لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ما حكم الشرع فى عقوبة جرائم خطف الأطفال والاعتداء على النساء؟

05:19 م الأربعاء 25 مارس 2015

ما عقوبة جرائم خطف الأطفال والاعتداء على النساء حس

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

طلبت وزارة العدل الإدارة العامة للتشريع الإفادة عما إذا كانت أحكام الشريعة الإسلامية تجيز فرض عقوبة الإعدام على جرائم خطف الأطفال وخطف الإناث للاعتداء على عرضهن؟

يجيب على هذه الفتوى الشيخ جاد الحق علي جاد الحق - شيخ الأزهر السابق-:

نفيد أن من مقاصد التشريع الإسلامي ما سماه الفقهاء بالضروريات الخمس، وقد جرت عبارتهم بأنها حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ النسل وحفظ المال وحفظ العقل، وقالوا: إنه بالاستقراء وجد أن هذه الضروريات الخمس مراعاة في كل ملة، وفي سبيل حفظ هذه الضروريات شرعت العقوبات، وهي كما جاءت في استنباط الفقهاء من مصادر الشريعة تتنوع إلى ما يأتي:

أولا: الحدود، والحد هو العقوبة المقدرة بنص الشارع، وهي حق الله تعالى لا يقبل العفو عنها، والمقصود من عقوبات الحدود: المصلحة العامة للمجتمع.

ثانيا: جرائم الجناية على النفس وما دون النفس وما يتبعها من الدية والأرش.

ثالثا: جرائم التعازير، وهي التي جرت الشريعة على عدم تحديد عقوبة كل جريمة منها مكتفية بتقرير أنواع من العقوبات لهذه الجرائم، وقد تبلغ أقصى عقوبة الحدود وهي القتل، فمعيار العقوبة في جرائم التعزير مرن غير ثابت، عكس الحدود؛ فإنها ثابتة، وإذا كانت الجرائم المسؤول عنها لا تدخل في نطاق الحدود بمعناها الشرعي كما لا تندرج تحت عقوبات الاعتداء على النفس وما دون النفس، فهل تدخل في نطاق التعزير؟ وإذا انطوت تحت هذا العنوان فما عقوبتها التي يشير إليها فقه الشريعة؟

من المناسب قبل الإجابة على هذا النظر في أقوال فقهاء المذاهب في أمثال هذه الجرائم، يقرر فقهاء الحنفية عقوبة القتل سياسة في الجرائم التي تمس أمن المجتمع وتهدد مصالح الناس، سيما إذا وقعت من معتاد الإجرام، فقالوا: إن السارق إذا تكرر منه فعل السرقة قتل سياسة، والجاسوس الذي ينقل أسرار الدولة للأعداء يقتل سياسة؛ وذلك لسعيه بالفساد في الأرض، جاء في شرح فتح القدير للكمال بن الهمام صفحة 275 جزء 4 تعليقا على عبارة صاحب الهداية:

"لأنه صار ساعيا في الأرض بالفساد، وكل من كان كذلك فيدفع شره بالقتل، فجعلوا كل جرم ترتب عليه الإضرار بأمن الناس وأمانهم على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم إفسادا في الأرض، فإذا لم يصادفه عقوبة حد مقرر جاز عقابه بالقتل سياسة وتعزيرا؛ لأن في مثل هذه العقوبة الحازمة ردعا للغير وزجرا له عن سلوك هذا الطريق". - الهداية وفتح القدير جزء 4 صفحة 274، 275، والدر المختار وحاشيته رد المحتار 

لابن عابدين جزء 3 صفحة 203، 204 في كتاب الحدود وفي باب التعزير صفحة 244 وما بعدها، ومجمع الأنهر جزء 1 صفحة 617 في فصل التعزير وصفحة 639 في آخر باب قطع الطريق-.

واتفق فقهاء المالكية على أن أقل عقوبة التعزير غير مقررة، واختلفوا في أقصاها، والمشهور عن مالك أنه يجيز التعزير بما فوق الحد، وأن هذه العقوبة بحسب الجناية والجاني والمجني عليه، وأجاز المالكية قتل الجاسوس المسلم إذا كان يتجسس للعدو، وقتل المفسدين في الأرض كالقدرية وأشباههم - الفروق للقرافي جزء 4 صفحة 177- 183 وتهذيب الفروق على هامشه صفحة 204- 209 ، وتبصرة الحكام لابن 

فرحون جزء 2 صفحة 302 على هامش فتاوى عليش-.

وذهب فقهاء الشافعية إلى جواز قتل صاحب البدعة المخالف للكتاب والسنة، والقتل في اللواط للفاعل والمفعول به قتلا بالسيف، كما قالوا: إن قطع الطريق كما يكون في الصحراء أو الخلاء يكون في المصر، وأنه إذا علم الإمام بقوم يخيفون الطريق ولم يأخذوا مالا ولا قتلوا نفسا عزرهم وجوبا، وأضاف الشافعية في أحكام الصيال: أن ضمان الولاة دفع كل صائل على نفس أو طرف أو منفعة أو بضع – عرض - أو مال، ومقتضى دفع الصائل قتله - المهذب للشيرازي جزء 2 صفحة 286، وتحفة المحتاج وحواشيها في التعزير ودفع الصائل جزء 9، والأحكام السلطانية للماوردي صفحة 212 و213-.

وفي كتاب قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام الشافعي جزء 2 صفحة 83، 84 في الباب العاشر: "الإتلاف وهو أضرُب: الضرب الثاني: إتلاف الدفع، وهو أنواع أحدها: القتل والقطع والجرح لدفع ضرر الصيال على الأرواح والأبضاع والأموال". إلى أن قال: "الخامس: إتلاف لدفع المعصية، كقتال الظلمة دفعا لظلمهم وعصيانهم وكذلك تخريب ديارهم وقطع أشجارهم وقتل دوابهم إذا لم يمكن دفعهم إلا بذلك".

ويستفاد من عبارة العز بن عبد السلام أن الإتلاف – أي: القتل - لدفع المعصية من حق ولي الأمر؛ لأن قتال الظلمة يقتضي قتلهم، وذهب بعض فقهاء المذهب الحنبلي إلى جواز التعزير بقتل الجاسوس وقتل 

المبتدع في الدين، وكل من لم يندفع فساده إلا بالقتل ومن تكرر منه الفساد ولم تردعه الحدود، وقالوا: إن قطع الطريق كما يكون في الصحراء يكون في المصر؛ لتناول الآية بعمومها كل محارب، ولأن ذلك إذا وجد في المصر كان أعظم خوفا وأكثر ضررا فكان بذلك أولى، وأضافوا أن المفسد في الأرض كالصائل إذا لم يندفع إلا بالقتل قتل.

وقد جاء في كتاب السياسة الشرعية لابن تيمية صفحة 135 في التعزير ما ملخصه: أنه قد حكي عن مالك وغيره أن من الجرائم ما يبلغ به القتل، ووافقه بعض أصحاب أحمد، وكذلك أبو حنيفة يعزر بالقتل فيما 

تكرر من الجرائم إذا كان جنسه يوجب القتل، كما يقتل من تكرر منه التلوط أو اغتيال النفوس لأخذ المال ونحو ذلك، وفي رسالة الحسبة لابن تيمية صفحة 58 في فصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "ومن لم يندفع فساده في الأرض إلا بالقتل قتل، مثل المفرق لجماعة المسلمين، والداعي إلى البدع في الدين، قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}.. [المائدة: 32].

وجاء في المحلى لابن حزم في المسألة رقم 2305 صفحة 401 جزء 11 في التعزير: "أن الناس اختلفوا في مقداره، وأن مالكا وأبا يوسف في أحد أقواله وأبا ثور والطحاوي من الحنفية قالوا: إن للإمام أن يبلغ 

بالتعزير ما يراه، وأن يجاوز به الحدود بالغا ما بلغ".

وقال ابن جرير الطبري في تفسيره جزء 6 صفحة 136 بعد بيان الأقوال في تفسير آية {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ}: وأولى هذا الأقوال عندي بالصواب قول من قال: المحارب لله ورسوله: من حارب في سابلة المسلمين وذمتهم، والمغير عليهم في أمصارهم وقراهم حرابة...، وأما قوله: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} فإنه يعني: ويعملون في أرض الله بالمعاصي: من إخافة سبل عباده المؤمنين به، أو سبل ذمتهم وقطع طرقهم وأخذ أموالهم ظلما وعدوانا، والتوثب على حرمهم فجورا وفسوقا.

ونخلص من هذا العرض إلى أن القتل تعزيرا يجيزه فقهاء مذهب أبي حنيفة سياسة، وأنه مشروع في الجرائم التي لا يمكن فيها دفع شر الجاني، سيما إذا كان معتادا، وأيضا الجرائم التي تعتبر إفسادا للمجتمع وتكرر من المقترف لها الإفساد، وقد وافق على هذا الرأي من الحنابلة ابن عقيل وابن تيمية وابن القيم، ومبدأ القتل تعزيرا مسلم به في الفقه المالكي كما في قتل الجاسوس والمفسد في الأرض، وجرى بذلك قول بعض الشافعية سيما في أحكام دفع الصائل.

ولعل في قول عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -: "تحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون من فجور". ما يشير إلى ضرورة الأخذ بقول جمهور فقهاء المذاهب - على نحو ما سبق بيانه - من جواز القتل تعزيرا سياسة، سيما هؤلاء المجرمون الذين يثبت احترافهم للقتل والسطو على الناس في الشوارع والسيارات والقطارات، بل وفي المنازل، وهؤلاء الذين يخطفون الأطفال والإناث متى ثبت عليهم هذا الجرم يجوز عقابهم بالقتل باعتبارهم خطرا على المجتمع ولا يرجى صلاحهم، وباعتبار أن فعلهم منافٍ لمقاصد الشريعة التي تدعو لحفظ النفس والدين والعرض، وفي أقوال ابن جرير الطبري سالفة الذكر في تفسير آية الحرابة تأييد واضح لأقوال الفقهاء الذين أجازوا عقوبة القتل تعزيرا وسياسة، هذا ولما كانت الجرائم المسؤول عنها تمس أمن المجتمع وسلامته؛ إذ فيها ما يهز الأمن، وفيها ترويع الأطفال والنساء والاعتداء على الأعراض التي صانها الإسلام، بل إنه حرم مجرد النظر إلى النساء الأجنبيات، وفيها إشاعة الفوضى والاضطراب في البلاد، وإضاعة الثقة في قدرة الحكام على ضمان الأمن العام، فإن المجرمين الذين اعتادوا الإجرام ولا يرجى منهم التوبة والإقلاع عن القتل والخطف والسرقة والزنا كل هؤلاء يجوز أن تشرع لهم عقوبة القتل سياسة، على أن توضع الضوابط الكفيلة بالتطبيق العادل؛ حماية للإنسان الذي حرم الله 

قتله إلا بحق، فلا يؤخذ في مثل هذه العقوبة بالظنة والشبهة، ويكون ملحوظا في التشريع الحيطة في الإثبات، سيما إذا لم يتم القبض على الجاني متلبسا بجرمه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان