الجود والكرم - روائع القصص
- رفع رجل إلى الحسن بن علي -رضي الله عنهما- رقعة، فقال: حاجتك مقضية. فقيل له: يا بن رسول الله، لو نظرتَ في رقعتِهِ ثم رَدَدْتَ الجواب على قَدْرِ ذلك. فقال: يسألني الله عن ذُلِّ مقامه بين يدي حتى أقرأ رقعته.
- لقي رجل من أهل مَنْبِج رجلاً من أهل المدينة، فقال: ممَّن الرجل؟ فقال: من أهل المدينة. فقال له: لقد أتانا رجل منكم يُقَالُ له: الحكم بن عبد المطلب. فأغنانا. فقال له المدني: وكيف؟ وما أتاكم إلاَّ في جُبَّة صوف؟! فقال: ما أغنانا بمال، ولكنه علَّمَنَا الكرم، فعاد بعضنا على بعض حتى استغنينا.
- قال عمر بن أبي سلمة: حدثني ظِئْرٌ كان لنا قال: قدمت بأباعر لي عشرين أو ثلاثين بعيرًا ذا المروة أريد المِيرَةَ من التمر، فقيل لي: إن عمرو بن عثمان في ماله، والحسين بن علي في ماله. قال: فجئت عمرو بن عثمان، فأمر لي ببعيرين أن يحمل لي عليهما، فقال لي قائل: ويلك، ائت الحسين بن علي. فجئته، ولم أكن أعرفه، فإذا رجل جالس بالأرض حوله عبيده، بين يديه جفنة عظيمة، فيها خبز غليظ ولحم، وهو يأكل، وهم يأكلون معه، فسلَّمتُ، فقلتُ: والله ما أرى أن يعطيني هذا شيئًا. فقال: هَلُمَّ، فكُلْ. فأكلتُ معه، ثم قام إلى ربيع الماء مجراه، فجعل يشرب بيديه، ثم غسلهما، وقال: ما حاجتُك؟ فقلتُ: أمتع الله بك، قدمت بأباعر أريد الميرة من هذه القرية، فذُكِرْتَ لي، فأتيتُكَ لتعطيني ممَّا أعطاك الله. قال: اذهب فأتني بأباعرك. فجئتُ بها، فقال: دونك هذا المِرْبَد فأَوْقِرْهَا من هذا التمر. فأوقرتُها والله ما حملتْ، ثم انطلقتُ، فقلتُ: بأبي وأمي، هذا والله الكرم.
- اجتمع قُرَّاء البصرة إلى ابن عباس وهو عامل بالبصرة، فقالوا: لنا جار صوَّام قوَّام يتمنَّى كلُّ واحد مِنَّا أن يكون مثله، وقد زوَّج بنته من ابن أخيه، وهو فقير وليس عنده ما يُجَهِّزُهَا به. فقام عبد الله بن عباس، فأخذ بأيديهم، وأدخلهم داره، وفتح صندوقًا، فأخرج منه سِتِّ بِدَر، فقال: احملوا. فحملوا، فقال ابن عباس: ما أنصفناه، أعطيناه ما يَشْغَلُهُ عن قيامه وصيامه، ارجعوا بنا نكن أعوانه على تجهيزها؛ فليس للدُّنْيَا من القدر ما يشغل مؤمنًا عن عبادة ربِّه، وما بنا من الكِبَرِ ما لا نخدم أولياء الله تعالى. ففعل وفعلوا.
- حُكِيَ أنه لما أجدب الناس بمصر، وعبد الحميد بن سعد أميرهم، فقال: والله لأُعْلِمَنَّ الشيطانَ أنِّي عدوُّه. فَعَالَ محاويجَهم إلى أن رخصت الأسعار، ثم عزل عنهم، فرحل وللتُّجَّار عليه ألف ألف درهم، فرهنهم بها حلي نسائه وقيمتها خمسمائة ألف ألف، فلما تعذَّر عليه ارتجاعُها كتب إليهم ببيعها ودَفْعِ الفاضل منها عن حقوقهم إلى مَنْ لم تَنَلْهُ صِلاتُه.
- كان مَعْنُ بن زائدة عاملاً على العراقين بالبصرة، فحضر بابه شاعرٌ، فأقام مدَّة، وأراد الدخول على مَعْنٍ، فلم يتهيَّأ له، فقال يومًا لبعض خدَّام معن: إذا دخل الأمير البستان فعرِّفْنِي. فلمَّا دخل الأمير البستان أَعْلَمَهُ، فكتب الشاعر بيتًا على خشبة، وألقاها في الماء الذي يدخل البستان، وكان معن على رأس الماء، فلمَّا بصر بالخشبة، أخذها وقرأها، فإذا مكتوب عليها:
أَيَا جُودَ مَعْنٍ نَاجِ مَعْنًا بحاجتي *** فما لي إلى مَعْنٍ سواك شفيع
فقال: مَنْ صاحب هذه؟ فدُعِيَ بالرجل، فقال له: كيف قُلْتَ؟ فقال له، فأمر له بعَشْرِ بِدَرٍ، فأخذها، ووضع الأمير الخشبة تحت بساطه، فلمَّا كان اليوم الثاني أخرجها من تحت البساط وقرأها، ودعا بالرجل فدفع إليه مائة ألف درهم، فلمَّا أخذها الرجل تفكَّر وخاف أن يأخذ منه ما أعطاه فخرج، فلمَّا كان في اليوم الثالث قرأ ما فيها، ودعا بالرجل، فطُلِبَ فلم يُوجَدْ، فقال معن: حقٌّ عليَّ أنْ أُعْطِيَهُ حتى لا يبقى في بيت مالي ولا دينار.
- قيل لقيس بن سعد بن عبادة: هل رأيتَ أحدًا أسخى منك؟ فقال له: نعم، نزلنا بالبادية على امرأة، فحضر زوجها، فقالت له: إنه نزل بك ضِيفَانٌ. فجاء بناقة ونحرها، وقال: شأنكم بها..
فلمَّا كان بالغد جاء بأخرى ونحرها، وقال: شأنكم بها. فقلنا: ما أكلنا من التي نحرتَ لنا البارحة إلاَّ اليسير. فقال: إنِّي لا أُطْعِمُ أضيافي الغاب. فبقِينَا عنده يومين أو ثلاثة، والسماء تمطر، وهو يفعل كذلك، فلمَّا أردنا الرحيل وضعنا له مائة دينار في بيته، وقلنا للمرأة: اعتذري لنا إليه. ومضينا، فلمَّا مَتَع النهار إذا نحن برجل يصيح خلفنا: قفوا أيُّها الركب اللئام، أعطيتموني ثمن قرايَ. ثم إنه لحقنا، وقال: لتأخُذُنَّه، وإلاَّ طعنتكم برمحي هذا. فأخذناه وانصرف، فأنشأ يقول:
وإذا أخذْتُ ثواب ما أعطَيْتُهُ *** فَكَفَى بذاك لنائلٍ تَكْدِيرا
- قيل مَرِضَ قيس بن سعد بن عبادة، فاستبطأ إخوانَهُ، فسأل عنهم، فقيل له: إنهم يستحيُون ممَّا لك عليهم من الدَّيْنِ. فقال: أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة!! ثم أمر مَنْ يُنَادي مَنْ كان لقيس عليه دَيْنٌ فهو منه في حلٍّ. فكُسِرَتْ عتَبَتُه بالعَشِيِّ، لكثرة ما عاده.
- قال عمر بن شَبَّة: أُتِيَ مَعْنُ بن زائدة بثلاثمائة أسير، فأمر بضرب أعناقهم، فقُدِّم غلامٌ منهم ليُقتل، فقال: يا مَعْنُ، لا يُقْتَلُ أسراك وهم عطاشٌ. فقال: اسقوهم ماءً. فلمَّا شربوا قام الغلام، فقال: أيُّها الأمير، لا تَقتُل أضيافك. فأطلقهم كلُّهم.
- بَكَتْ عجوزٌ على ميتٍ، فقيل لها: بماذا استحقَّ هذا منكِ؟ فقالت: جاورنا وما فينا إلاَّ مَنْ تَحِلُّ له الصَّدَقة، ومات وما فينا إلاَّ مَنْ تجِبُ عليه الزكاة.
- عن أبي عبد الله الواقدي القاضي، قال: جاءتني جارتي يوم عرفة، فقالت لي: ما عندنا من آلة العيد شيء. فمضيتُ إلى صديق لي من التُّجَّار فعَرَّفْتُهُ حاجتي إلى القرض، فأخرج إليَّ كيسًا مختومًا فيه ألفٌ ومائتا درهم، فانصرفتُ به إلى المنزل، فما استقررت جالسًا حتى استأذن عليَّ رجل من بني هاشم، فذَكَرَ تخلُّفَ غَلَّتُه واختلالَ حاله، وحاجتَهُ إلى القرض، فدخلتُ إلى امرأتي فعجبتها من ذلك، فقالت: فما عزمك؟ قلتُ: أشاطره الكيس. فقالت: والله ما أنصفتَ، لقيتَ رجلاً سوقة فأعطاك شيئًا، وجاءك رجل له من رسول الله رَحِمٌ فتعطيه نصف ما أعطاك السوقة. فأخرجتُ الكيس بخاتمه فدفعتُه إليه، ومضى صديقي التاجر يلتمس منه القرض، فأخرج إليه الكيس بخاتمه، فلما رآه عَرَفَهُ فجاءني به، ثم وافاني رسولُ يحيى بن خالد يقول: إن الوزير شُغل عنك بحاجاتِ أمير المؤمنين وهو يطلُبُكَ. فرَكِبْتُ إليه، وحدَّثْتُه حديث الكيس وانتقاله، فقال: يا غلام، هات الدنانير. فجاء بعشرة آلاف دينار، فقال: خذ أنت ألفين، وأعطِ الهاشمي ألفين، وصديقك التاجر ألفين، وامرأتك أربعة آلاف دينار، فإنها أكرمكم.
- لما وَلَّى المنصورُ مَعْنَ بنَ زائدةَ أَذْرَبِيجَانَ قصده قوم من أهل الكوفة، فلمَّا صاروا ببابه استأذنوا عليه، فدخل الآذن، فقال: أصلح الله الأمير، بالباب وفدٌ من أهل العراق. قال: من أي العراق؟ قال: من الكوفة. قال: ائذن لهم. فدخلوا عليه فنظر إليهم معنٌ في هيئة زرية، فوثب على أريكته، وأنشأ يقول:
إذا نوبةٌ نابَتْ صديقَكَ فاغْتَنِمْ *** مرمتَهَا فالدهْرُ بالناس قُلَّبُ
فأحسنُ ثوبيكَ الذي هو لابسٌ *** وَأَفْرَهُ مُهْرَيْكَ الذي هو يركبُ
وبادِرْ بمعروفٍ إذا كنْتَ قادرًا *** زوال اقْتِدَارٍ أو غنًى عنك يُعقِبُ
قال: فوثب إليه رجل من القوم، وقال: أصلح الله الأمير، ألا أُنْشِدُك أحسن من هذا؟ قال: لمن؟ قال: لابن عمك ابن هَرْمَة. قال: هات. فأنشأ يقول:
وللنَّفْسِ تاراتٌ تحلُّ بها العُرَى *** وتسخو عن المال النفوس الشحائحُ
إذا المرءُ لم ينفعك حيًّا فنفعه *** أقلُّ إذا ضُمَّتْ عليه الصفائحُ
لأيَّة حالٍ يمنعُ المرء ماله *** غدًا فغدًا والموت غادٍ ورائحُ
قال معن: أَحْسَنَ والله، وإن كان الشعر لغيرك، يا غلامُ، أعطهم أربعة آلاف يستعينوا بها على أمورهم إلى أن يتهيَّأ لنا فيهم ما نريد. فقال الغلام: يا سيدي، أجعلها دنانير أم دراهم. فقال معن: والله لا تكون همَّتُك أرفع من همتي، صفِّرها لهم.
- قال الهيثم بن عدي: امترى ثلاثة في الأجواد، فقال رجل: أسخى الناس عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. وقال آخر: أسخى الناس في عصرنا هذا قيس بن سعد بن عبادة. وقال الثالث: أسخى الناس عرابة الأوسي. فتلاحَوْا، وأفرطوا، وكثُر ضجيجهم في ذلك بفناء الكعبة، فقال لهم رجل: قد أكثرتم، فلا عليكم، يمضي كل واحد منكم إلى صاحبه يسأله حتى ينظر ما يعطيه، ونحكم على العيان. فقام صاحب عبد الله بن جعفر فصادفه، وقد وضع رجله في غرز راحلته يريد ضيعة له، فقال له: يابن عمِّ رسول الله. قال: قُلْ ما تشاء. قال: ابن سبيل ومنقَطِعٌ به. قال: فأخرج رجله من الغرز، وقال: ضع رجلك واستوِ على الناقة، وخذ ما في الحقيبة، ولا تحد عن السيف؛ فإنه من سيوف علي بن أبي طالب، وامض لشأنك. قال: فجاء بالناقة والحقيبة فيها مطارف خزٍّ، وفيها أربعة آلاف دينار، وأعظمُها وأجلُّها خطرًا السيف.
ومضى صاحب قيس بن سعد بن عبادة، فلم يصادفه، وعاد، فقالت له الجارية: هو نائم، فما حاجتك إليه. قال: ابن سبيل ومنقطع به. قالت: فحاجتك أيسر من إيقاظه، هذا كيس فيه سبعمائة دينار، ما في دار قيس مال في هذا اليوم غيره، وامضِ إلى معاطن الإبل إلى مولانا بغلامينا، فخذ راحلة مرحلة وما يصلحها وعبدًا، وامض لشأنك. فقيل إن قيسًا انتبه من رقدته، فخبرته المولاة بما صنعتْ، فأعتقها، وقال لها: ألا أنبهتني، فكنتُ أَزِيده من عُرُوض ما في منزلنا، فلعلَّ ما أعطيتِه لم يقع بحيث ما أراد.
ومضى صاحب عَرَابَة الأوسي إليه، فألفاه وقد خرج من منزله يريد الصلاة وهو متوكئ على عبدين، وقد كُفَّ بصره، فقال: يا عرابة. قال: قُلْ ما تشاء. قال: ابن سبيل، ومنقطع به. قال: فخلَّى عن العبدين، ثم صفَّق بيده اليمنى على اليسرى، ثم قال: أوه أوه، والله ما أصبحت ولا أمسي وقد تَرَكَتِ الحقوقُ لعرابة من مال، ولكن خذهما. يعني العبدين، قال: ما كنت بالذي أفعل، أقصُّ جناحيك!! قال: إن لم تأخذهما فهما حُرَّان، وإن شئت فأعتق، وإن شئت فخذ. وأقبل يلتمس الحائط بيده، قال: فأخذهما وجاء بهما. قال: فحكم الناس على ابن جعفر قد جاد بمال عظيم، وإن ذلك ليس بمستنكر له، إلاَّ أن السيف أجلُّها، وأن قيسًا أحد الأجواد حكَّم مملوكة في ماله بغير علمه، واستحسانه ما فعلته، وعتقه لها، وما تكلم به، وأجمعوا على أن أسخى الثلاثة عرابة الأوسي؛ لأنه جهد من مقلٍّ.
- قال رجل لحاتم: هل في العرب أجود منك؟ قال: كل العرب أجود مني. ثم أنشأ يحدث، قال: نزلت على غلام من العرب يتيم ذات ليلة، وكانت له مائة من الغنم، فذبح لي منها شاة، وأتاني بها، فلما قرب إلي دماغها، قلت: ما أطيب هذا الدماغ! قال: فذهب فلم يزل يأتيني منه، حتى قلت: قد اكتفيت. قال: فلما أصبحنا فإذا هو قد ذبح المائة شاة، وأبقى لا شيء له. قال الرجل: فقلت له: ما صنعتَ به؟ قال: ومتى أبلغ شكره، ولو صنعت به كل شيء؟ قال: على ذاك. قال: أعطيته مائة ناقة من خيار إبلي.
المصدر: موقع قصة الإسلام
فيديو قد يعجبك: