عبد الحكيم الأفغاني.. الزاهد التقي أفضل علماء دمشق في عصره
كتبت - سارة عبد الخالق:
عُرف عنه "تقواه وزهده الشّديدان حتّى ضرب بهما المثل".. كان رغم كبر سنه يجلس على ركبتيه في حضرة العلماء تقديرا واحتراما لهم.. هو فقيه من فقهاء الحنفية.. ومفسر من أفضل علماء دمشق في عصره..يقول علماء الشام المخلصون عنه: "من أراد أن ينظر إلى علماء السلف فلينظر إلى الشيخ عبد الحكيم".
ففي مثل هذا اليوم الموافق 2 من نوفمبر من عام 1908 م، انتقل إلى ملاقاة ربه الزاهد التقي أفضل علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري إنه: الشيخ (عبد الحكيم الأفغاني).
قال عنه المسند عبد الحفيظ الفاسي الفهري في كتابه (معجم الشيوخ المسمى رياض الجنة أو المدهش المطرب): "كان هذا السيد من أفضل علماء دمشق في عصره،عالما متبحرا مشاركا محققا في كثير من العلوم، ومتضلعا في الحديث والتفسير، متمكنا في الفقهياتعلى طريقة السلف من تأييد المسائل بالقرآن والسنة وإجماع الأمة، وكان قد وزع أوقاته كلها للعبادة والتأليف، ونفع طالبي الاستفادة تدريسا وتأليفا ولم يختلف أحد في علمه وصلاحه وزهده، ترك الدنيا وملاذها الشهية ورضي بالكفاية من القوت والملبس والمسكن، ولم يبخل بما بيده ولم ينتظر ما في غده، حميد السيرة، سليم السريرة، عالي الهمة، نافع الأمة".
هو عبد الحكيم بن محمد نور بن الحاج ميرزا القندهاري الأفغاني ثم الدمشقي، وفقا لمقال نشر تحت عنوان "جهود علماء دمشق في الحديث في القرن الرابع عشر الهجري" للدكتور بديع السيد اللحام،ولدالشيخ عبد الحكيم الأفغاني في قندهار ـ من بلاد الأفغان عام (1250 هـ -1835م، ويقال عام 1251 هـ - 1836 م)، هو فقيه أصولي محدث مقرئ ومفسر، خرج من بلاده وهو في سن الشباب طلبا للعلم في بلاد الهند ومختلف الدول الإسلامية حتى وصل إلى الحرمين الشريفين حيث جاور مدة قصيرة من الزمن، ثم انتقل إلى بيت المقدس، ثم نزل دمشق واتخذ مدرسة دار الحديث الأشرفية تقريبا لمدة ربع قرن من الزمان، حتى توفاه الله بها في اليوم الثامن من شوال سنة 1326 الموافق الثاني من نوفمبر سنة 1908 م ، وفقا لموقع رابطة العلماء السوريين، والمقال السابق ذكره.
كان نزيها، يشتغل حتى يأكل من عمل يده، وكان يأكل القليل،فراراً من الأكل بالدِّين، كان يعمل بالبناء، ولا يقبل هدية أو عطية من أحد، وإذا اشتهر في بلدة أو في المكان الذي يوجد فيه، سرعان ما يتركه ويهاجر منه خوفا من الشهرة.
كان يتميز بالإجادة في الخط، فقام بنسخ عدة نسخ من المصحف الشريف بيده، ووقفها في سبيل الله، وكان حريصا على أن يضحي كل سنة.
كان يحرص دائما على تحضير دروسه التي يلقيها، "وقد تعترضه عند التحضيرإشكالات، تُعرب عن قوة تحقيق في العلم، - وفقا لرابطة العلماء السوريين - ثم بعد التأمل ينفتق ذهنه لحلها واكتشاف غامضها، فيكتب الإشكال وحله على هامش الكتاب، وإذا لم يكتشف غامضه يكتبه ويلقيه على نوابغ تلامذته في حلقة الدرس قائلاً: قد أشكل علينا حين المطالعة هذه العبارة، ولم نفهم مراد مولانا المؤلف، فما قولك يا فلان؟ فيجيبه التلميذ المسئول، فإن وجد جوابه ملائما للصواب ابتهج به وكتبه فوراً، وإلا أضرب عنه، وانتقل إلى آخر... وإذا اعتاص الإشكال على الجميع يقول: ما ظهر لنا ربنا يعطينا،وإذا أشكل عليه شيء من دقائق النحو أو المنطق ـ وعهده بهما بعيد إذ كان عاكفاً في أواخر مدته على مزاولة العلوم الشرعية ـ سعى إلى أحد العلماء وقد يكون أحد تلامذته لأن العلم يؤتى ولا يأتي".
وكانت له معرفة واسعة بالحديث وفنونه وإنْ كانت شهرته بالفقه الحنفي أكثر، وكان له اشتغال بالتأليف، فترك عدداً من المؤلفات الدّالة على سعة علمه، ومن أشهرها كتابة "كنوز الحقائق شرح كنز الدقائق" الذي كتب له من القبول والانتشار ما لم يكتب لغيره من شروح الكنز، حتى طُبع في مختلف البلاد الإسلامية (تركيا ومصر والهند وباكستان) إضافة إلى بعض المؤلفات في الحديث وعلومه، منها: التيسير والتسهيل لفهم مدارك التنزيل، كشف الحقائق في شرح كنز الدقائق في الفقه الحنفي، فروع الفقه الحنفي في مجلدين، شرح الشاطبية في القراءات، تقريرات على شرح النخبة في مصطلح الحديث، وحاشية على شرح صحيح البخاري، وفقا لما جاء في معجم المؤلفين (مفسرون).
تخرج على يديه نخبة من علماء الشام، فكان من ضمن تلاميذه: (محمد أديب التقي نقيب الأشراف، وسعيد الطنطاوي، وأبو الخير الميداني رئيس رابطة العلماء، ومحمود العطاروسعيد المارديني، وغيرهم).
توفي الشيخ عبد الحكيم الأفغاني في الثامن من شوال عام 1326 هـ الموافق الثاني من نوفمبر سنة 1908 م ، وخرج الناس في أعداد مهيبة لتشييعه حتى أن الطريق امتلأ من الجامع الأموي حتى المقبرة التي دفن فيها، رحل الشيخ وترك ورائه سيرة حسنة ومؤلفات عظيمة تشهد له وتحفر اسمه بحروف من نور واحدا من أعظم علماء عصره.
فيديو قد يعجبك: