نجوم الفن من رفض شهادتهم في المحاكم لدخول البرلمان - (تقرير)
تقرير- منى الموجي:
''الزمار والطبال وكل من يشتغل في اللهو لا يصح الاستماع إلى شهادته''، كانت هذه الجملة نص شرعي، يأخذ به قضاة مصر حتى منتصف القرن الماضي، فلم تسمح محكمة آنذاك بالأخذ بشهادة أي فنان مهما علا شأنه ومهما كانت مكانته وحب الناس له، بحجة أنهم يتقنوا الكذب، فكيف يقبل قاضي بشهادة يشك في صدق صاحبها.
أثار هذا النص جدلا واسعا في الأوساط الفنية -تم إلغاؤه عام 1952-، وعبر الفنانون والمثقفون عن استياءهم من هذه النظرة القاصرة، التي لا ترى سوى أن الفنان ''مشخصاتي'' قادر على اقناع من حوله بكل ما يقوله حتى لو كان كذبا، ليصبح مشكوك في صدقه دائما.
الفن والسياسة
ومن المواقف التي يذكرها التاريخ لقضايا رفض فيها القاضي قبول شهادة أحد الفنانين، ما وقع لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب عام 1950، حيث رفض القاضي الأخذ بشهادته معللا ذلك بالنص السابق ذكره، مؤكدا أن هذا النص ينطبق على كل من يمتهن الفن، لذلك لا يستطيع مخالفة النص الفقهي، والأخذ بشهادة عبدالوهاب.
لا ينكر كثيرون أن بين الفن والسياسة علاقة وطيدة، بالدرجة التي يرون معها أن هناك أعمال فنية حرضت على قيام الثورات، وأعلنت رفضها للفساد، الظلم، الفقر، لذلك يؤمنون بأن الفن الجاد يعد أداة تنوير للعقول، بينما يصف آخرون الفن وأهله بأنهم مدعاة للفساد واللهو.
ورغم المكانة التي يحظى بها الفنان في عصرنا الحالي، مازال ينكر البعض عليه كثير من الأمور من بينها إبداء الرأي في الشأن السياسي، خاصة إذا كان مختلف عن الرأي العام، كما ينكرون على الفنان حقه الذي يكفله له القانون بأن يترشح مثلا في الانتخابات البرلمانية، ويطالبون بأن يظل أهل الفن في فنهم دون التدخل في السياسة أو التحدث بلسان العامة.
ولعل أبرز الأمثلة التي تؤكد ما سبق، الجدل الذي أثير عندما استمعت اللجنة التأسيسية المسئولة عن وضع الدستور، لمطالب الفنانين من دستور البلاد الجديد، فقامت الدنيا للدرجة التي أطلق فيها البعض على الدستور أنه ''دستور الرقص''.
المُلتزم
فكرة ترشح الفنان لمجلس الشعب، لم تكن فكرة وليدة عصرنا الحالي، بل سبق وأن خاض عدد من الفنانين التجربة ونجحوا في كسب ثقة أهالي دائرتهم، ومن بين هؤلاء ''المُلتزم'' -كما يلقبه البعض- الفنان حسين صدقي، فبعد قرار اعتزاله لعالم الفن، وجد أهالي دائرته يقترحون عليه الترشح، ليستكمل مسيرته في خدمة الناس ولكن هذه المرة عبر ممارسة مباشرة للسياسة، ونجح صدقي بالفعل في الانتخابات.
صوت الجماهير
ربما لا يعرفها الجيل الحالي، خاصة وأنها اعتزلت الغناء مبكرا وتفرغت للحياة السياسية، هي الفنانة فايدة كامل، يتذكرها بوضوح من شاهد أوبريت ''الوطن الأكبر''، ''صوت الجماهير'' و''دع سمائي'' وغيرها من الأغاني الثورية التي اشتهرت بها فايدة.
فايدة هي تقريبا الفنانة الوحيدة التي ظلت لسنوات تجلس على مقعد مجلس الشعب، لمدة تجاوزت الـ30 عام، وترأست لجنة الثقافة والإعلام بالمجلس.
آخرون
كما جلس آخرون على مقاعد مجلس الشعب والشورى، إما عبر التصويت، أو من خلال ''الكوتة'' التي يتم تعيينها، وكان من بينهم الفنان محمود المليجي، الفنان حمدي أحمد، الفنانة مديحة يسري، والفنانة أمينة رزق.
ومن بين الفنانين الذين خاضوا حديثا تجربة الترشح للبرلمان، أو أعلنوا نيتهم خوضها، الفنان مصطفى كامل، الفنانة سميرة أحمد، الفنان خالد يوسف، الفنانة تيسير فهمي، الفنانة هند عاكف، الفنان حمدي الوزير، الفنان أحمد ماهر، الفنانة سما المصري، الشاعر إسلام خليل.
ازدواجية
ترى الفنانة سما المصري أن الرافضين لفكرة ترشح فنان لمجلس الشعب مصابون بازدواجية مرضية، قائلة ''مجتمعاتنا العربية تعاني من هذا المرض، وده اللي مودينا في ستين داهية، فقبل التفكير في أن نصبح مثل اوروبا في النظافة والخدمات، علينا ان ننظف عقولنا''.
وأضافت سما في حوار سابق لها مع ''مصراوي'': ''لا أرى في ترشح أي فنان مشكلة فهو إنسان له حقوق وكامل الأهلية، وقديما كانت أم كلثوم تشارك وتتبرع بايرادات حفلاتها للجيش المصري، وكذلك تحية كاريوكا كان معروف عنها أنها مناضلة، فما المانع إذا من دخول الفنان للبرلمان''.
تناقض
وأكد الشاعر إسلام خليل وهو أحد الفنانين الذين فكروا في دخول البرلمان، أن استنكار الناس لترشح الفنان يتوقف على شخص الفنان نفسه، مضيفا ''لا أحد سيعترض على الفنان محمد صبحي مثلا، لأن الجمهور يتفق عليه، لكن قد يقابل الجمهور ترشح فنان آخر برفض واستنكار''.
ووصف إسلام في حديثه مع مصراوي، الجمهور بالمتناقض، فمن الممكن أن يأتي له شخص يطلب خدمة أو مساعدة ما، وعندما يعلم بترشحه، يلومه ويطلب منه أن يظل فنان لا علاقة له بالسياسة، متابعا ''فكرت في دخول مجلس الشعب حتى استغل شهرتي ووجودي بالمجلس في خدمة أكبر عدد من الناس''.
واختتم إسلام كلامه مشيرا إلى وجود مشكلتين: الأولى تعود إلى عدم امتلاك بعض الفنانين المرشحين للبرلمان لفكر ووعي سياسي، ما يدفع الناس لرفضهم، والمشكلة الثانية تتمثل في أن الناس ليسوا ملائكة، فتجدينهم يتسرعون في الحكم على الشخص، دون أن يعرفوا ماذا سيقدم لهم.
فيديو قد يعجبك: