حوار مع مراهق
قالت: ابني المراهق يسألني ويقول إن الله خلقنا وأمرنا بعبادته فإن لم نعبده كما أمر حاسبنا وعاقبنا، ولكن الله لم يسألنا قبل خلقنا هل تريدون أن أخلقكم أم لا؟ فكيف يحاسبنا على أمر نحن لم نختره؟ ثم استطردت تتحدث عن ابنها البالغ من العمر 16 سنة وأنه يتداول مثل هذه الأفكار مع أصحابه في موقع الكتروني خاص بهم، وأغلب المسائل التي يطرحونها مثل هذه المسألة، ثم ختمت كلامها بقولها وأنا لا أعرف كيف أرد عليه فما رأيك؟
قلت لها: إن الحوار مع أبنائنا في مثل هذه المسائل مهم جدا وخاصة في وقت المراهقة، ولكن ينبغي أن يكون الحوار هادئا ومرنا مع احترام رأي من نتحاور معه، فكم من شاب ترك عبادة الله وصار ملحدا بسبب سوء معاملة والديه معه بالغضب أو الضرب أو الطرد وقت الحوار، فصارت النتيجة عكسية وتمسك المراهق بأفكاره أكثر.
ثم قلت لها: لقد دخلت في حوار مع شاب أفكاره مثل أفكار ابنك، وقلت له: إن سؤالك وجيه وهو (لماذا الله يحاسبنا على أمر لم يأخذ رأينا فيه؟)، إلا إن سؤالك هذا كأنه وردة صغيرة أنت تركز النظر عليها وتتجاهل رؤية الشجرة الكبيرة، فقال لي: وماذا تقصد؟ قلت له: من الخطأ أننا نناقش جزءا من المسألة ونترك المسألة كلها، فقال لي: وضح أكثر، فقلت له: قبل الإجابة عن سؤالك هذا أريدك أن تجيبني على سبعة أسئلة مهمة، فقال: وأنا جاهز.. تفضل.
قلت: الأول هل تؤمن بوجود الله تعالى؟ والثاني هل تؤمن بأن الله هو الخالق؟ فقاطعني قائلا: نعم بلا شك، قلت: والثالث هل تؤمن بأن الخالق لديه قدرات وإمكانيات لا يوجد لها مثيل؟ والرابع هل تؤمن بأن هذا الخالق الذي ليس لديه مثيل من حقه التصرف في الكون كما يشاء؟ والخامس هل تؤمن بأن هذا الخالق يريد للعباد الخير؟ والسادس هل تؤمن بأن الله عندما خلقنا أعطانا حرية الاختيار؟ والسابع هل تؤمن أن الله فرض على الناس عبادته بحسب قدرتهم ووسعهم؟ فقاطعني قائلا: آه الآن فهمت ماذا تقصد برؤية الشجرة كلها، قلت له: فالصواب أنك لا تقتطع جزءا من الصورة وتجعلها هي الصورة، بل تنظر إلى الصورة كلها وتناقشها كاملة، وعندها سترى الجزء الصغير الذي ركزت عليه أنك كنت تنظر له بطريقة خطأ.
قال: بدأت الأمور تتضح عندي أكثر ولكن السؤال مازال يقلقني، قلت له: إن سؤالك يتعلق بأمرين، الأول في أقدار الله تعالى والثاني في اختيار الإنسان لأفعاله، فأما أقدار الله تعالى فالله أكرم الإنسان بأن وهب له الحياة وسخر له كل ما في الكون، ومقابل هذا العطاء الرباني نحن نشكره ونثني عليه من خلال طاعتنا لأوامره.
وإن الله تعالى لا يفرض على الإنسان إلا بحسب قدرته واستطاعته، فلو أنك أقرضت شخصا مائة دينار وطالبته بألف تكون قد طلبت منه فوق استطاعته وهذا ظلم، بينما لو أنك طلبت منه رد المائة دينار فإنك تكون عادلا لأنك طلبت منه وفق استطاعته، ولله المثل الأعلى هذا ما يفعله الله معنا، فالله يأمرنا وفق استطاعتنا (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
قال: مثالك هذا وضح لي الكثير، ولكن السؤال في رأسي مازال يدور، لماذا الله لم يستأذننا قبل خلقنا؟ قلت له من يعرف احتياجات الإنسان أكثر؟ ومن يعرف ما يفيد الإنسان أكثر؟ هل الإنسان نفسه أم خالق الإنسان؟ قال: لا شك أن الخالق أعلم وأعرف، قلت له: إذن الله لا يحتاج أن يستأذن المخلوق مادام أنه أعرف وأقدر منه في تقدير الخير له، فهل رأيت أما تستأذن رضيعها في اطعامه؟ أم أنها أدرى بمصلحته فتطعمه وترعاه، ولله المثل الأعلى فالله أعلم بما يحتاجه المخلوق.
ثم هل تعلم أن الله خلقنا عندما كنا في عالم الذر وأشهدنا بأنه ربنا وقد أجبناه بالموافقه، لقوله تعالى (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي شهدنا..) فهذا ميثاق الفطرة وقد أخبرنا الله عن نفسه قبل خلقنا في بطون أمهاتنا.
قال: إذن الله أخبرنا قبل خلقنا في بطون أمهاتنا، قلت: نعم ولكن هذا إخبار وليس استئذان كما طلبت، قال: صحيح ولكن ماذا عن تقدير الله لأفعالنا، قلت: إن علم الله بالغيب لا يعني أنه يجبرنا على كل عمل نفعله، فقد أعطانا الله مساحة نختار فيها أفعالنا وهي الأفعال التي يحاسبنا الله عليها، بينما الأفعال التي الزمنا الله بها مثل لون بشرتنا أو عيوننا أو نسب والدينا فالله لا يحاسبنا عليها لأنها ليست من اختيارنا، فابتسم الشاب وقال لقد صرت أرى الصورة كاملة فشكرا لك على هذا الحوار.
قالت لي الأم: إنه حوار شيق وأفكار جميلة طرحتها أريد أن أكتبها لأتحاور فيها مع ولدي، قلت لها: وفقك الله، ولكن ركزي معه على الصورة الكبرى التي تحدثنا عنها فهي تعالج اشكالية الحوار.
المصدر - موقع صيد الفوائد
فيديو قد يعجبك: