هل تشعر بالكسل عند الطاعة؟ إليك الحل
بقلم – هاني ضوَّه :
قال أحد الصالحين: "همتك فاحفظها، فإن الهمة مقدمة الأشياء، فمن صلحت له همته وصدق فيها، صلح له ما وراء ذلك من الأعمال".. فبعلو الهمة يكتمل كل عمل صالح، بل وكون أفضل ما يكون إذا كان هوى الإنسان وهمته متجهة إلى ذلك الفعل تمام التوجه.
نتعرض من حين إلى أخر إلى شعور بالفتور في الطاعات والعبادات، فتضعف همتنا وتقل عزيمنا، وما ذلك إلا لانصراف القلب إلى مشاغل الحياة، فالهمة عمل قلبي، والقلب لا سلطان عليه لغير صاحبه، وكما أن الطائر يطير بجناحيه، كذلك يطير المرء بهمته في سماء الطاعات، فتحلق به إلى أعلى الآفاق، طليقةً من القيود المادية والشهوات التي تكبل الأجساد.
وقد حثنا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم على أن نعلي من همتنا في الخير في مواضع كثيرة، يقول تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ
}، وقال جل وعلا: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ}، وقال كذلك: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}، وحث على ذلك بقوله: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}.
أما السنة النبوية الشريفة فمليئة بالكثير من الصور التي تحث على الإعلاء من الهمة، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليغرسها"، وقال: "إن الله تعالى يحب معالي الأمور، ويكره سفاسفها"، وقال صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله: "إذا سأل أحدكم فليكثر، فإنما يسأل ربه عز وجل".
لكن لماذا يدب الوهن وضعف الهمة في قلوبنا وأرواحنا؟! .. سؤال يحتاج إلى إجابة واضحة وجلية.
أوضح لنا الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم بعض أسباب الوهن وفتور الهمة في معاني تجلت في أحاديثه الشريفة، ومن بين تلك الأسباب "حب الدنيا وكراهية الموت"، وهو ما وصفه النبي بـ "الوهن".
ومما يفتر الهمة كذلك التسويف والتمني كلما هم الإنسان إلى فعل خير أو طاعة حدثته نفسه بتأجيلها إلى الغد، ثم إلى اليوم الذي يليه إلى أن تفتر همته تمامًا ولا يقدم على هذا الخير، ويفوت الأوان، يقول تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.. [الحجر : 3].
كما نبه إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "بادروا بالأعمال الصالحة سبعا: هل تنتظرون إلا فقرأ منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر" ، وقال كذلك: "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" .
ومن أسباب فتور الهمة كذلك مجالسة رفقاء السوء ومن يلهون عن ذكر الله، لذا نبهنا صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله بأن نجالس الجلساء الصالحين فقال: "إنما مَثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يُحْذِيك ، وإما أن تبتاع منه،وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة".
ومن أحد أكبر أسباب علو الهمة أن تكون مع المؤمنين، أن تحيط نفسك بجو إيماني، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}..[التوبة : 119] كن معهم، آثر اللقاء بهم عن أي لقاء آخر، آثر صحبتهم عن صحبة أهل الدنيا.
ومعالجة فتور العبادة لا تكون إلا بالبعد عن كل ما يلهي عن ذكر الله، وذلك بمخالفة النفس ومجاهدتها، قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}، وقد بين لنا ربنا حقيقة النفس فقال: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وفي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وآله: "تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد القطيفة تعس عبد القطيفة".
كما يجب علينا كذلك البعد عن التسويف وتأجيل الطاعات، وعلينا أن نتأمل سير الصحابة الكرام وحياة السلف الصالح والتابعين وأولياء الله الصالحين لنتأسى بهم، ولنر كيف كانوا متعلقين بطاعة الله مقبلين على عبادته، وفي ذلك إعلاء لهممنا وتشجيعًا لنا على الطاعات وفعل الخيرات.
فيديو قد يعجبك: