مهرجان القاهرة السينمائي: مايكل مور.. وكيفية الاستفادة من تجارب الآخرين؟
كتبت - هدى الشيمي:
تورطت أمريكا في حروب خارجية عدة، من أفغانستان إلى العراق، وأخيرًا وليس آخرًا سوريا، وتركت الشؤون الداخلية على حافة الانهيار، حسبما يرى المخرج والمنتج الأمريكي مايكل مور الذي قرر القيام بعدة غزوات داخل البلدان العالمية، لسرقة أفكارهم ونقلها لبلاده.
تلك ببساطة فكرة فيله "Where to invade Next" أو "أين نغزو المرة القادمة" المعروض في فعاليات الدورة الثامنة والثلاثين من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
السعادة الإيطالية
في إيطاليا، أول غزوات مور، علم أن السعادة التي تبدو على أغلب الإيطاليين، وأن معدل أعمارهم يزيد عن الأمريكيين بحوالي أربع سنوات، يرجع إلى حصولهم على 4 أسابيع إجازة مدفوعة الأجر سنويا، ويحصل كل موظف أو عامل على ساعتين للغذاء يذهب فيهما للمنزل لكي يتناول الطعام برفقة عائلته.
على عكس أمريكا، التي لا يحصل العاملون فيها على إجازات سنوية، فإذا كان أحدهم محظوظا يحصل على عقد يسمح له بإجازة مدفوعة الأجر لمدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع كحد أقصى، وبالرغم من زيادة ساعات عملهم إلا أن الفارق بين الإنتاج الأمريكي والإيطالي ليس كبيرًا.
في عدد من الجولات المقبلة، وجد مور نفسه أمام "نظم تعليمية مثالية"، ففي مدينة صغيرة بمقاطعة نورماندي الفرنسية، اصطحب المشاهدين لكافتيريا مدرسة حكومية تقدم الطعام للأطفال وكأنهم في أفخر المطاعم، وعلم من المسؤولين أن رئيس الطهاة يجتمع مع مدير المدرسة والاخصائيين لاجتماعيين والتربويين النفسيين ليتناقشوا في قائمة الطعام الشهرية، لكي يعدوا وجبات غذائية متكاملة يستطيع الاطفال من خلالها تعلم كيف يتناولون طعامًا صحيًا.
واستحوذ النظام التعليمي الفنلندي على إعجاب المخرج الأمريكي الشهير، إذ يعتمد على تقليل المهام المدرسية، ويجتنب الامتحانات الموحدة، ويعمل على تنشيط المهارات الفكرية والإبداعية لدى الأطفال، فداخل المدارس الفنلندية يتعلم الطلاب الموسيقي، والشعر، والحياكة والتطريز والمسرح، وغيرها من الأنشطة.
كان نظام التعليم الجامعي في سلوفانيا، نموذجا يجب أن يُحتذى به، لذلك حرص عدد من الطلاب الأمريكان على الانتقال إلى جامعتها من أجل الحصول على فرصة في تعليم أفضل بدون الوقوع في سجن الديون التي يفرضها التعليم الجامعي الأمريكي، بحسب مور.
ألمانيا والاعتراف بالخطأ
رأى السينمائي الأمريكي أن "أفضل ما يمكن سرقته من ألمانيا هو اعترافهم بالخطأ، وعدم فرارهم من الماضي،" ففي كل مدرسة ألمانيا يتلقى الطلاب أسبوعيا دروسا عما فعله الزعيم النازي أودلف هتلر باليهود، باليهود والأقليات.
يقول مور "لم يقولوا ليس لنا ذنب، أو هذا خطأهم وليس خطأنا، لكنهم يحرصوا على ألا يكرر أي شخص منهم فعل ذلك".
خارج المدارس يوجد العديد من النصب التذكارية، واللافتات المعلقة على الجدران، وعلى الأرض المكتوب عليها أسماء عائلات اليهود المضطهدة، حتى لا ينسوا مثلما نسى الأمريكيون ما فعله أجدادهم بالسود، من منعهم من العمل في بعض المناصب، والتعدي على النساء وتشريد الأطفال واستعبادهم.
يقول المخرج الأمريكي إنه على عكس ألمانيا لم يُبنى متحف للعبودية في بلاده حتى عام 2015، وكأنهم يحاولون التملص من أفعالهم.
وتميزت ألمانيا أيضا بقوانين العمل التي ساعدت على الحفاظ على الطبقة المتوسطة، وتُحرم نهائيا التواصل مع الموظف أو العامل، أو ارسال رسالة بريدية أو نصية له في إجازاته أو عطلاته الأسبوعية، وإذا شعر الموظف بالضغط الشديد يذهب لطبيبه للحصول على إذن بدخول منتجع صحي لمدة ثلاثة أسابيع مجانا، ليتخلص من كافة الضغوط، ويحصل على الراحة اللازمة لكي يعود للعمل بنفس النشاط.
سجون النرويج
أصيب مور بنوبة من الضحك عندما رأى لوحات كُتب عليها بطريقة "بريل" في السجون النرويجية ذات الحراسة المشددة، واكتشف أن نظام السجون فكرة مثلى يجب سرقتها ونقلها لبلاده.
تبدو الغرف في السجون أقرب إلى المنازل، في كل زنزانة حمام شخصي، وتليفزيون، وسرير منجد.
لدى السجناء في البرتغال الحق في التعليم، والقراءة، وممارسة هواياتهم، لا يوجد بينهم أي شكل من أشكال العدائية، وتضم استديوهات تسجيل موسيقي يملك المهتم بالموسيقى من المعتقلين مفتاحه.
"تعاطي المخدرات لا يعاقب عليه القانون،" تلك عبارة أصيب مور بحالة من الدهشة بعد الاستماع إليها من رجال الشرطة البرتغاليين.
يؤكد رجال الشرطة في البرتغال أن هدفهم الأول هو مساعدة الناس، وحمايتهم دون الاعتماد على العنف المفرط، مثلما يحدث في أمريكا.
تونس وقوة المرأة
قرر المخرج الامريكي الخروج من أوروبا والذهاب لتونس، وأشاد بثورتها التي أطاحت بزعيها الفاسد، زين العابدين بن علي، وعلم أن الاجهاض مسموح به، على عكس ما يحدث في أمريكا فما يزال هذا الأمر محل نقاش ومثير للجدل.
أثارت قوة نساء تونس اعجابه. كيف استطاعن بالتظاهرات السلمية اجبار البرلمان على الاعتراف بحقوقهن ووضعها في الدستور، فتراجع عن قراره بعد الاحتجاجات، لتصبح المادة السادسة والأربعين في الدستور التونسي خاصة بحقوق النساء.
وفي أيسلندا كان للنساء دورا أكبر، استطعن الحصول على حقوقهن بعد فترة من الاضطهاد. أصبحت أيسلندا من أوائل الدول التي تحكمها امرأة. وهناك عدد كبير من النساء في أي مؤسسة حكومية أو خاصة داخلها، كما استطعن انقاذ البلاد من الانهيار الوشيك بعد الأزمة الاقتصادية العالمية، عام 2008.
ألمانيا مرة أخرى
توقف مور في العاصمة الألمانية مرة أخرى، التقى بصديق له أمام آثار جدار برلين العازل، وأشار إلى أنه بُني لكي لا يهدم أبدا، ولكنه الآن أصبح ذكرى أليمة لدى الكثير، وربما عاد إلى هناك ثانية لكي يذكّر نفسه أن كل شيء ممكن، فهو الآن يرى أمريكا مليئة بالعيوب والمشاكل التي لا يمكن حلها قريبا، إلا أنها قد تنتهي في أي لحظة.
واستطاع المخرج الأمريكي الحفاظ على انتباه المشاهد طول أحداث الفيلم، التي تصل لساعتين وخمس دقائق، فرغم غزارة المعلومات وكثرتها، استطاع بخفة ظله وسهولة الانتقال من بلد لآخر تحويل العمل إلى فيلم وثائقي مميز وممتع.
رسالة مور من فيلمه هي أن لكل بلد مشاكله وعيوبه، ولكنه يرغب في الحصول على الورد وليس الشوك.
فيديو قد يعجبك: