لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

رمضان.. قاهر الخوف من كورونا

تعبيرية

رمضان.. قاهر الخوف من كورونا

09:26 م الخميس 14 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: د. وليد السيد محمد مرعي

عضو مركز الأزهر العالمى للرصد والافتاء الالكترونى

في ظل هذه الأزمة التي استأسد فيها ذلكم الفيروس المسمى بـ (كوفيد 19) والمعروف بفيروس كورونا المستجد، يبزغ نور يشق ذلكم الظلام الذي تعيش فيه هذه الأمة منذ بضعة أسابيع، نور ذلكم الشهر الفضيل الذي جعله المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – سبب البشرى للمؤمنين، يبشر أصحابه (ونحن من بعدهم) بقدومه كما أخرجه الإمام أحمد (8991) والنسائي (2427) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ: «قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ».

رمضان طوق النجاة، نعم طوق النجاة، النجاة من الخوف من مخلوق من مخلوقات الله (فيروس كورونا) إلى الأمن والطمأنينة واللوذ بجناب الخالق الواحد الأحد الذي فتح لنا في هذا الشهر الفضيل أبواب جِنانه، وغلّق أبواب نيرانه، وغلّ (قيّد) فيه الشياطين.

أليس مَن قَضَى بذلك هو وحده القادر على فتح أبواب الصحة والعافية، وغلق أبواب الإصابة بتلك العدوى المميتة، وغلّ تأثيرها في بنيانه الذي صنعه وركّبه (فلا يقع في كون الله إلا ما أراد الله).

في رمضان تصفو النفوس، وتهفو إلى خالقها، ولا تتعلق بماديات الحياة التي كادت تقتل كل جميل في النفس البشرية.

رمضان طوق النجاة للتغلب وقهر الخوف من فيروس كورونا؛ لاشتماله على أسباب دفع البلايا، فهو شهر التوبة والاستغفار والدعاء، والتقرب إلى الله بطَرق أبواب البر وكثرة فعل الخيرات حتى تتنزل الرحمات، وتُرفع البلايا والنكبات.

فعن أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ، أّنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: « أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ أَمَانَيْنِ لأُمَّتِي  وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ  [الأنفال: 33] فَإِذَا مَضَيْتُ تَرَكْتُ فِيهِمُ الاِسْتِغْفَارَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ » (الترمذي: 3082)، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ لَزِمَ (وفي رواية: مَنْ أَكْثَرَ مِنَ) الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» (ابن ماجه: 3819، والنسائي: 10217)؛ فهذا مما يؤكد أثر الاستغفار والتوبة في رفع البلاء والعذاب، ورمضان محل الاستغفار والتوبة.

ويقول --:  أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ  [النمل: 62]، ويُسأل المصطفى: إِلَامَ تَدْعُو؟ فيجيب: «أَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، الَّذِي إِنْ مَسَّكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ، كَشَفَ عَنْكَ، وَالَّذِي إِنْ ضَلَلْتَ بِأَرْضٍ قَفْرٍ دَعَوْتَهُ، رَدَّ عَلَيْكَ، وَالَّذِي إِنْ أَصَابَتْكَ سَنَةٌ فَدَعَوْتَهُ، أَنْبَتَ عَلَيْكَ» (أحمد: 20636)، وهذا أيضًا يؤكد أثر الدعاء في رفع البلايا وكشفها، ورمضان أيضًا محل الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى.

رمضان شهر الإكثار من نوافل الصلاة، والصلاة سبيل لرفع البلايا وكشف الضر؛ فعن حُذَيْفَة -رضى الله عنه- قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ (نابه وألمَّ به أمر شديد) صَلَّى» (أحمد: 23299، وأبو داود: 1319).

رمضان شهر الإكثار من الصدقات، والصدقة سبيل لرفع البلايا وكشف الضر؛ فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَادْعُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا» (البخاري: 1044، مسلم: 901)؛ فقد بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم – السبيل عند رؤية آية من آيات الله تعالى يخوف بها عباده، وهو الدعاء والتكبير والصلاة والصدقة التي حظيت باهتمام النبي بها وإكثاره منها في رمضان؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ» (البخاري: 6).

رمضان شهر القرآن، وقد قال --: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82]؛ ومن جملة ما قيل في تفسيرها: " أن المراد من الشِّفَاء هو الشِّفَاء من المرض بالتبرك به (القرآن)، أو لما فيه من البركة" (تفسير السمعاني: 3/ 272، وزاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي: 3/ 49).

وفي هذا يقول الفخر الرازي في تفسيره (مفاتيح الغيب: 21/ 389، 390): " ولفظة (من) هاهنا لَيْسَتْ لِلتَّبْعِيضِ بَلْ هِيَ لِلْجِنْسِ كَقَوْلِهِ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ [الْحَجِّ: 30] وَالْمَعْنَى: وَنُنَزِّلُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ قُرْآنٌ مَا هُوَ شِفَاءٌ. فَجَمِيعُ الْقُرْآنِ شِفَاءٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُرْآنَ شِفَاءٌ مِنَ الْأَمْرَاضِ الرُّوحَانِيَّةِ، وَشِفَاءٌ أَيْضًا مِنَ الْأَمْرَاضِ الْجُسْمَانِيَّةِ، ....... وَأَمَّا كَوْنُهُ شِفَاءً مِنَ الْأَمْرَاضِ الْجُسْمَانِيَّةِ فَلِأَنَّ التَّبَرُّكَ بِقِرَاءَتِهِ يَدْفَعُ كَثِيرًا مِنَ الْأَمْرَاضِ".

أبَعد هذا كله ما زال هناك تخوف من هذا الفيروس وقد ظلَّلَنَا رمضان بروحانياته وتقربنا فيه إلى الله بالتوبة والاستغفار والإخلاص والدعاء والصلاة والصدقة وقراءة القرآن وفعل الخيرات التي تعد سُبُلَ الدفع والرفع للبلايا والكُرب، والشفاء من الأسقام العضوية والنفسية (وعلى رأسها: الخوف).

فحقًّا وصِدقًا: رمضان قاهر الخوف من كورونا.

إعلان

إعلان

إعلان