يسير محمد أبو سمور (14 عامًا) فوق حطام بيتهم الذي قُصف بمدينة خان يونس بغزة، لعله يجد الكُرة التي كان يلعب بها.. ثم يلتقط علبة، يظنها علبة طعام. فيجري بها ناحية أسرته التي نَصبت خيامها جوار بقايا بيتهم.. وما هي إلا ثوانِ قليلة، حتى تنفجر هذه العلبة في وجهه، ليكتشفوا أنها لم تكن علبة طعام كما تبدو، إنما قنبلة لم تنفجر بعد!
في غزة التي يصفها سكانها بأنها "سُوّيت بالأرض" نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل منذ 7 أكتوبر العام الماضي، تتراكم ملايين الأطنان من الحطام، أطنان تَحمل مقتنيات وذكريات، وأحيانًا مُخلفات حرب خَطرة وقاتلة، تعوق سير المنقذين وسُبل النجاة، وتحبس بين ثناياها أحياء وجثثاً.
في طريق متعرج غير ممهّد، يتمايل قصي صرصور يمينا ويسارًا داخل سيارة الدفاع المدني. يمر بين حطام منازل، تتناثر بقاياها على الطريق، فتعطل سيرهم وتؤخرهم.
الوقت ثقيل وقاتل على الطفلة "منة الله" المحشور جسدها بين أنقاض بيت عائلتها بعد قصفه، فتنتظر "قُصي" وفريقه لانتشالها.
تشتد عتمة الليل، ويصل "قُصي" أخيرًا لبيت عائلة التلباني بمعسكر الشاطئ غرب مدينة غزة. ولحسن الحظ، مازالت الطفلة حية. لقد سمع أنفاسها المتلاحقة ثم صوتها، يستنجد بهم من أسفل ثلاث طوابق.
لكن بعد خمس ساعات من محاولات "قُصي"، الذي صار يتصبب عرقًا غزيرًا، لم تنتصر الأدوات الضعيفة على كم الركام الذي يعلو جسد الطفلة، ففقدت حياتها. وبقت جثتها – حتى هذه اللحظة – مُستقرة في مكانها.
يقول "قُصي" (38 عامًا) إن ذلك "من أصعب المواقف التي واجهها في حياته عمومًا".
لكنه لن يصبح الأخير في هذه الحرب.
فكما خلفت حَرب إسرائيل على قطاع غزة الممتدة لثمانية أشهر أكثر من 36 ألف ضحية وأكثر من 80 ألف مصاب، فخلفت أيضًا أكثر من 140 ألف مبني مُدمر وأطنانًا من الركام.
ذلك الحجم المهول من الدمار يفوق ما جَرى في حرب روسيا وأوكرانيا، التي بدأت قبل عام ونصف تقريبًا من حرب غزة.. هذا ما يشير له مونغو بيرش (المسؤول عن دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام في غزة)، خلال مؤتمر صحفي بجنيف. ويكمل: "لفهم مدى ضخامة الأمر، جبهة القتال في أوكرانيا تبلغ 600 ميل (نحو 1000 كيلومتر)، في حين أن غزة لا يزيد طولها على 25 ميلا وهي كلها جبهة قتال".
يعود "قُصي" إلى مقر عمله منهكًا بعد مُهمة شاقة ومؤلمة كالمعتاد، فيدَق هاتفه، ولم يكن نداء الاستغاثة هذه المرة غريبًا، إنما من بيته الذي تعرض للقصف بحي الزيتون.
يصل ويجد أسرته قد نجت من مصير عائلته التي راح منها قرب الثلاثين شخصًا، منهم أبناء أخيه. لكنه ينصرف عنهم قليلاً إلى التحديق في بقايا بيته والحي الذي يسكنه، ثم يقول: "غَزة أصبحت عبارة عن كومة ركام، لم يسلم منزل ولا شارع ولا زقاق من دمار".
وقبل أن يقصد مع أسرته أقرب مدارس إيواء لهم، جلس يبحث مع زوجته عن أي شئ بين ركام البيت يمكن أن يأخذوه معهم. لكنه لم يجد على السطح سوى بعض الأخشاب التي كانت أبوابًا بالشقة، فأخذها لاستخدامها كحطب لإشعال النيران للطهي بالمدرسة، فهو يعرف أنه ليس هناك غاز بمدارس الأونروا.
ولم يغامر بالبحث أكثر بين الحطام، خوفًا من وجود أي ذخائر غير منفجرة.
استدار "قصي" لينظر إلى بيته نظرة أخيرة ثم َبَكى وقال: "أبكي على كل قصاصة به، فكل زاوية لها قصة وذكرى لديّ".
وفي الشمال بمخيم جباليا، لايزال أحمد أبو فول (المسعف) يشق الركام بيديه لينتشل جثة ابنته ذات السبعة أشهر من أسفل سقف بيته الذي يطبق عليها. وبعد خمسة وعشرين يومًا من المحاولات، نجح هذه المرة.
احتضن أبو فول جسد ابنته، ثم قال باكيًا: "لا يمكن أن أنسى هذا.. أن أخرج ابنتي بعد كل هذه الأيام وبدون رأس!".
التقِ بالمسعف أحمد أبو فول بتقنية الواقع المعزز.. امسح الكود التالي ثم وجّه هاتفك إلى أي مكان تريده وشاهد الفيديو أمامك أو اضغط هنــــا
يعجز "قٌصي" عن مساعدة "أبو فول" وغيره، فهو يدرك مدى ضعف إمكانياتهم. فيتحدث مثل غالبية رجال الدفاع المدني عن "استهدافهم واستهداف سياراتهم وتدمير الحفرات، التي تعتبر الركن الأـساسي في تسهيل مهام إزالة الركام لانتشال الجثث وإنقاذ الجرحى".
يتنهد "قُصي" وهو يتكلم تنهيدة طويلة، ثم يقول: "نستطيع أن نخرجهم قدر المستطاع، لكن في كثير وكثير من المرات لا نستطيع".
بعد دفن ابنته، يعود "أبو فول" إلى مكان بيته المحطم، ليفتش بحذر عن أشياء ربما تنفعه أو تذكّره بأسرته، ليجد كيس الحلوى الذي طلب ابنه منه شراءه قبل قصف بيتهم بساعتين فقط. فاحتفظ الأب بهذا الكيس ومعه مقتنيات زوجته الشخصية وهاتفها.
"أبو فول" كان يرتجف وهو يقلب بين حجارة بيته.. فالرجل يعرف أكثر من غيره مدى خطر مخلفات الحرب التي ربما تتوارى تحت الركام، حيث كان يعمل على التوعية بها مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومؤسسات أخرى منذ عام 2006. كما له حسابٌ قديم معها، فأصيب مع زملائه في حرب 2021 جراء انفجار تلك المخلفات داخل حطام أحد المصانع.
يغادر "أبو فول" شاردًا، فتختلط أفكاره ومشاعره بين أسرته التي فقدها، وبين تجربته السابقة التي يستحضرها ويخشى آثارها هذه المرة أكثر بكثير.. فيقول: "المخلفات الحربية في المرات السابقة كانت بساحات القتال والأماكن الحدودية فقط، كنا نعرفها وفككنا جزءًا كبيرًا منها.. لكنها الآن موجودة في كل حارة وكل شارع وأكثر بعشرات الأضعاف".
واحدة من هذه الذخائر التي فشلت في أداء مهمتها كانت بين جنبات حطام بيت الطفل محمد أبو سمور بمنطقة الزنة في شرق خان يونس.
فلما علمت عائلته بانسحاب القوات الإسرائيلية من منطقتهم، قرروا أن يعودوا من رفح وينصبوا خيامهم جوار ركام بيتهم. حاولوا التقاط أي أغراض لهم، لكنهم "وجدوا كل شئ محروقًا"، وفقًا لما يقوله شقيق "محمد".
لكن "محمد"، الأخ الأصغر بين ثلاثة صبية، قرر أن يفعل.. فهو "كثير الحركة ويحب اللعب دائمًا"، كما يحكي عنه شقيقه. فوجد علبة معدنية سوداء اللون، وعلى عكس "قُصي" وأحمد أبو فول، لم يتنبه الطفل ذو الـ14 عامًا إلى احتمالية وجود ما يسمى بمخلفات حرب، فلا يعرفها ولا سَمع عنها من قبل.
كما أن شكل هذه العلبة لا يثير الشكوك أبدًا في أنها ليست علبة طعام، بحسب حديث شقيقه، وهو ما جعل البعض يرمي ناحية "أنها أُلقيت عمدًا"، وفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فوصفها بـ"خديعة المعلبات المفخخة".
فانفجرت في يده أمام أسرته المتراصة داخل الخيمة. ولم يدرك "محمد" أي شئ جَرى إلا حين فتح عينه داخل المستشفى الأوروبي بمنطقة الفخارى، ووجد نفسه بلا يد يسرى ولا أصابع بيده اليمنى.
ومن هول صدمته وألمه، لم يكن قادرًا أن ينطق بكلمة حينها!
يظل "محمد" صامتًا، بينما يضج المستشفى حوله بالصراخ وأسماء المصابين، ويحاول أربعة أطباء إنقاذ ساقيه، لكنهما مازالتا مهددتين.
وفي الخارج، يفتش فريق من الأمم المتحدة في منطقته والمناطق المجاورة، فيعثروا على قنابل تزن 1000 رطل، غير منفجرة، في التقاطعات الرئيسية وداخل المدارس.
يجري ذلك وقت قطع "قُصي" طريقه باتجاه خان يونس، لأجل مهمة جديدة. ولم يكف عن الكلام مع زميله عن غزو رفح، الأسلحة الأمريكية، والاتفاقات التي لم يفلح أي منها. ينحرف بسيارته ثم تفاجئهما بالتوقف في منتصف الطريق. لقد نفد وقودها، فلم يصلهم وقود منذ فترة لتوقف المساعدات الآتية إلى القطاع. فمَضى المسافة المتبقية على قدميه، يشتم فيها رائحة الموت، ويرى الحطام ممتد على مدى البصر.
لا يحتمي "قُصي" إلا بـ"ماسك وجه قماشي"، فلا أدوات حماية تتوفر لهم الآن، وهو ما يعرضه لخطر من نوع آخر. ففي حطام غزة وحدها، أكثر من 800 ألف طن من مادة الأسبستوس، وهي منتج معدني طبيعي مقاوم للحرارة والتآكل وكان يستخدم كثيرًا في تصنيع المواد العازلة والإسمنت، تسبب أمراض رئوية وتتطلب احتياطات خاصة، بحسب مونغو بيرش (المسؤول عن دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام في غزة).
وعلى هذا الحال، يصل مكان القصف، لكنه لم يجد الجثث وكأنها "تبخرت"، حسب وصفه، فيقول: "ليست أول مرة.. في أحيان كثيرة، لم يتبق من الجثث سوى آثار الدماء لشدة القصف، حتى الحجارة لم تتحمل، فلا نجد من آثار للمنازل إلا رمادًا".
لكنه عَثر هناك على ما هو أكثر رعبًا، حيث قذائف غير منفجرة. فهرب وفريقه على الفور وأبلغ الناس بعدم الاقتراب حتى يأتي المتخصصون في هذا الأمر.
فيتعامل الدفاع المدني مع تلك الأجسام على هذا النحو: تعليم أماكنها وإبلاغ الشرطة أو مسؤولي الأمم المتحدة العاملين بدائرة الألغام بإحداثياتهم، وفقًا لمحمد المغير (مدير إدارة الإمداد والتجهيز بالمديرية العامة للدفاع المدني بغزة).
ولم يندهش "المغير" من بلاغ "قُصي" الجديد، فيقول: "في خان يونس تحديدًا بعد انتهاء التوغل البري، رصدنا صواريخ كبيرة لم تنفجر، وبعضها تسبب للأسف في قتل وإصابة أشخاص".
65 ألف طن من المتفجرات وقعت فوق تلك المحافظات، حسب تقدير المكتب الإعلامي الحكومي هناك (حتى يناير الماضي). يتبق منها الكثير دون انفجار، فيلتقِ إريك توليفسين (رئيس وحدة التلوث بالأسلحة بالصليب الأحمر) بإحداها على بعد ستة أقدام فقط من باب مكتبه بالصليب الأحمر، وبعد يوم واحد، يصادف مشهدًا لم يكن يتصور أن يراه: "خيمة مثبتة بمحرك صاروخ محترق والأطفال يلعبون حوله"، كما يحكي لـ"مصراوي".
وهناك يستمع لمصور فوتوغرافي يتحدث معه عن أناس تسقط كل يوم ضحية هذه الذخائر، ثم يقابل الكثير منهم لاحقًا بالمستشفيات التي زارها.. يشعر"إريك" بأن الأمر هذه المرة أكبر من كل ما واجهه من قبل، فيرى تلك الأشياء "صعبة جدًا في استخراجها، خاصة القنابل الضخمة، فهي تشكل تحديًا كبيرًا في منطقة ذات كثافة سكانية عالية كغزة".
ولم تعلن إسرائيل بوضوح عن حجم ونوع أسلحتها التي فعلت كل هذا بغزة، لكن خبراء عسكريين رجحوا ذلك من شَكل وحجم الدمار على الأرض.
يريد أحمد أبو فول من ابنيه الصغيرين المتبقيين وأبناء أخيه أن يعرفوا تلك القنابل، يُريهم أشكالها حتى لا يظنوها "لعبة".
هنا، لا يحكي للأطفال قصة قبل النوم، إنما يحكي ماضيًا مُرعبًا، فيحذرهم الرجل من مصير "دعاء"، جارتهم.
كان ظهر يوم السادس من مايو، 2015، عندما وجدت دعاء ياسين (11 عامًا) في طريقها جسمًا غريبًا مُلقى، فالتقطته لتلعب به أمام منزل جدتها. لكن هذا الشئ أعلن عن نفسه وانفجر في يدها اليمنى، ففقدتها.
وأجُبرت "دعاء" بعدها أن تكتب بيدها اليسرى، ورغم مرور السنوات وحضورها جلسات الصليب الأحمر للتوعية والدعم وتركيبها لطرف صناعي، إلا أن والدتها تقول: "في بعض الأحيان تتذكر ويتملكها شعور بالضعف والقهر، وتسألني لماذا حدث لها ما حدث، وتختبئ في حجرتها".
التقِ بدعاء بتقنية الواقع المعزز.. امسح الكود التالي ثم وجّه هاتفك إلى أي مكان تريده وشاهد الفيديو أمامك أو اضغط هنــــا
يتكرر سيناريو "دعاء" مع محمد أبو سمورا في نسخة الحرب الجديدة، لكن بطريقة أكثر دراما ومأساوية.
يُمدد الطفل جسده على الفراش بالمستشفى، يبدو على وجهه علامات اليأس والاستسلام مثلما تبدو عليه آثار الشظايا، وحوله بقع دماء وبعض الذباب. فالأطباء يشتكون ضعف إمكانياتهم كأغلب مستشفيات غزة، وربما هو ما أثر على حالته، فاضطروا إلى بتر ساقيه أيضًا.
عايش أحمد أبو فول، و"قُصي" الذي يعمل في الدفاع المدني منذ 2007، حروب غزة كلها، وما تجلبه من قصص مُشابهة لـ"دعاء" و"محمد".
فبعد أكثر من 21 شهرًا على حرب عام 2014، وبعد أن خُيّل لهما وللجميع أنها انتهت وأغلق تعداد ضحاياها، قُتل 16 شخصًا وأصيب 97، منهم 48 طفل بسبب مخلفاتها غير المنفجرة، كما تذكر دائرة الأمم المتحدة المتعلقة بالألغام .(UNMAS)
لذا عملت كل من وكالة الأونروا واللجنة الدولية للصليب الأحمر على التوعية من مخاطر المخلفات بغزة، خاصة أن إسرائيل ليست موقعة على البروتوكول الذي اعتمده المجتمع الدولي عام 2003 والذي يحمّل الأطراف الموقِّعة مسؤولية الذخائر حال كان أحدها طرفاً في النزاع.
وكلتا المؤسستين تحاولان أيضًا أن تتجنب تلك المدينة الصغيرة الضعيفة مصير دول أخرى كسوريا والعراق، التي صارت واحدة من البلدان الأكثر تلوثًا بمخلفات الحروب.
وفي هذه الحرب التي لا تشبه غيرها، حصلت دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام على خمسة ملايين دولار لمواصلة عملها بين أطنان حطام غزة، لكنها مازالت تحتاج لأربعين مليون دولار إضافية لتستكمل عملها لمدة عام. لكن ذلك في ظل نطاق واسع لا حدود له. فوفقًا لآن هيري (المسؤولة بمنظمة هانديكاب إنترناشونال العاملة في هذا المجال)، "من الصعب جدًا معرفة حجم ومساحة مخلفات بقايا متفجرات الحرب في غزة، لأن النزاع مستمر".
وبالتالي، "ستظل بقايا المتفجرات عائقًا أمام إعادة الإعمار وإيصال المساعدات وعودة النشاط الاقتصادي، ستحد من قدرة أهل غزة على التنقل وتجعل أراض زراعية وبنى تحتية غير قابلة للاستخدام، إلى جانب التلوث والخسائر البشرية والإصابات المعقدة والصدمات النفسية"، بحسب "هيري".
ويومًا بعد يوم، تصطاد تلك المخلفات من ينفض عنها الغبار بدافع فضول أو بحث أو حتى لامسها دون قصد.. فقبل أيام، كان "قُصي" يقلب في هاتفه، ليجد مقطع فيديو يظهر به طفلان، ينفجر بجانبهما "صاروخ" كان ممتزجًا بالركام.. فكلما مر الوقت على تلك المخلفات دون إزالتها بشكل آمن، كلما زاد عددها وخطورتها، وفقًا لإريك توليفسين (رئيس وحدة التلوث بالأسلحة بالصليب الأحمر)، الذي يروي حادثة عاشها وقت زيارته لغزة مؤخرًا، حيث التقط طفل أحد الذخائر وذهب بها لأصدقائه، والنتيجة، فقد أربعة أطفال حياتهم.. فيقول: "للأسف الأطفال، يروون بأيديهم!".
تسلل خوف غريب إلى "قُصي" على نفسه وأولاده بعدما ظن أنه لن يخف ولن يُصدم بعد كل ما يراه، فيقول: "ما نعيشه لا يُصدق.. فالموت هنا يأتينا بكل الأشكال ومن كل ناحية".
فيبدو أن محمد أبو سمورا ليس الضحية الوحيدة ولا الأخيرة، وأن اللائحة ستطول، وهو ما يدفع أحمد أبو فول، للتفكير في أن يعود للعمل بإزالة المخلفات بعد الحرب، إن ظل حيًا- حسب كلامه.
يعرف أنه وبصورة ما، ستكون آثار الحرب باقية حتى إن انتهت، وربما تحصد حياة من ظن أنه نجا.. نهاية مروعة تشبه تلك النهايات التي يعاينها هو وقُصي صرصور كل يوم بهذه الحرب: أشلاء متناثرة، أجساد نصفها خارج المبنى والنصف الآخر داخله، وأخرى محروقة ومشوهة.
لكنها نهاية مفاجئة أكثر من غيرها، تقتل ضحاياها غدرًا، دون سابق إنذار، وقد يكون بعد سنة أو ربما عشر سنوات. وإن لم تقتلهم في لحظتها، فربما تقتلهم ببطء وهم أحياء.
فلايزال محمد أبو سمورا بالمستشفى منذ نحو شهرين، لا يقدر على قول سوى بضع كلمات، وهو ملفوف بالضمادات: "لا يمكنني تحمل هذا الألم.. أريد أن أسافر".
تلتف حوله أسرته وينظرون إليه نظرة عاجزة، يتذكر أخاه كم أنه "يحب اللعب مع أصدقائه والتنزه واللعب بالدرجات، وأنه يريد أن يصبح مدرس رياضة عندما يكبر".. فيتمنى من داخله لو استطاع أن يسافر عبر المعبر ويُركب أطرافًا صناعية ليعود كما كان - حتى لو بعض الشيء.
قصة: مارينا ميلاد
الصور: مديرية الدفاع المدني بغزة - اللجنة الدولية للصليب الأحمر
جرافيك: مايكل عادل
تصميم وتنفيذ: محمد عزت
برج فلسطين.. 30 عامًا من تاريخ غزة تقصفه إسرائيل
أيام الموت.. عِش تجربة نزوح أسرة في غزة (قصة تفاعلية)