وصايا هامة للمرأة المسلمة
كثيراً ما يفكر الإنسان في هذه الحياة ومشاكلها وتفاوت الناس تجاهها وصراع الأمم والشعوب حولها، سواءٌ أكان صراعاً عالمياً أم صراعاً محلياً، وكل ذلك منطلقه الدنيا وما فيها من جاه أو منصب أو مال أو زينة من زينة الحياة الدنيا.
ويلتفت المرء المسلم والمرأة المسلمة إلى هذا الذي يجري من حوله فيرى عجباً ! يرى الناس يتطاحنون على أمور الدنيا ويتنافسون فيها، وتتحول أخلاقهم وعلاقاتهم وارتباطاتهم -بل أحياناً قراباتهم- إلى أن تكون الموازين موازين دنيوية.
والدنيا كل إنسان يعيش فيها في كبد، كما قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ) [البلد:4].
ويتساوى في ذلك المؤمنون والكفار، فكلهم يعيشون حياتهم فرحاً أياماً وحزناً أياماً، وكلهم يمرضون ويشفون، ويفرحون ويحزنون، ويغضبون ويرضون، وهذه هي سنة الحياة التي لا تتخلف؛ لأن هذه الدنيا فانية وليست باقية.
أيتها الأخت المسلمة! كنا نرى هذا عند من لا يؤمن بالله واليوم الآخر فما بالنا نراه أيضاً عند المؤمنين بالله تعالى واليوم الآخر؟!
فما الفرق بين المرأة المسلمة المؤمنة بربها العابدة المصلية الخائفة لمقام ربها وبين غيرها ممن لا يؤمن بذلك كله، ولا يعمل شيئاً من ذلك كله؟ ولماذا نرى كثيراً من المسلمات حالهن شبيه بحال هؤلاء الذين لا يخافون الله ولا يرجون اليوم الآخر؟ إنه سؤال ينبغي أن تقف عنده المرأة المسلمة، فما أثر الإيمان بالله؟ وما أثر الإيمان برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ وما أثر الإيمان بالملائكة والكتب والنبيين؟ وما أثر الإيمان باليوم الآخر الذي لا شك فيه؟ ثم ما أثر الإيمان بالقضاء والقدر؟ وهذه هي أركان الإيمان.
إن المؤمنة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت الواحدة منهن قد تكون عاشت في جاهلية وكفر وشرك بالله سبحانه وتعالى وعمل لما يغضبه، ثم تتحول إلى الإسلام، وعندما تقول: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) تتغير حياتها من أولها إلى آخرها.
إنه تصديق وإقرار يتبعه عمل في حياة هذه المرأة المسلمة، ثم تنظر في حالها وفي طموحاتها في هذه الحياة فتجد الموازين عندها قد تغيرت، وقبل ذلك كانت تنظر إلى الدنيا على أنها كل شيء، وعلى أن شهواتها وزينتها وأموالها وأطماعها هي الغاية في هذه الحياة.
أما الآن فلا، لقد تحولت إلى امرأة أخرى لا تنظر إلى الدنيا على أنها شيء، وإنما تنظر إلى الآخرة؛ لأن الميزان قد تغير، والقلب والعواطف والأحزان والأفراح بعدما كانت توجه إلى دنيا دنية صارت توجه إلى أخرى رخية، وصارت توجه إلى مراقبة تعيشها المرأة المسلمة لربها سبحانه وتعالى في كل أفعالها في السراء والضراء، وفي السر والعلانية، وفي كل حال تعيش عليها، ونظرت إلى ما بعد الموت والوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى فراقبت كل حركة من حركاتها في الدنيا.
أيتها الأخت المسلمة!
هذه هي النقلة التي تعطيها العقيدة الإسلامية، وهذه هي النماذج التي رأيناها من نساء عشن في الكفر، فلما انتقلن إلى الإسلام تحولن إلى مؤمنات قانتات عابدات داعيات إلى الله سبحانه وتعالى، فقد كانت الواحدة منهن تضرب المثل في خدمة هذا الدين، وفي خدمة زوجها إذا كان مسلماً، وفي تربية أولادها، وتتحول الأسرة إلى أسرة مؤمنة مجاهدة تسمع ماذا يقوله الله وماذا يقوله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فتنفذ.
وبعض الصحابة كانوا يشربون الخمر قبل تحريمها في المدينة النبوية، فأتى رجل وقال لهؤلاء: أنا أشهد أن الخمر قد حرمت. فألقوا ما معهم من الخمر في الحال منفذين.
ولقد نزلت آية من كتاب الله تعالى فرتلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلمها أصحابه فرجع الأصحاب إلى بيوتهم وزوجاتهم وأمهاتهم وأخواتهم يتلون عليهن هذه الآية. فماذا في هذه الآية من حكم؟ هذه الآية فيها حكم الحجاب، فسارعت المرأة المسلمة إلى لبسه دون أن تتردد ودون أن تنظر إلى صديقاتها أو رفيقاتها، ودون أن تعبأ بسخرية أو استهزاء، وذهبت مسرعة لتنفذ أمر الله تبارك وتعالى وتلبس الحجاب، وقد كنَّ يصلين الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي أول صلاة بعد نزول هذه الآية وافينه كالغربان؛ لأنهن لبسن السواد متحجبات، حيث أسرعن الامتثال لأمر الله وأمر رسوله.
ولماذا لا تنفذ المرأة المسلمة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الله ورسوله وهي تخاف الله واليوم الآخر؟ ولماذا لا تنفذ وهي ترجو ما عند الله تبارك وتعالى في الآخرة؟ قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )[الأحزاب:36].
فهذا هو عنوانك -أيتها المرأة المسلمة- في حياتك من أولها إلى آخرها. وكذلك أيضاً المسلم عليه أن يكون كما قال الله عز وجل: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )[الأحزاب:36].
ولهذا كانت الصحابيات لا يقلن: لماذا أمر الله؟ ولأي شيء نهانا؟ ولا يبحثن عن العلل وغيرها، وإنما يقلن: بمَ أمر الله حتى ننفذ؟ وما الذي أمر الله تبارك وتعالى به حتى ننفذه؟ هذا هو عنوان المؤمن والمؤمنة. أيتها الأخت!
هذه العقيدة هي التي صنعت أولئك الأمهات والزوجات والأخوات اللاتي وردن أمثالاً عظيمة في تاريخ الأمة وفي تاريخ الأمة الإسلامية بصفة خاصة، وهذه العقيدة هي نفسها العقيدة التي يمكن أن تصنع الرجال، وأن تصنع النساء المؤمنات العابدات القانتات، فالعقيدة واحدة، والقرآن موجود، وهو باقٍ إلى آخر الزمان.
وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم موجودة محفوظة مصححة، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قد غاب عنا بشخصه فإنه لم يغب عنا بسنته عليه الصلاة والسلام.
وإذا كان كذلك فإن العقيدة أيضاً بالإيمان بالله واليوم الآخر وما يتبع ذلك هي عقيدة باقية، وهي أيضاً ذات أثر في كل جيل متى ما صدق هذا الجيل بذلك وعمل به.
أيتها الأخت المسلمة! لماذا نحزن على هذه الدنيا؟ ولماذا أحياناً ننسى الآخرة ونصارع على الدنيا غيبة ونميمة وحسداً وكلاماً ومشكلات وغيرها؟ إن الدنيا كلها لا تساوي شيئاً، وتأملي -أيتها الأخت- هذا الحديث الصحيح الذي يبين فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمرأة المسلمة وللأمة المسلمة كلها قيمة الدنيا وقيمة الآخرة، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المرأة المؤمنة التي تدخل الجنة -أسال الله أن يجعلني والقارئين والقارئات من أهل الجنة- وما لها من النعيم: (ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها)، والنصيف هو ما تغطي به المرأة رأسها ونحرها.
هذا النصيف أو غطاء الرأس للمرأة المؤمنة من أهل الجنة يقول عنه الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم: (خير من الدنيا وما فيها)، فهو خير من الفلل والسيارات الفارهة وكل أنواع الحلي والماس واللؤلؤ وغيره مما يباع بأغلى الأثمان، وخير من اللباس، وخير من كل شيء في هذه الدنيا، وهذا هو الفرق بين ميزان الآخرة وميزان الدنيا.
وأما لماذا هو خير من الدنيا وما فيها فلأن هذا النصيف للمرأة المسلمة في الجنة باقٍ أبد الآباد، وأما هذه الدنيا فهي فانية ولم ولن تبقى لأحد أبداً، وكم من إنسان بلغ القمة في الملك أو القمة في الشهرة أو القمة في الغنى بالمال أو القمة في الجاه والسؤدد أمام الناس ولكنه رحل عن ذلك كله! وهذه سنة الله تبارك وتعالى في الدنيا الدنية، فإما أن يرحل عنها العبد بالموت، أو إما أن ترحل عنه وهو ينظر، فهل يطمئن إليها إنسان عاقل؟! إن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخبرنا هذا الخبر يبين لنا كيف تكون قيمة الدنيا، وكيف تكون قيمة الآخرة، وتأملي - أيتها الأخت المسلمة.
يا من تغفلين أحياناً وتنافسين على دنيا، تأملي هذا الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ركعتان في جوف الليل خير من الدنيا وما فيها)، فركعتان تركعينهما في الليل خير من الدنيا وما فيها، فأين المتاجرات مع الله سبحانه وتعالى؟ وأين النساء العاقلات اللاتي يعرفن الدنيا وغدرها ويعرفن الآخرة وقدرها؟ وأين المرأة المسلمة التي تزن الأمور بميزان العقل والحكمة والكياسة؟
والله إن نصوص الكتاب والسنة لتبين لنا قيمة الدنيا وقيمة الآخرة، إن المرأة المؤمنة إذا عرفت قيمة الآخرة عملت لها، وإذا عرفت قيمة الدنيا أخذت منها ما تحتاجه، لكن تصبح هذه الدنيا في يديها وليس في قلبها، فلا تحزن وتخاصم وتظهر مشكلات من أجلها؛ لأنها ربما تخسر بيتاً وأسرة بسبب مشكلات تافهة. أيتها الأخت!
إن المرأة التي تعرف قدر الدنيا تعطيها حقها، وهذا في الحقيقة يعود عليها هي بالنفع والفائدة، فقد يظن الظان أن الإنسان الذي يحرق أعصابه لأجل الدنيا هو الذي يستفيد، بينما هو لا يستفيد شيئاً، وإنما يتضرر بإحراق نفسه إما حسداً للآخرين وإما بحثاً عن الدنيا وإما إثارة مشكلات أو نحو ذلك، وكل ذلك لن يغير من واقع الأمر شيئاً؛ لأن الإنسان لا يأخذ من الدنيا إلا ما كتب له، ولا يمكن أن يأخذ الإنسان أي شيء من الدنيا إلا ما كتبه الله تبارك وتعالى له، ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يربي الأسرة المسلمة ليعلمها كيف تعرف قدر الدنيا وقدر الآخرة.
أيتها الأخت! ابنك أو أخوك البالغ من العمر عشر سنوات أو اثني عشر عاماً كيف تخاطبينه في أمور الدنيا والآخرة؟ أظن أن كثيراً منهم لا يفقه كثيراً من الكلام، نظراً لأن أطفالنا وأولادنا شغلوا بمتع الدنيا، فصار حديث الواحد منهم عنها، وصارت حياته فيها، فيعيش وكأنه لا يؤمن باليوم الآخر أو كأنه لا يعرف اليوم الآخر، ورسولنا صلى الله عليه وآله وسلم كان يربي الصغار على الأمور الكبار، ويخاطبهم مخاطبة الكبار، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأحد غلمان الصحابة: (يا غلام!)، والغلام: هو الذي دون الخمسة عشر عاماً، أي: بلغ اثني عشر أو ثلاثة عشر أو أحد عشر عاماً، وهذه كانت سن ابن عباس رضي الله عنهما.
يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لـابن عباس : (يا غلام! إني أعلمك كلمات. احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
فما رأيك -أيتها الأخوات- في هذا الخطاب الإيماني الذي يُخاطب به غلام من الغلمان؟ إنها التربية التي تبين قدر الدنيا وقدر الآخرة، إنها التربية التي تعلق الصغير بالله سبحانه وتعالى، ولهذا إذا نظرت المرأة إلى ما يحدث على هذه الدنيا من نزاع وخصام وعرفت قدر الآخرة فإن المرأة العاقلة هي التي تزن الأمور بموازينها الصحيحة، وتعطي كل ذي حق حقه.
أيتها الأخت! إن من أشد ما تلاقيه المرأة المسلمة في هذه الأيام هو هذا الهجوم المكثف عليها لإغرائها وإغوائها وإخراجها، ولتحويلها إلى امرأة لا تربي أسرة، وإنما هي امرأة مشغولة بتلك الأمور والقشور الدنيوية، فهي لا تعمر بيتاً، وهي لا تقدم خدمة لأمتها، وهي قبل ذلك وبعد ذلك لا تعمل صالحاً لنفسها تلقاه يوم تلقى ربها تبارك وتعالى، ولابد أن تلقاه.
أيتها الأخت المسلمة! إن عماد التربية الإسلامية لدى البيت والأسرة هو الإيمان بالله تبارك وتعالى وباليوم الآخر، بحيث نعرف قدر هذه الدنيا، فلا تصبح هي الغاية، ولا تتحول مشاكلنا وعلاقاتنا كلها من أجل هذه الدنيا.
المصدر - موقع الدكتور عبد الرحمن صالح
فيديو قد يعجبك: