قد تنتقل الجبال.. الارتباط بالأوطان في مهب الريح..(ريفيو)
كتبت- منى الموجي:
سمة الجبال أنها راسخة لا تعرف الانتقال، أوجدها الله في الأرض لتحقق توازنها، تملك جذورا تعمل على تثبيت الأرض واستقرار الجبال نفسها. من هذه السمة اختار المخرج الصيني جيا زانجكي أن يرمز لارتباط البشر بأوطانها بارتباط الجبال بأرضها.
يولد الإنسان في وطن يعيش فيه ذكرياته الحلوة والمرة، مع الأسرة والأصدقاء، يترك في الطرق والأماكن التي يمر عليها خلال رحلته في الحياة، ضحكاته، دموعه، ومشاعره، فتصبح كل هذه الأشياء كجذور الجبال يستحيل اقتلاعها، لكن في فيلم جيا قد تنتقل الجبال وتُنسى الأوطان.
عُرض فيلم " قد تنتقل الجبال " ضمن فعاليات الدورة الـ38 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، تكريما للمخرج الصيني، الذي منحته إدارة المهرجان جائزة فاتن حمامة للتميز، وتدور أحداث " قد تنتقل الجبال " في ١٣١ دقيقة، عن حياة "تاو" والمقربين منها، والتي يتم اكتشافها من خلال ٣ مراحل زمنية مختلفة، هي: ١٩٩٩، ٢٠١٤ و ٢٠٢٥.
في 1999 يحكي الفيلم عن "تاو" وعلاقتها بصديقين أحدهما رجل أعمال غني والآخر فقير، يصطدمان ببعضهما بسبب حبهما لها، ويكون عليها أن تختار بينهما، تحسم قرارها باختيار من تحب رجل الأعمال، ويتفقان على الزواج وينتهي هذا الجزء بزواجهما وانجاب طفلهما "دولار". رغم الصدام الحاصل بين الصديقين على الفوز بقلب "تاو" إلا ان أحداث هذا الجزء بدت جافة ومملة إلى حد كبير، وركز المخرج فيه على الكادرات القريبة.
اختار جيا أن يكون الكادر أكثر اتساعا في الجزء الثاني من الفيلم، والذي تدور أحداثه في 2014، انفصلت تاو عن زوجها، وفضلت أن تترك معه ابنهما بعد انتقاله للعيش في مدينة أخرى، لأنه الأقدر ماديا على تأمين حياته، وإلحاقه بمدارس تقوي لغته الإنجليزية.
كانت مشاهد هذا الجزء هي الأفضل والأكثر ثراءا في المشاعر، يستطيع المشاهد أن يلمس حب "تاو" لابنها وتمزقها بين رغبتها في أن يحيا بصورة أفضل مع والده، عما إذا بقي معها، وبين غريزتها كأم تتمنى أن يكبر ابنها أما عينيها. زاد الجزء ثراءا علاقتها بوالدها، ورحيله الصادم، بالإضافة لإصابة صديقها القديم بمرض السرطان ولجوءه إليها ليستعير منها مال يحتاجه في العلاج.
ازدياد اتساع الكادر في الجزء الثالث والأخير من الفيلم، والذي تقع أحداثه في المستقبل القريب، اختيار ذكي من المخرج الذي أراد به التعبير عن الغربة التي اختار أن يعيشها بعض الصينيين، بعد اتخاذهم قرار الهجرة، حتى وإن كانوا في البداية لا يشعرون بحجم الكارثة التي يعيشونها، وهو ما يتضح من خلال شخصية طليق "تاو"، والذي تنازل عن ذكرياته في وطنه الصين، ووضع كل ماضيه خلف ظهره، وقرر الهجرة إلى استراليا، رغم استقرار حياته الاقتصادية إلا انه يلهث وراء المال، فيغير اسمه إلى اسم إنجليزي "بيتر"، ويمحي متعمدا جذوره الصينية، للدرجة التي لا يستطيع فيها التواصل مع ابنه بلغتهما الأم التي يجهلها الابن.
البرود يسيطر على الجزء الثالث، في ظل غياب أي مشاعر مشتركة بين دولار وبيتر، حتى مع وجود علاقة عاطفية بين دولار ومعلمته، إلا أنها علاقة باهتة مصيرها الفشل، ولأنها تعلم ذلك طلبت منه أن يعود لبيته ولأمه في الصين. فهل سيختار العودة، أم سيظل تائها في غربته؟.
هجرة الشباب الصينيين إلى دول أخرى بحثا عن حياة أفضل، وما تحدثه التغيرات الاقتصاديه من تأثيرات اجتماعية وثقافية، قضايا تشغل المخرج جيا زانجكي، وسبق واقترب منها في فيلمه "لمسة الخطيئة"، ليدق ناقوس الخطر، علّ الحكومة الصينية تنتبه، ولكنها لا تفضل هذه النوعية من الأفلام التي تنتمي للسينما الواقعية، وترفض كل ما يلقي الضوء على سلبيات المجتمع، حسب قوله.
فيديو قد يعجبك: