لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كيف سيطرت الأجنبيات على الرقص الشرقي في مصر؟

12:36 م الإثنين 16 يوليو 2018

الراقصة الأوكرانية آلا كوشنير

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب – محمد الصباغ:

غزت فتيات من أوروبا الشرقية مصر، وصلن إلى القاهرة ليسيطرن على مهنة من التراث الثقافي في البلاد. تراث قادته نساء مثل بديعة مصابني وتحية كاريوكا وسامية جمال.

لكن في العقود الأخيرة اختلفت النظرة، وبدا الرقص الشرقي أمرًا خلافيًا بين المصريين، وباتت النظرات إليه تكون إما كفن راق أو ترفيه مشين أو مجرد حجة من أجل انحرافات أخلاقية.

وفي تحقيق مطول، بحثت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن سبب وكيفية وصول الراقصات من شرق أوروبا إلى مصر وكيف لمع نجمهن، في حين اختفت المصريات ولا يظهر إلا القليل منهن على الساحة... وإلى نص التحقيق:

ورشة رقص لراندا كامل

حينما هاجم رجال المباحث في مصر ملهى ليلي على ضفاف النيل بالقاهرة في الربيع الماضي وألقوا القبض على راقصة روسية، كان التركيز آنذاك مسلطًا على زي الراقصة، وما إذا كانت من الأساس ترتدي شيئًا تحت بدلة الرقص.

عرفت "الراقصة جوهرة"- التي تسبب مقطع فيديو مثير لها وهي ترقص في ضجة- بين ليلة وضحاها، وتزايدت التساؤلات: هل ارتدت "الشورت" المعتدل أسفل ملابسها والذي تشترطه السلطات للرقص؟ ما هو المقاس المناسب؟ واللون الملائم. أو هل كانت –كما خشي البعض، لا ترتدي "شورتا" من الأساس؟

رقصة جماعية في الحبس

جوهرة اسمها الحقيقي هو إيكاترينا أندريفا (30 عاما)، وأصرت على أنها بريئة، لكن الشرطة استمرت في احتجازها، في وقت كان هناك جدل حول مصيرها.

زارها دبلوماسيون روس. مدير أعمالها وزوجها عادوا إلى روسيا من أجل الضغط لمواجهة القضية. وفي زنزانتها شديدة القذارة، قدمت أندريفا رقصة لم تكن مستعدة لها أمام زميلاتها السجينات، وأغلبهن من فتيات الليل ومتاجرات في المخدرات.

وتتذكر: "هؤلاء النساء عاملوني بشكل جيد. طلبن مني الرقص، ثم رقصنا جميعًا سويًا".

ورشة رقص في أحد فنادق القاهرة

بعد ثلاثة أيام، بدا أن مصيرها هو الترحيل. لكن في الدقيقة الأخيرة، جاء الفارس الأبيض. رجل أعمال ليبي وله علاقات قوية، على حسب ما قيل لها، ثم أفرج عنها.

نيويورك تايمز تصف دينا بـ"الملكة الأخيرة".. وفيفي عبده "الكنز المصري"

كانت دراما يستحقها الرقص الشرقي، شكل الفن الذي يعود إلى قرون مضت والذي انتعش طويلًا على الفتنة الحسية. خلال الحرب العالمية الثانية، اختلط الجواسيس الألمان مع الضباط البريطانيين على سجادة بديعة مصابني، وفي السبعينيات أدت الراقصات أمام الرؤساء الأمريكيين.

وفي العقود الأخيرة، تسبب الرقص الشرقي في ردود فعل متصارعة بين المصريين، البعض رأوا أنه فن راق، وآخرون اعتبروه مشينًا، أو حجة وذريعة للانحراف الأخلاقي.

لكن أندريفا (جوهرة) لفتت إلى نقطة مهمة: لو كانت القاهرة هي عاصمة الرقص الشرقي في العالم، فلماذا أغلب النجمات الجدد قادمات من أماكن مختلفة غير مصر؟

الراقصة المصرية راندا كامل في ورشة رقص

من كييف إلى القاهرة

في حفل زفاف بمنطقة راقية بالقاهرة، تمايلت الراقصة آلا كوشنر على أرضية الرقص المليئة بالورد. تدافع الشباب في ملابسهم الرسمية من أجل الوصول إلى أفضل مكان لرؤية الراقصة. انطلقت الفتيات في الخلف يحاولن تقليد حركاتها. وجلست مجموعة من النساء المنتقبات على طاولة في إحدى الزوايا بالحفل يصفقن في قبول.

تقول الأوكرانية كوشنر (33 عاما)، أثناء وضع ملابس الرقص في حقيبة: "القدوم إلى مصر كان حلما".

في السنوات الأخيرة هيمن الأجانب على مشهد الرقص الشرقي في مصر. راقصات من أمريكا وبريطانيا والبرازيل، لكن بشكل خاص من أوروبا الشرقية.

جاؤوا بإحساس الطاقة الكبيرة والحركات الرياضية إلى الرقص، أقرب منها إلى الديسكو من الرقص الشرقي التقليدي.

ترعرعت كوشنر في مدينة نيكولاييف الساحلية، وكان حلمها أن تصبح عالمة جيولوجيا. تخرجت في كلية الحقوق. لكن في عام 2010، ظهرت في برنامج تلفزيوني "أوكرانيا جوت تالنت"، ببدلة رقص مهدت لها طريق مهنة جديدة.

الراقصة الأوكرانية آلا كوشنير

في أحد العروض ارتدت غطاء لوجهها وحملت على رأسها الشموع المشتعلة.

ثم انتقلت كوشنر إلى القاهرة، برودواي الرقص الشرقي، حيث أصبحت نجمة حقيقية. أحيانًا ترقص 5 مرات في الليلة في حفلات الزفاف والحفلات الفخمة، حيث يمكن للراقصة أن تحصل على 1200 دولار أو أكثر. تجاوزت مشاهدات أحد مقاطع الفيديو الخاصة بها على موقع يوتيوب 9 ملايين مشاهدة.

يشعر البعض بالحزن بسبب الغزو الأجنبي للتقليد الثقافي. اتهموا القادمين من الخارج بالقضاء على تراث عربي من أجل الربح ودفع الرقص إلى اتجاه قاس. ويتفق في ذلك بعض الأجانب.

"في أحيان كثيرة، نفتقد الجوهر والفطنة والتألق لدى المصريين،" تقول ديانا إيسبوسيتو، التي تخرجت في جامعة هارفارد بنيويورك وجاءت إلى مصر في عام 2008 لتبدأ حياتها مع الرقص الشرقي.

وأضافت: "يبدو أن الراقصة المصرية نوع معرض للانقراض، وهذا أمر محزن". عادت ديانا مؤخرًا إلى مدينة بروكلين الأمريكية، وتقول: "الأمر محزن للفن ولمصر".

لكن الرقص المصري ما زال يمتلك ملكة لا نزاع عليها، راقصة تفوقهم بمراحل كبيرة.

ملكة مصر الأخيرة

الراقصة المصرية دينا

كانت الساعة تدق الثالثة صباحًا في فندق سميراميس الفاخر في القاهرة، حينما ظهرت دينا على المسرح، ملابسها لامعة والأضواء مسلطة عليها، وخلفها فريق موسيقي مكون من 17 شخصًا.

أدخنة السيجار منتشرة في الهواء. والمشاهدون من الثنائيات العربية، والسياح الغربيين، عدد النساء كالرجال تقريبًا.

كأسطورة في الشرق الأوسط، دينا طلعت سيد، رقصت أمام الأمراء والرؤساء والمستبدين عبر تاريخها الممتد لأربعة عقود. وتقول بابتسامة تحمل شيئا من الامتعاض: "القذافي نعم،" وهي تتذكر رجل ليبيا القوي الراحل. وتضيف: "رجل مرح. خفيف الظل جدا".

تدرك دينا أيضًا المشاعر المتضاربة نحوها من المصريين، وحول مهنتها.

تقول: "الحب والكره. الأمر دائمًا يشبه ذلك. لا ينظم المصريون حفل زفاف دون راقصة. لكن لو تزوجت إحداهن شقيقك؟ لا هذه مشكلة".

هذا الوصمة جزء من التعصب الزاحف الذي يخنق الفن في مصر في العقود الأخيرة. حاليًا حتى الإشارة إلى قُبلة أمر ممنوع في الأفلام المصرية، وكلمات الأغاني تتعرض للاجتزاء، وحراس الأخلاق يهاجمون الفنانين عبر المحاكم.

يقول باسم عبدالمنعم، مدير أعمال الراقصة جوهرة: "المصريون ينظرون إلى الراقصة الشرقية وكأنها تعمل في مجال الدعارة. لكن الأجنبية يمكن أن تتحول إلى نجمة".

آلا كوشنير في غرفة تبديل الملابس

لكن هناك استثناءات، فإحدى الراقصات البارزات في مصر حاليًا هي إيمي سلطان، المنحدرة من عائلة غنية، وتدربت على رقص الباليه. وهناك فيفي عبده الكنز القومي المصري، التي تواجه السخرية والإعجاب بسبب شخصيتها الصاخبة، والفضل يعود إلى مواقع التواصل الاجتماعي.

لكثير من المصريين، يمكن أن يكون ثمن بدء حياة مهنية في الرقص الشرقي باهظ التكلفة.

وتدير راندا كامل مدرسة تعليم الرقص الشرقي في القاهرة تجتذب متعلمين من حول العالم. تعرضت راندا للضرب خلال مراهقتها من والدها الذي تبرأ منها بسبب الرقص. والآن، يخفي ابنها (17 عامًا) مهنة والدته عن زملائه في المدرسة الخاصة التي يدرس بها، وتخلع هي أظافرها اللامعة الاصطناعية حينما تقابل مدرسيه.

وتقول راندا كامل: "لهذا لا أظهر على شاشات التلفزيون. أريد لابني حياة جيدة. هناك حجم معين من الشهرة لا يكون جيدًا."

لا تعرف "جوهرة" بشكل قاطع سبب القبض عليها في فبراير الماضي، لكنها تدين لهذا اليوم.

منذ ذلك اليوم، تضاعف أجرها وعرفها الأغنياء وأصحاب السلطة. ومن بين عملائها الحاليين عائلة عملاق الحديد، وأحد أقارب الرئيس السوري بشار الأسد.

اختفت تقريبا الأحاديث حول ما تقوم به وحول ملابسها. وبات زيها في مقطع الفيديو الذي تسبب في إلقاء القبض عليها جزءا من عروضها.

ويقول مدير أعمالها: "أصبحت مشهورة الآن". وترى هي أنها لا تستطيع مجاراة المصريات "نحن جيدات تقنيا، لكنهن يمتلكن الروح العربية".

فيديو قد يعجبك: