أستاذ بالأزهر يؤكد: لا يجوز للأب الاستيلاء على مال ولده وأملاكه استناداً لحديث "أنت ومالك لأبيك"
كتبت - آمال سامي:
تلقى الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، العميد السابق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط، سؤالا يقول : أب يستولي على كل مال يشتغل به ولده ولا يبقي للولد شيئا وهو جالس في البيت وهو قادر على العمل ولا يعمل استدلالا بالحديث السابق ..؟
أجاب مرزوق أنه قد ورد مثل ذلك للشيخ عطية صقر رحمه الله تعالى، وصيغة السؤال : ﺳﺎﻓﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻼﺩ ﻭﻛﻨﺖ ﺃﺭﺳﻞ ﻷﺑﻰ ما ﺃﺩﺧﺮﻩ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺃﻥ ﻳﺒﻨﻰ ﻟﻰ ﺑﻴﺘﺎ ﺃﻭ ﻳﺸﺘﺮﻯ ﺃﺭﺿﺎ ﺃﻛﺴﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻴﺸﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﻋﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺑﻠﺪﻯ، ﻓﻮﺟﺪﺕ ﺃﺑﻰ ﺳﺠﻞ ﻣﺎ اﺷﺘﺮاﻩ ﺑﺎﺳﻤﻪ ﻫﻮ ﻭﻗﺎﻝ ﺇﻧﻪ ﺷﺮﻛﺔ ﺑﻴﻨﻚ ﻭﺑﻴﻦ ﺇﺧﻮﺗﻚ، ﻭﻟﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ﻭﺃﻳﻦ ﻛﺴﺒﻰ؟ ﻗﺎﻝ ﻟﻰ، ﺃﻣﺎ ﺃﺗﻌﺮﻑ ﺃﻥ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﻗﺎﻝ ﻟﻠﻮﻟﺪ: ﺃﻧﺖ ﻭﻣﺎﻟﻚ ﻷﺑﻴﻚ؟ ﻓﻬﻞ ﻫﺬا ﺻﺤﻴﺢ؟ وأجاب الشيخ عكية صقر قائلا ﺇﻥ اﻟﺠﻬﻞ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ ﺳﺒﺐ ﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺃﻟﻮﻥ اﻻﻧﺤﺮاﻑ، ﻭاﻟﻄﻤﻊ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﺪﺭﺟﺔ ﻟﻻﻧﺰﻻﻕ، ﻭﺿﻌﻒ اﻟﺮﻭﺡ اﻷﺧﻮﻳﺔ ﺃﻭ ﺗﺤﻜﻢ اﻷﺛﺮﺓ ﻭاﻷﻧﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻰ ﻻ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻬﺎ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺳﻠﻴﻢ.
وأشار إلى قول اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻓﻰ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺑﺮ اﻟﻮﻟﺪ ﺑﻮاﻟﺪﻳﻪ: ﻻﺑﺪ ﻣﻦ اﻹﻧﻔﺎﻕ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﻨﻔﻘﺔ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻣﻦ ﻃﻌﺎﻡ ﻭﻛﺴﺎء ﻭﻣﺴﻜﻦ ﻭﻣﺎ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ، ﺑﺸﺮﻁ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﻓﻰ ﻭﺳﻊ اﻟﻮﻟﺪ، ﻭﻻ ﻳﻀﺮ ﺑﻪ ﺿﺮﺭا ﻭاﺿﺤﺎ، ﻓﺈﺫا اﺳﺘﻮﻟﻰ اﻟﻮاﻟﺪاﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﻝ ﻭﻟﺪﻫﻤﺎ ﻟﺤﺎﺟﺘﻬﻤﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻼ ﺷﻰء ﻓﻴﻪ ﺑﺸﺮﻁ ﻋﺪﻡ اﻟﻀﺮﺭ ﺑﺎﻟﻮﻟﺪ، ﻛﺄﻥ ﻳﺄﺧﺬا ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﻛﻔﺎﻳﺘﻬﻤﺎ، ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻨﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﺃﺩاء اﻟﺘﺰاﻣﺎﺗﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ، ﻭﺇﻻ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻟﺪ ﺃﻥ ﻳﻌﻄﻴﻬﻤﺎ ﻓﻘﻂ ﻣﻘﺪاﺭ اﻟﻜﻔﺎﻳﺔ، ﻭﻫﻮ اﻟﻨﻔﻘﺔ اﻟﻮاﺟﺒﺔ، ﻭﻳﺒﻘﻰ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻣﺎ ﻳﻌﻴﺶ ﺑﻪ ﻣﻊ ﺃﺳﺮﺗﻪ.
وذكر ما ﺃﺧﺮﺝ اﻟﺒﻴﻬﻘﻰ ﻋﻦ ﻗﻴﺲ ﺑﻦ ﺃﺑﻰ ﺣﺎﺯﻡ ﻗﺎﻝ: ﺟﺎء ﺭﺟﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻰ ﺑﻜﺮ ﺭﺿﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻥ ﺃﺑﻰ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﺎﻟﻰ ﻛﻠﻪ ﻳﺠﺘﺎﺣﻪ، ﺃﻯ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻨﻪ ﺷﻴﺌﺎ، ﻓﻘﺎﻝ ﻷﺑﻴﻪ: ﺇﻧﻤﺎ ﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻴﻚ. ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺃﻟﻴﺲ ﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ "ﺃﻧﺖ ﻭﻣﺎﻟﻚ ﻷﺑﻴﻚ "؟ ﻓﻘﺎﻝ: ﻧﻌﻢ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻌﻨﻰ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻨﻔﻘﺔ.
واستشهد أيضا بما ﺟﺎء ﻓﻰ ﻣﻌﺠﻢ اﻟﻤﻐﻨﻰ ﻻﺑﻦ ﻗﺪاﻣﺔ اﻟﺤﻨﺒﻠﻰ "ﺻ 2" ﺃﻥ ﻟﻷﺏ ﺩﻭﻥ ﻏﻴﺮﻩ ﺃﻥ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ ﻣﺎﻝ ﻭﻟﺪﻩ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء ﻭﻳﺘﻤﻠﻜﻪ ﻣﻊ ﺣﺎﺟﺔ اﻷﺏ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺄﺧﺬﻩ ﻭﻣﻊ ﻋﺪﻣﻬﺎ، ﺻﻐﻴﺮا ﻛﺎﻥ اﻟﻮﻟﺪ ﺃﻭ ﻛﺒﻴﺮا، ﺑﺸﺮﻃﻴﻦ: ﺃﻻ ﻳﺠﺤﻒ ﺑﺎﻻﺑﻦ ﻭﻻ ﻳﻀﺮ ﺑﻪ، ﻭﻻ ﻳﺄﺧﺬ ﺷﻴﺌﺎ ﺗﻌﻠﻘﺖ ﺑﻪ ﺣﺎﺟﺘﻪ. ﻭﺃﻻ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ ﻣﺎﻝ ﻭﻟﺪﻩ ﻓﻴﻌﻄﻴﻪ ﻵﺧﺮ.
ﻭﺭﻭﻯ اﻟﺒﻴﻬﻘﻰ ﻓﻰ اﻟﺪﻻﺋﻞ ﻭاﻟﻄﺒﺮاﻧﻰ ﻓﻰ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﻭاﻷﻭﺳﻂ ﺑﺴﻨﺪ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﻋﻦ ﺟﺎﺑﺮ: ﺃﻥ ﺭﺟﻼ ﺃﺗﻰ اﻟﻨﺒﻰ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﺸﻜﻮ ﺇﻟﻴﻪ ﻭاﻟﺪﻩ ﺑﺄﻧﻪ ﺃﺧﺬ ﻣﺎﻟﻪ، ﻓﺄﺭﺳﻞ ﺧﻠﻔﻪ -اﺳﺘﺪﻋﺎﻩ -ﻓﺠﺎء ﺇﻟﻰ اﻟﻨﺒﻰ ﻭﺳﺄﻟﻪ ﻋﻤﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ ﻭﻟﺪﻩ ﻓﻘﺎﻝ: ﺳﻠﻪ، ﻫﻞ ﺃﻧﻔﻘﻪ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﺇﺧﻮﺗﻪ ﻭﻋﻤﺎﺗﻪ؟ ﻭﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺳﻤﻊ ﻣﻨﻪ ﺃﺑﻴﺎﺗﺎ
"اﻧﻈﺮ اﻟﺠﺰء اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻣﻦ ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ اﻷﺳﺮﺓ ﺗﺤﺖ ﺭﻋﺎﻳﺔ اﻹﺳﻼﻡ " ﻗﺎﻝ اﻟﻨﺒﻰ ﻻﺑﻨﻪ "ﺃﻧﺖ ﻭﻣﺎﻟﻚ ﻷﺑﻴﻚ " ﻭﺟﺎء ﻓﻰ ﺗﻔﺴﻴﺮ اﻟﺰﻣﺨﺸﺮﻯ "اﻟﻜﺸﺎﻑ " ﺃﻥ اﻟﻮﻟﺪ ﻏﻨﻰ ﻭﺃﻥ ﺃﺑﺎﻩ ﺻﺎﺭ ﻋﺎﺟﺰا ﻳﺘﻮﻛﺄ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺎ، ﻭﺃﻥ اﻟﻨﺒﻰ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﻜﻰ ﻟﻤﻨﻈﺮﻩ ﻭﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ " ﻣﺎ ﻣﻦ ﺣﺠﺮ ﻭﻻ ﻣﺪﺭ ﻳﺴﻤﻊ ﻫﺬا ﺇﻻ ﺑﻜﻰ" ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺨﺮﺝ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ اﻟﻜﺸﺎﻑ ﻗﺎﻝ: ﻟﻢ ﺃﺟﺪﻩ ﻓﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ﺿﻌﻴﻒ.
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺑﻌﺾ اﻵﺑﺎء ﻳﺘﺤﺮﺝ ﻣﻦ ﺃﺧﺬ ﺷﻰء ﻣﻦ ﻣﺎﻝ ﺃﻭﻻﺩﻩ، ﻷﻧﻪ ﻣﺎﻝ ﻟﻠﻐﻴﺮ، ﺟﺎء اﻟﻨﺺ اﻟﺬﻯ ﻳﻄﻴﺐ اﻟﻨﻔﺲ ﺑﺄﺧﺬ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻨﻪ، ﻓﻔﻰ اﻟﺤﺪﻳﺚ "ﺇﻥ ﺃﻭﻻﺩﻛﻢ ﻣﻦ ﺃﻃﻴﺐ ﻛﺴﺒﻜﻢ، ﻓﻜﻠﻮا ﻛﺴﺐ ﺃﻭﻻﺩﻛﻢ " ﺭﻭاﻩ ﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ ﻭﺃﺣﻤﺪ ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﻪ. ﻭﻫﻮ ﺻﺤﻴﺢ ﺫﻛﺮﻩ اﻟﺴﻴﻮﻃﻰ ﻓﻰ "اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﺼﻐﻴﺮ" ﻭاﻟﺒﻐﻮﻯ ﻓﻰ "ﻣﺼﺎﺑﻴﺢ اﻟﺴﻨﺔ " ﻭاﺑﻦ اﻟﻘﻴﻢ ﻓﻰ "ﺇﻋﻼﻡ اﻟﻤﻮﻗﻌﻴﻦ، ﻭﻓﻰ ﺯاﺩ اﻟﻤﻌﺎﺩ ".
وأكد مرزوق أنه لا يجوز شرعا أن يأخذ الوالد كل مال ابنه أو أن يستولي على كل أملاكه استلالا بحديث ( أنت ومالك لأبيك ) ولكن له أن يأخذ بالمعروف وما يكفيه من النفقة الواجبة، مضيفا أن هذا الفهم الخاطئ كان سببا في قتل أب منذ ثلاثين عاما من الزمان أو يزيد وكانت خلاصة القصة : أن ولدا وحيدا كان يعمل خارج البلاد لمدة طويلة ويرسل ماله إلى والده، وبعد رجوعه وجد أن والده قد طلق أمه وتزوج من أخرى وأنجب طفلا وكتب له تلك الأملاك، وبعد رجوع الولد من الغربة ذهل من ذلك وفقد السيطرة على نفسه فقتل والده وكان الأمر حديث الجرائد حينها.
وقال مرزوق أنه لابد للأب أن يذكر قوله تعالى ( إن الله يأمر بالعدل )، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ربه ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرما بينكم فلا تظالموا ) مؤكدا أن الصور المتقدمة تعد من الظلم والعياذ بالله.
فيديو قد يعجبك: