The wife.. وراء كل عظيم امرأة "ربما أعظم منه"
كتبت- هدى الشيمي:
يقولون دائمًا إنه وراء كل رجل عظيم امرأة، امرأة تبذل قصارى جهدها لكي توفر له البيئة الصحية التي تسمح له بالإبداع، وتجعله قادرًا على العمل دون أي تشتيت، نستمع دائمًا إلى أمهاتنا يخبرونا بألا نزعج آباءنا عندما يعودون من العمل، أن نكون هادئين ومطيعين ونؤجل شكوانا حين حلول الوقت المناسب، والذي لا يأتي أبدًا في بعض الأحيان، ونرى دائمًا الفنانين والكتّاب والمسؤولين الذين يوجهون الشكر لزوجاتهم بعبارات مؤثرة خلال خطابات يلقونها بمناسبة حصولهم على الجوائز، ولكننا لا نعلم ماذا يحدث حقًا بين الاثنين، ولكن يصحبنا فيلم "The Wife" إلى أعماق حياة ثنائي تمكن أحدهما من الحصول على جائزة نوبل للأدب.
تدور أحداث "The Wife"، والذي يعد أحد الأحصنة السوداء التي تنافس بقوة على الكثير من الجوائز هذا الموسم، حول امرأة قضت كل حياتها لمساعدة زوجها على الوصول إلى أعلى مراتب النجاح، حتى تمكن بالفعل من الحصول على جائزة نوبل للأدب، وفي هذه الليلة المُنتظرة تتكشف الكثير من الأسرار، وتسقط الأقنعة وتظهر الحقيقة التي عمل الاثنان على إخفائها لسنوات طوال، ليتضح للجميع أنها "صانعة ملوك".
للوهلة الأولى تبدو الحكاية عادية فهي أشبه بالكثير من الأعمال الدرامية التي تناولت قصة امرأة تتفانى من أجل بيتها وأسرتها، إلا أن الحقيقة ليست كذلك، فهو يُسلط الضوء على بعض الأمور التي تفعلها النفس البشرية، خاصة النساء، ويعجز العقل عن فهمها ومعرفة أسبابها.
بطلة الفيلم، وهي امرأة في العقد السابع من عمرها تُدعى "جوان"، تجسد الدور الممثلة الكبيرة جلين كلوز، تشارك زوجها في كل شيء، تفعل كل ما يحتاجه حتى يكون هو في أبهى طلّة، فهي ترتب له حبوب دوائه، تجهز له ملابسه، وتضبط له ساعته، لا تغيب عنه كظله، حتى بات في حاجة دائمة لها، يخونها ثم يعود إليها من جديد، يجعلها تقوم بعمله مكانه، ويحظى هو بكل المجد والشهرة مستغلا شخصيته الجذابة وكلامه المعسول وعباراته الأدبية الرنانة التي يقتبسها من أشعار ونصوص الكتّاب الكبار العظماء، ولكنها مع ذلك لا تستطيع تركه أو الاستغناء عنه.
في العديد من المقابلات التي أعقبت عرض الفيلم، قالت جلين كلوز إن أحد الأسباب التي دفعتها إلى قبول هذا الدور بالإضافة إلى أنه دور مختلف وجديد عليها، كان رغبتها في فهم معرفة لماذا تقبل أي امرأة في هذا العالم شيئًا كهذا، تقبل أن يعيش أحد آخر حياتها، وتوافق على أن تصبح ظل عوضًا عن أن تكون شخصًا مُستقلاً بذاته يحظى بنجاح وألق شخصي، وتُجيب على كل هذه التساؤلات قائلة: " اكتشفت أن الأمر ليس بهذه البساطة، والعلاقات الانسانية أكثر تعقيدًا مما نظن".
اعتمد الفيلم في السرد على طريقة "الاستحضار أو الاسترجاع" (Flashback) لكي يغزل لنا أحداث الماضي بالحاضر، ويكشف لنا كيف تطورت العلاقة بين الزوجين لتصل إلى هذه النقطة التي بات فيها الزوج يعتمد على امرأته وكأنها أمه، فهو في أمس الحاجة لها دائمًا، يُخبرها بذلك طوال الوقت، إلا أن ذلك لم يمنعه من الخيانة أو ارتكاب بعض التصرفات التي وصفها أحد أبطال الفيلم بـ"الطائشة التي لا يقبلها أحد".
كذلك يُطلعنا الفيلم على نظرة المجتمع في فترة الخمسنيتيات للمرأة، وكيف كان الرجال يهيمنون على كل شيء، كيف كانوا يتخذون القرارات الخاصة بالمرأة، وما هي معاييرهم للحكم عليهن، والتي كان على رأسها "هل هن جميلات المظهر؟".
دفع الخوف من الفشل جوان، بطلة الفيلم، إلى الاختباء خلف زوجها وصبّ ابداعها في بوتقته، وانتهى بها الأمر في النهاية إلى عدم تحقيق أي نجاح شخصي خاص بها، فخرجت الأمور عن السيطرة بعد مرور حوالي 40 عامًا من الزواج، كانت فيها تفعل كل شيء من وراء الستار إلا أن المديح كله كان من نصيب نصفها الأخر.
استغرق العمل على الفيلم 14 عامًا، وأغلب العاملين فيه نساء فصاحبة الرواية الأصلية هي ميج ووليتزر، وهي ناشطة نسوية تحدثت في مؤلفاتها عن عدد من المشاكل التي تمر بها المرأة، وعالجته دراميًا وأعدته للسينما المؤلفة جين أندرسون، والشخصيات الرئيسية تجسدها نساء هن جلين كلوز وابنتها الحقيقية أن ستارك، كما أغلب المسؤولين على عملية الإنتاج والقائمين على اختيار الممثلين وتصميم الملابس نساء، من بينهم مؤلفة الموسيقى التصويرية جوسلين بوك، التي عملت مع كبار المخرجين، وتمكنت من تقديم مقطوعة موسيقية زادت العمل شاعرية وعبرت عن مكنونات صدر أبطاله دون أن النطق ببنت شفة.
لعبت كلوز، وهي ممثلة مُخضرمة احترفت التمثيل منذ أكثر من 40 عامًا، الدور ببراعة شديدة، فعينيها وتعابير وجهها تشعر المشاهدين بأن بداخلها بركان خامد، ينتظر اللحظة المناسبة للانفجار، هناك صراعًا داخليًا تمر به هذه الشخصية، فهي أشبه بشخص يشعر بألم شديد ولكن دون إصدار أي آنة. ولاقى دورها استحسان وقبول الكثير من النقاد والجمهور، كما أنه أكسبها الكثير من الجوائز من بينها جائزة الجولدن جلوب، ومن المتوقع أن تُنافس على جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة في دور رئيسي.
تقول كلوز إنها خلال تحضيرها للدور كانت تفكر في والدتها والتي أخبرتها في نهاية حياتها بأنها تشعر أنها لم تحقق أي شيء، فهي لم يكن لديها انجازًا خاصًا بها، فكانت تقوم بدورها كأم وكزوجة رائعة ومُحبة فقط.
وخلال الكلمة التي ألقتها بمناسبة حصولها على جائزة الجولدن جلوب لأفضل ممثلة في فيلم درامي، قالت كلوز: "نحن النساء بحكم الطبيعة نكون أمهات وزوجات أو شريكات حياة لأحدهم، ولكن يجب أن يكون لكل منّا حلم خاص، شيء شخصي نسعى إلى تحقيقه، علينا تحقيق أحلامنا، وعلينا أن نقول (أنا قادرة على فعل ذلك، ويجب أن يُسمح لي بفعل ذلك").
فيديو قد يعجبك: