لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

جلال الدين السيوطي

07:06 م الثلاثاء 20 مايو 2014

Untitled-1

نشأته وتربيته:

ولد السيوطي مساء يوم الأحد غرة شهر رجب [849هـ الموافق سبتمبر 1445م] بالقاهرة، واسمه عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد الخضيري الأسيوطي، وكان سليل أسرة اشتهرت بالعلم والتدين، وكان أبوه من العلماء الصالحين ذوي المكانة العلمية الرفيعة التي جعلت بعض أبناء العلماء والوجهاء يتلقون العلم على يديه

يروي السيوطي عن نفسـه في (طبقات المفسرين) فيقول: أما جدي الأعلى همّام الدين، فكان من أهل الحقيقة ومن مشايخ الطرق، ومن دونه كانوا من أهل الوجاهة والرياسة، منهم من ولي الحكم ببلده، ومنهم من، ولى الحِسْبة بها، ومنهم من كان تاجرا فيِ صحبة الأمير شيخون،وبَنى مدرسة بأسيوط، ووقف عليها أوقافاَ، ومنهم من كان مقمولا ولا أعلم من خدم العلم حق خدمته إلا والدي.

وأما نسبتنا بالخضيري فلا أعلم ما تكون إليه نسبة هذه النسبة إلا الخضيرية، محلة ببغداد، وقد حدثني من أثق به أنه سمع والدي رحمه اللهّ يذكر أن جده الأعلى كان أعجمياً، أو من الشرق، فالظاهر أن النسبة إلى المحلة المذكورة.

وقد توفي والد السيوطي ولابنه من العمر ست سنوات، فنشأ الطفل يتيمًا، واتجه إلى حفظ القرآن الكريم، فأتم حفظه وهو دون الثامنة، ثم حفظ بعض الكتب في تلك السن المبكرة مثل العمدة، ومنهاج الفقه والأصول، وألفية ابن مالك، فاتسعت مداركه وزادت معارفه.

وكان السيوطي محل العناية والرعاية من عدد من العلماء من رفاق أبيه، وتولى بعضهم أمر الوصاية عليه، ومنهم "الكمال بن الهمام الحنفي" أحد كبار فقهاء عصره، وتأثر به الفتى تأثرًا كبيرًا خاصة في ابتعاده عن السلاطين وأرباب الدولة.

شيوخــــــــــه:

عاش السيوطي في عصر كثر فيه العلماء الأعلام الذين نبغوا في علوم الدين على تعدد ميادينها، وتوفروا على علوم اللغة بمختلف فروعها، وأسهموا في ميدان الإبداع الأدبي، فتأثر السيوطي بهذه النخبة الممتازة من كبار العلماء، فابتدأ في طلب العلم سنة [864 هـ الموافق 1459م] ودرس الفقه والنحو والفرائض، ولم يمض عامان حتى أجيز بتدريس العربية، وألف في تلك السنة أول كتبه وهو في سن السابعة عشرة، فألف "شرح الاستعاذة والبسملة" فأثنى عليه شيخه "علم الدين البلقيني".

وكان منهج السيوطي في الجلوس إلى المشايخ هو أنه يختار شيخًا واحدًا يجلس إليه، فإذا ما توفي انتقل إلى غيره، وكان عمدة شيوخه "محيي الدين الكافيجي" الذي لازمه السيوطي أربعة عشر عامًا كاملة وأخذ منه أغلب علمه، وأطلق عليه لقب "أستاذ الوجود"، ومن شيوخه "شرف الدين المناوي" وأخذ عنه القرآن والفقه، و"تقي الدين الشبلي" وأخذ عنه الحديث أربع سنين فلما مات لزم "الكافيجي" أربعة عشر عامًا وأخذ عنه التفسير والأصول والعربية والمعاني، وأخذ العلم ـ أيضًا ـ عن شيخ الحنفية "الأفصرائي" و"العز الحنبلي"، و"المرزباني" "وجلال الدين المحلي" و"تقي الدين الشمني" وغيرهم.

ولم يقتصر تلقي السيوطي على الشيوخ من العلماء الرجال، بل كان له شيوخ من النساء اللاتي بلغن الغاية في العلم، منهن "آسية بنت جار الله بن صالح"، و"كمالية بنت محمد الهاشمية" و"أم هانئ بنت أبي الحسن الهرويني"، و"أم الفضل بنت محمد المقدسي" وغيرهن كثير.

يقول السيوطي رحمه الله فأخذت الفقه والنحو عن جماعة من الشيوخ، وأخذت الفرائض عن العلامة فرضيّ زمانه الشيخ شهاب الدين الشار مساحي الذي كان يقال: إنه بلغ السنّ العالية، وجاوز المائة بكثير- والله أعلم بذلك - قرأت عليه في شرحه على المجموع.

وأجِزْت بتدريس العربية في مستهل سنة ست وستين، وقد ألفت في هذه السنة، فكان أول شيء ألفته شرح الاستعاذة والبسملة، وأوقفت عليه شيخنا شيخ الإسلام علم الدين البُلقيني،فكتب عليه تقريظاً، ولازمته في الفقه إلى أن مات، فلازمت ولدَه، فقرأت عليه من أول التدريب لوالده إلى الوكالة، وسمعت عليه من أول الحاوي الصغير إلى العدد، ومن أول المنهاج إلى الزكاة، ومن أول التنبيه إلى قريب من الزكاة، وقطعة من ألروضة، وقطعة من تكملة شرح المنهاج للزركشي،ومن إحياء الموات إلى الوصايا أو نحوها.

وأجازني بالتدريس والإفتاء من سنة ست وسبعين، وحضر تصديري، فلما توفي لزمت شيخ الإسلام شرف الدين المناوي،فقرأت عليه قطعة من المنهاج، وسمعته عليه في التقسيم إلا مجالس فاتتني، وسمعت دروساً من شرح البهجة ومن حاشيته عليها ومن تفسير البيضاوي.

ولزمت في الحديث والعربية شيخنا الإمام العلامة تقي الدين الشبلي الحنفي،فواظبته أربع سنين، وكتب لي تقريظاً على شرح ألفية ابن مالك وعلى جمع الجوامع في العربية تأليفي، وشهد ليِ غير مرة بالتقدم في العلوم بلسانه وبنانه، ورجع إلى قولي مجرِّداَ في حديث، فإنه أورد في حاشيته على الشفاء حديث أبي الجمرا في الإسراء، وعزاه إلى تخريج ابن ماجة، فاحتجت إلى إيراده بسنده، فكشفت ابن ماجة، في مظنته فلم أجده، فمررت على الكتاب كله فلم أجده، فاتهمت نظري، فمررت مرة ثانية فلم أجده، فعدت ثالثة فلم أجده، ورأيته في معجم الصحابة لابن قانع، فجئت إلى الشيخ فأخبرته، فمجرد ما سمع مني ذلك أخذ نسخته وأخذ القلم فضرب على لفظ "ابن ماجة" وألحق "أبن قانع " في الحاشية، فأعظمت ذلك وهبته لعظم منزلة الشيخ في قلبي واحتقاري في نفسي، فقلت: إلا تصبرون لعلكم تراجعون! فقال: إنما قلدت في قولي "ابن ماجة" البرهان الحلبي. ولم أنفكّ عن الشيخ إلى أن مات.

ولزمت شيخنا العلامة أستاذ الوجود محي الدين الكافيجي أربع عشرة سنة، فأخذت عنه الفنون من التفسير والأصول والعربية والمعاني وغير ذلك. وكتب لي إجازة عظيمة.

وحضرت عند الشيخ سيف الدين الحنفي دروساً عديدة في الكشاف والتوضيح وحاشيته عليه وتلخيص المفتاح والعَضد.وشرعت في التصنيف في سنة ست وستين، وبلغت مؤلفاتي ثلاثمائة كتاب، سوى ما غسلته ورجعت عنه.

تلاميـــــــذه:

وتلاميذ السيوطي من الكثرة والنجابة بمكان، وأبرزهم "شمس الدين الداودي" صاحب كتاب "طبقات المفسرين" الذي كتبه بمساعدة أستاذه " السيوطي"، و"شمس الدين بن طولون"، و"شمس الدين الشامي" محدث الديار المصرية، والمؤرخ الكبير "ابن إياس" صاحب كتاب "بدائع الزهور"

رحلاتـــــه:

كانت الرحلات وما تزال طريقًا للتعلم، إلا أنها كانت فيما مضى من ألزم الطرق للعالم الذي يريد أن يتبحر في علمه، وكان السيوطي ممن سافر في رحلات علمية ليلتقي بكبار العلماء، فسافر إلى عدد من الأقاليم في مصر كالفيوم ودمياط والمحلة وغيرها، وسافر إلى الشام واليمن والهند والمغرب والتكرور (تشاد حاليًا) ورحل إلى الحجاز وجاور بها سنة كاملة، وشرب من ماء زمزم ليصل في الفقه إلى رتبة سراج الدين البلقيني، وفي الحديث إلى رتبة الحافظ ابن حجر العسقلاني.

ولما اكتملت أدوات السيوطي جلس للإفتاء سنة [871 هـ الموافق 1466م] وأملى الحديث في العام التالي، وكان واسع العلم غزير المعرفة، يقول عن نفسه: "رُزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع"، بالإضافة إلى أصول الفقه والجدل، والقراءات التي تعلمها بنفسه، والطب، غير أنه لم يقترب من علمي الحساب والمنطق.

ويقول: "وقد كملت عندي الآن آلات الاجتهاد بحمد الله تعالى، أقول ذلك تحدثًا بنعمة الله تعالى لا فخرًا.. وأي شيء في الدنيا حتى يطلب تحصيلها في الفخر؟!!".

وكانت الحلقات العلمية التي يعقدها السيوطي يقبل عليها الطلاب، فقد عُيّن في أول الأمر مدرسًا للفقه بالشيخونية، وهي المدرسة التي كان يلقي فيها أبوه دروسه من قبل، ثم جلس لإملاء الحديث والإفتاء بجامع ابن طولون، ثم تولى مشيخة الخانقاه البيبرسية التي كانت تمتلئ برجال الصوفية.

وقد نشب خلاف بين السيوطي وهؤلاء المتصوفة، وكاد هؤلاء المتصوفة يقتلون الرجل، حينئذ قرر أن يترك الخانقاه البيبرسية، ويعتزل الناس ومجتمعاتهم ويتفرغ للتأليف والعبادة.

السيوطي وعلم التفسير:

للسيوطي رحمه الله باع طويل فة التفسير وعلوم القرآن، لا يقل شلأنا عن أحد من علماء عصره فى ذلك، إن لم يكن أطولهم باع، وأكثرهم تبحرا وتصنيف، يدلنا على ذلك آثاره وما حبرته يده من تواليف ما زالت المرجع فى موضوعاتها حتى اليوم.

يقول السيوطي:" لقد رزقت ولله الحمد التبحر فى سبعة علوم: التفسير والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع.

ومن آثاره فى تفسير القرآن:

1- الدر المنثور فى التفسير بالمأثور، طبع فى ست مجلدات. 

2- التفسير المسند المسمي "ترجمان القرآن". 

3- الإتقان فى علوم القرآن، وقد جمع فيه ثمانين نوع من علوم القرآن، وما زال هذا الكتاب عمدة الدراسات القرآنية، فلم يصنف أوعب، ولا أجمع منه. 4- التحبير فى علوم التفسير. 

5- الناسخ والمنسوخ فى القرآن، وغير ذلك الكثير والكثير من الدراسات التي تخص القرآن الكريم.

منهجه في التفسير:

صنف السيوطي رحمه الله كتابا كبيرا بعنوان " ترجمان القرآن فى تفسير المسند " جمع فيه ما رواه الحفاظ فى الصحاح، والسنن، والمسانيد، والمعاجم، والأجزاء، وأضاف إلبيه ما رواه المفسرون المسندون مثل ابن جرير الطبري، وعبد الرزاق الصنعاني وغيرهم.....

وأهم ما يميز تفسير السيوطي:

1- يذكر مكان نزول السورة، وهل هي مكية أو مدنية. 

2- يذكر ما ورد فى هذه السورة من فضائل. 

3- يقسم السورة إلي مقاطع، فيذكر الآية أو الآيتين في السورة المدنية الطوال، أو مجموعة من الآيات فى السورة المكية القصار. 

4- ثم يفسر الكلمة أو الجملة مبينا فيه:

أ - سبب النزول إن وجد 

ب- القراءات: إن ورد فيها قراءات 

ج- الناسخ والمنسوخ 

د- شرح غريب اللفظ ومبهم العبارات 

هـ - إذا كانت الآية تتضمن أحكاما فقهية، فإنه يذكر ما ورد فيها من أحكام.

السيوطي وعلم التاريخ:

صنف السيوطي رحمه الله كتبا كثيرة فى التاريخ مثل " حسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة " و" تحفة المذاكر فى المنتقي فى تاريخ ابن عساكر " و" التحفة الظريفة فى السيرة الشريفة " و" الشماريخ فى علم التاريخ "

منهجه في كتابة التاريخ:

كان للسيوطي رحمه الله منهج فى بحثه التاريخي نستطيع أن نتلمس آثاره فى كتبه التي صنفه:

1- كان السيوطي حريصا على ذكر المصادر التي أخذ عنهامعلوماته، فبركة العلم نسبة القول إلي قائله، بل هو فى التاريخ أكثر ضرورة، نظرا لحاجة التاريخ لمصدر يوثق الحادثة.

2- يوضح المسألة بإبراز الأقوال التي جاءت فيه، والردود التي وردت باسم صاحبه، وذلك نظرا لسعة إطلاعه على المرويات والأخبار.

3- اتبع السيوطي منهج المحدثين بتتبع الأخبار ونقده،كما بين ذلك فى فصل له بعنوان " فصل فى بيان كونه عيه الصلاة والسلام لم يستخلف وسر ذلك " حيث أظهر رايه فى آخر الروايات التيذكره، ودفع المتعارضص منه، وبينأنه لا منفاة بين الأخبار، وهو منهج طبقه أهل الحديث على المرويات، واستفاد منه السيوطي فى التاريخ.

بعض مؤلفاته:

وزادت مؤلفات السيوطي على الثلاثمائة كتاب ورسالة، عدّ له بروكلمان (415) مؤلفا، وأحصى له "حاجي خليفة" في كتابه "كشف الظنون" حوالي (576) مؤلفا، ووصل بها البعض كابن إياس إلى (600) مؤلف.

ومن مؤلفاته في علوم القرآن والتفسير: 

1- "الاتقان في علوم التفسير" 

2- "متشابه القرآن" 

3- " الإكليل في استنباط التنزيل" 

4- "مفاتح الغيب في التفسير" 

5- "طبقات المفسرين" 

6- "الألفية في القراءات العشر"

أما الحديث وعلومه، فكان السيوطي يحفظ مائتي ألف حديث كما روى عن نفسه، وكان مغرما بجمع الحديث واستقصائه لذلك ألف عشرات الكتب في هذا المجال، يشتمل الواحد منها على بضعة أجزاء، وفي أحيان أخرى لا يزيد عن بضع صفحات.. ومن كتبه:

7- "إسعاف المبطأ في رجال الموطأ" 

8- تنوير الحوالك في شرح موطأ الإمام مالك" 

9- " جمع الجوامع" 

10 - " الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" 

11- " المنتقى من شعب الإيمان للبيهقي" 

12- "أسماء المدلسين" 

13- "آداب الفتيا" 

14- " طبقات الحفاظ وفي الفقه ألف". 

15- "الأشباه والنظائر في فقه الإمام الشافعي". 

16 - "الحاوي في الفتاوي" 

17- "الجامع في الفرائض". 

18- "تشنيف الأسماع بمسائل الإجماع".

وفي اللغة وعلومها كان له فيها أكثر من مائة كتاب ورسالة منها: 

19- "المزهر في اللغة" 

20 - "الأشباه والنظائر في اللغة" 

21- "الاقتراح في النحو" 

22- "التوشيح على التوضيح" 

23- "المهذب فيما ورد في القرآن من المعرب" 

24- "البهجة المرضية في شرح ألفية ابن مالك".

وفي ميدان البديع كان له: 

25- "عقود الجمان في علم المعاني والبيان" 

26- "الجمع والتفريق في شرح النظم البديع" 

27- "فتح الجليل للعبد الذليل".

وفي التاريخ والطبقات ألف أكثر من (55) كتابًا ورسالة يأتي في مقدمتها: 

28- "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة". 

29- "تاريخ الخلفاء". 

30- "الشماريخ في علم التاريخ". 

31- "تاريخ الملك الأشرف قايتباي". 32- "عين الإصابة في معرفة الصحابة". 

33- "بغية الوعاة في طبقات النحاة". 

34- "نظم العقيان في أعيان الأعيان". 

35- "در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة". 

36- "طبقات الأصوليين".

ومن مؤلفاته الأخرى الطريفة: 

37- "منهل اللطايف في الكنافة والقطايف". 

38- "الرحمة في الطب والحكمة". 

39- "الفارق بين المؤلف والسارق". 

40- "الفتاش على القشاش".41- "الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض".

وقد شاءت إرادة الله أن تحتفظ المكتبة العربية والإسلامية بأغلب تراث الإمام السيوطي، وأن تطبع غالبية كتبه القيمة وينهل من علمه الكثيرون.

اعتزال السيوطي الحياة العامة:

قضى السيوطي فترة غير قصيرة في خصومات مع عدد من علماء عصره، كان ميدانها الحملات الشرسة في النقد اللاذع في الترجمة المتبادلة، ومن خصومه: البرهان الكركي، وأحمد بن محمد القسطلاني، والشمس الجوجري، غير أن أشد خصوماته وأعنفها كانت مع شمس الدين السخاوي، الذي اتهم السيوطي بسرقة بعض مؤلفاته، واغتصاب الكتب القديمة التي لا عهد للناس بها ونسبتها إلى نفسه.

ولم يقف السيوطي مكتوف الأيدي في هذه الحملات، بل دافع عن نفسه بحماسة بالغة وكان من عادته أن يدعم موقفه وقراره بوثيقة ذات طابع أدبي، فألف رسالة في الرد على السخاوي، اسمها "مقامة الكاوي في الرد على السخاوي" نسب إليه فيها تزوير التاريخ، وأكل لحوم العلماء والقضاة ومشايخ الإسلام

وكان لهذه العلاقة المضطربة بينه وبين بعض علماء عصره، وما تعرض له من اعتداء في الخانقاه البيبرسية أثر في اعتزال الإفتاء والتدريس والحياة العامة ولزوم بيته في روضة المقياس على النيل، وهو في الأربعين من عمره، وألف بمناسبة اعتزاله رسالة أسماها "المقامة اللؤلؤية"، ورسالة "التنفيس في الاعتذار عن ترك الإفتاء والتدريس".

وقد تنبه بعض خصوم السيوطي إلى خطئهم فيما صوبوه إلى هذا العالم الجليل من سهام في النقد والتجريح وخصومات ظالمة، فأعلنوا عن خطئهم، وفي مقدمتهم الشيخ القسطلاني الذي أراد أن يسترضي هذا العالم الجليل الذي لزم بيته وعزف عن لقاء الناس، فتوجه إليه حافيًا معتذرًا، غير أن هذا الأمر لم يجعل السيوطي يقطع عزلته ويعود إلى الناس، ولكنه استمر في تفرغه للعبادة والتأليف.

اعتزال السلاطين:

عاصر السيوطي (13) سلطانًا مملوكيًا، وكانت علاقته بهم متحفظة، وطابعها العام المقاطعة وإن كان ثمة لقاء بينه وبينهم، وضع نفسه في مكانته التي يستحقها، وسلك معهم سلوك العلماء الأتقياء، فإذا لم يقع سلوكه منهم موقع الرضا قاطعهم وتجاهلهم، فقد ذهب يومًا للقاء السلطان الأشرف قايتباي وعلى رأسه الطيلسان [عمامة طويلة] فعاتبه البعض، فأنشأ رسالة في تبرير سلوكه أطلق عليها "الأحاديث الحسان في فضل الطيلسان".

وفي سلطنة طومان باي الأول حاول هذا السلطان الفتك بالسيوطي، لكن هذا العالم هجر بيته في جزيرة الروضة واختفى فترة حتى عُزل هذا السلطان

وكان بعض الأمراء يأتون لزيارته، ويقدمون له الأموال والهدايا النفيسة، فيردها ولا يقبل من أحد شيئا، ورفض مرات عديدة دعوة السلطان لمقابلته، وألف في ذلك كتابًا أسماه "ما وراء الأساطين في عدم التردد على السلاطين".

ريادة ثقافية في عصر العلماء:

كان السيوطي من أبرز معالم الحركة العلمية والدينية والأدبية في النصف الثاني من القرن التاسع الهجري، حيث ملأ نشاطه العلمي في التأليف مختلف الفروع في ذلك الزمان من تفسير وحديث وفقه وتاريخ وطبقات ونحو ولغة وأدب وغيرها، فقد كان موسوعي الثقافة والاطلاع.

وقد أعانه على كثرة تأليفه انقطاعه التام للعمل وهو في سن الأربعين حتى وفاته، وثراء مكتبته وغزارة علمه وكثرة شيوخه ورحلاته، وسرعة كتابته، فقد اتسع عمره التأليفي (45) سنة، حيث بدأ التأليف وهو في السابعة عشرة من عمره، وانقطع له (22) عامًا متواصلة، ولو وُزع عمره على الأوراق التي كتبها لأصاب اليوم الواحد (40) ورقة، على أن القسم الأكبر من تأليفه كان جمعًا وتلخيصًا وتذييلا على مؤلفات غيره، أما نصيبه من الإبداع الذاتي فجِدّ قليل.

وقد تمنى السيوطي أن يكون إمام المائة التاسعة من الهجرة لعلمه الغزير، فيقول: "إني ترجيت من نعم الله وفضله أن أكون المبعوث على هذه المائة، لانفرادي عليها بالتبحر في أنواع العلوم.

آراء العلماء فيه:

قال عنه تلميذه عبد القادر بن محمد الشاذلي "الأستاذ الجليل الكبير، الذي لا تكاد الأعصار تسمح له بنظير، شيخ الإسلام، وارث علوم الأنبياء عليهم السلام، فريد دهره، ووحيد عصره، مميت البدعة ومحيي السنة، العلامة البحر الفهامة، مفتي الأنام، وحسنة الليالي والأيام، جامع أشتات الفضائل والفنون،.... وأوحد علماء الدين، إمام المرشدين وقامع المبتدعة والملحدين، سلطان العلماء، ولسان المتكلمين، إمام المحدثين فى وقته وزمانه......"

وقال عنه تلميذه المؤرخ البحاثة ابن إياس " كثير الإطلاع، نادرة فى عصره، بقية السلف وعمدة الخلف، وبلغت عدة مصنفاته نحوا من ست مئة تأليف، وكان فى درجة المجتهدين فى العلم والعمل "

وقال عنه ابن العماد الحنبلي " المسند المحقق، صاحب المؤلفات الفائقة النافعة "

وفاتـــــــــــه:

رحم الله شيخنا جلال الدين، الذي كان مفخرة عصره، ومعجز من جاء من العلماء من بعده، وفي منزله بروضة المقياس على النيل بالقاهرة تلقى جموع المسلمون نبأ وفاته الأليم في [19 جمادى الأولى 911هـ الموافق 20 أكتوبر 1505م] ودفن بجواره والده.

المصدر: موقع قصة الإسلام

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان