلان