بين الحرب والفساد.. "مينا تسير"
كتبت- هدى الشيمي:
الحرب والفساد كل منهما له تأثير أقوى من الآخر إذا استوطن داخل إحدى البلدان، فماذا إذا اجتمع الاثنان معا في بلد واحد، وهذا ما حدث في أفغانستان، فعدم الاستقرار الأمني والفساد الحكومي، وانتشار قوات حركة طالبان، والقوات الأمريكية الموجودة هناك أثروا على حياة المواطنين، وكان بينهم تلك الطفلة "مينا" بطلة فيلم "مينا تسير" أو "Mina Walking" المشارك في المسابقة الرسمية بالدورة السابعة والثلاثين من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
خلال ساعتين إلا عشر دقائق هي مدة عرض الفيلم، يستعرض مخرجه يوسف باركي مجموعة من المواقف التي تمر بها مينا، الطفلة التي أوشكت على دخول سن المراهقة، تعيش في أسرة مفككة بعد وفاة الأم على يد مقاتلي طالبان، وأب مدمن للمخدرات وجد مسن لا يقوى على تحريك ساكن، وكيفية تعاملها معها، وتأثيرها فيها.
يبدو الفيلم حقيقيا، فيجعل المشاهد يتساءل إذا كان فيلما وثائقيا أم روائيا، إلا أن باركي أرجع ذلك إلى أنه مستوحى من أحداث حقيقية، وقصص حقيقية لأطفال شوارع أفغانين، خرج منهم بشخصية "مينا" لكي تكون ممثلة لمعاناة تلك الفئة من الأطفال، وخاصة الفتيات في مثل عمرها، كما ظهر بعضهم ضمن أحداث الفيلم بالفعل.
تحاول مينا طوال الفيلم جمع شمل عائلتها، من إسعاف جدها وتوسلها لمربي الأبقار لكي يمنحها ألبان من أجله، وجمعها للأموال من أجل والدها، وحرصها على الذهاب للمدرسة على الرغم من عملها في السوق بائعة أوشحة تصنعها بيدها، ودفعها لتاجر المخدرات ثلث أرباحها اليومية حتى لا يعطي لوالدها المخدر، فحياتها عبارة عن عجلة لا تتوقف عن الدوران، تجبرها رغبتها في حماية عائلتها أن تكون شخصية قوية، فلا تبكي طوال مدة الفيلم سوى مرة واحدة بعد وفاة جدها، وحتى تلك الدموع رفضت السماح لها بالنزول من عيناها على الرغم من وجودها بمفردها في الغرفة.
تعد قوة مينا مثال لقوة السيدة الأفغانية والتي يستعرضها الفيلم، فبعد مينا هناك المعلمة في مدرستها، والنساء الواقفات أمام اللجنة الانتخابية ويؤكدن رغبتهن في انتخاب أي شخص بإمكانه القضاء على حالة البؤس التي يعيشها المواطنين، ثم الشحاذات اللائي يجتمعن معا من أجل الخروج للعمل والانفاق على عائلتهن بالذهاب لمدينة كابول.
لم تخضع مينا لقرار والدها بإجبارها على الزواج من رجل يكبرها في السن، بل يزيد عمره عن عمر والده، وقررت الخروج من ذلك البيت للأبد، فبعد تفكير سريع وجدت أن حريتها لن تقدر بثمن، ولم تخشَ على نفسها قسوة شارع اعتدات مشقته.
أكد براكي أنه لم يحاول أن يجعل من مينا بطلة جديدة، ولكنه رغب في نقل صورة عاشها فترة انتقل فيها إلى أفغانستان، وتعايش مع فتيات وفتية عملوا في الشوارع، كان من بينهم فتى بدأ العمل في الشارع منذ عامه الثاني عشر من أجل إعالة عائلته، حتى وصل لسن 23 عام وعندها اكتشف أنه لم يعش يوما لنفسه، ولم يفعل أي شيء سوى البحث عن رزقه، وقوت يومه.
أثناء عرض الفيلم اعترض المشاهدين على اهتزاز الكاميرا، والظلام المخيم على بعض المشاهد، وقد يكون ذلك للتعبير عن مدى بؤس الحياة التي تعيشها مينا، أما اهتزاز الكاميرا فأرجعه المخرج إلى استخدام كاميرا صغيرة، نظرا لصعوبة ظروف التصوير في أفغانستان، فالأفغانيين يجتمعون حول الكاميرا ويعرقلون عملية التصوير، بالإضافة لقلة العاملين على الفيلم، فلم يتجاوز عددهم عشرة أفراد، إلا أنهم بذلوا قصارى جهدهم من أجل إخراج الفيلم بصورته الأخيرة، ليشارك بمهرجان برلين، ويفوز بعدد من الجوائز من بينها جوائز للطفلة "فارزانا ناوابي" أو "مينا" لتمثيلها الدور بهذه الطريقة على الرغم من كونه الأول لها.
فيديو قد يعجبك: