"home sweet home".. الوطن ليس سعيدًا بعودتك
كتبت-رنا الجميعي:
ننظر للمشهد من بعيد، رجل يجرّ قدميه شيئَا فشيئًا، لا نلمح سوى هيئة قليلة الحجم، وطريق طويل بين مروج خضراء، ثُم يختفي من المشهد لكننا مازلنا نسمع زحف قدميه، حتى يظهر بحجمه الأصلي أمام الشاشة، عينان تتحركان بلهفة وصوت ينهج من طول المسافة، هذا هو آجرون قد عاد لوطنه بعد غيبة مدتها خمس سنوات.
داخل المسرح الصغير، وضمن فعاليات أسبوع النقاد بمهرجان القاهرة السينمائي، عُرض فيلم "home sweet home"، أمس الخميس، لمخرجه "faton bajraktari"، ويُعتبر الفيلم ممثل دولة كوسوفو بالأوسكار كأفضل فيلم أجنبي، ما بعد الحرب هو ما تتناوله الحكاية، ماذا سيحدث لأب وزوج اعتبرته أسرته شهيدًا؟
الفرحة الممزوجة بالدهشة هو الشعور الذي ستقابله به العائلة المكونة من أم وثلاثة أبناء العائد من الحرب، كان قد حصل على صكّ الشهيد، وجدت جثة اعتبروها جسد آجرون، ومنذ ثلاثة أعوام أقيمت جنازة، لكنه بعودته فكّك ما صار حقيقة.
تمثال شهيد، ومدرسة تُبنى باسمه، ومؤسسة لأهالي الشهداء تترأسها زوجته، هذا ما حصلت عليه الأسرة بعد وفاته، على ما يبدو أن صك الشهيد فخرًا دون الأحياء، بحزم تقول الزوجة لآجرون إن عليه قضاء بعض الوقت داخل البيت، لئلا يتفاجأ أهل البلد، ومع الوقت يُدرك كم تعتمد الأسرة على نفقات كونه شهيدًا.
ملامح آجرون هادئة معظم الوقت، غير أن الحيرة والملل يتناوبان عليه من آن لآخر، يؤدي الدور الممثل "donat qosja" بانفعالات جسد هادئ، وعيون تدور داخل محجريها، أما الزوجة التي تؤدي دروها "arta mucaj" فملامحها ثابتة طوال الوقت، فيما تمتلك نبرة صوت قوية تُدلل بها على مدى سيطرة الأم على الأوضاع، فيما كانت الموسيقى التصويرية أشبه بالوقت المستقطع، بين عدة مشاهد وأخرى تأتي الخلفية الموسيقية شاعرية تمامًا.
يُصبح المنزل مكان آجرون الأبدي، الدقائق تمر سنينًا، لا يقطع ملل الوقت سوى نافذة يُطل منها على العالم الخارجي، مروج خضراء أمام عينيه ورجل يُحاول الطيران بالبالون، يُخطئ مرات ويقع، لكنه لا يمل من المحاولة.
أما آجرون فلا يُغير سير يومه البطئ سوى ابنته الصغيرة، والكاميرا التي ترافقها دومًا، صورتان له يوميًا، واحدة صباحًا وأخرى بالمساء، يلهو ويضحك معها، بالإضافة إلى حديث ابنته الكبرى معه، تخبره عن مجال الطب التي تنوي دراسته، والامتحان الذي يلزمها التفوق فيه، حتى تدرس بما تحلم به.
يُدرك آجرون مع الوقت أن وجوده مثل عدمه، ينطوي على ذاته، أفراد أسرته لهم ما يشغلهم ومستمرون به، يبدأ في التمرد، يُشاهد شريط جنازته، يثور من بعدها، ويمزق الشريط، يطلب من زوجته الخروج إلى العالم فهو حي، لكنها ترفض، ثُم يرى أن ابنته فشلت في النجاح بالامتحان، مما تعيّن عليها تسجيل اسمها كأبناء الشهداء، ما يضمن لها المرور من هذه العثرة.
يرتدي آجرون البدلة السوداء، كما يرتدي بقية أفراد الأسرة أبهى حلة لهم، تضبط ابنته الصغيرة التوقيت الخاص بالكاميرا، وتُسجل آلة التصوير تلك اللحظة، وهم مجتمعين سويًا، غير عالمين أنها ستكون اللحظة الأخيرة لهم معًا، حيث تعود حياتهم السابقة إلى أصلها، دون آجرون.
فيديو قد يعجبك: