لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الجهل والفقر والمرض يشكلون صورة لمجتمع "روض الفرج" في برلين- صور

03:08 م الأحد 18 فبراير 2018

رسالة برلين- أحمد الجزار:

دائما ما يبحث صناع الأفلام المصرية والعربية، بشكل عام عن المشهيات التي يحبها الجمهور الأوروبي أو الغربي، كتذكرة مرور سهلة ومضمونة للمشاركة في المهرجانات السينمائية الكبرى، إنها الوسيلة المضمونة التي تستطيع بها أن تمرر فيلمك بعيدا عن قسوة المعايير الفنية، فما ستطرحه من مشكلات وانتقادات وأزمات قد يغفر لك أي مستوي فني، وهذا ما أصبح واضحا في مهرجان برلين خلال السنوات الأخيرة خاصة بعد الثورة، فهناك أفلاما تأتي لا تعرف كيف صُنعت لتمثل بلادها، ولكنها سرعان ما تختفي ولم يعد لها أي قيمة تُذكر بعد عرضها في المهرجان، ليس فقط لأنها ممنوعة رقابيًا ولكن لأنها بلا قيمة فنية وإبداعية .

هذا العام عرض مهرجان برلين السينمائي الفيلم الوثائقي المصري "الجمعية"، وهو الفيلم العربي الوحيد الذي يشارك في قسم "البانورما"، وهو القسم التالي في الأهمية بعد المسابقة، وهو إخراج اللبنانية ريم صالح والتي استغرقت في تصويره 7 سنوات تقريبا .

الفيلم يرصد حياة بعض الأسر في أحد شوارع روض الفرج ، المنطقة التي اختارتها المخرجة لأنها هي المنطقة التي عاشت وتربت فيها والدتها المصرية، وحاولت ريم أن تغزل قصتها من داخل هذا المجتمع.

اختارت المخرجة أن تقدم فيلما عن "الجمعية" وهو الطريقة التي يلجأ إليها معظم المصريين لحل مشاكلهم المادية بعيدًا عن قسوة البنوك والإجراءات .

ومن خلال هذا الموضوع أو هذه الفكرة عكست المخرجة حالة الفقر والمرض والتخلف والتفكك، وكانت الجمعية وسيلة لتعري بها هذا المجتمع الذي لم يبق منه ولو الحد الأدني من الأخلاقيات التي قد تمنحه القوة ليعود من جديد، فهو مجتمع على وشك الانفجار، فمعظم شخصيات الفيلم يكسوها المرض والعجز، كما أن الحياة داخله تفتقد للأمان والاستقرار، والعشوائية هي أسلوب الحياة داخل الحي .

"أم غريب" الشخصية التي أنطلقت منها الأحداث، وهي المفتاح الذي اخترقت من خلاله المخرجه إلى باقي الشخصيات، وباقي الأسر التي كشفت عن عوراتها بسبب العوز، ويصل الأمر بأن يضطر رجل مريض وعاجز أن يظهر عاريًا وهو يستحم بسبب الحاجة في أكثر المشاهد قسوة .

ولكن نعود لأم غريب التي تعد العمود الفقري لأسرتها، والتي تحاول دائما أن توفر الأمان الأسري والمادي لهذه الأسرة، ولكن بعد أن خدمت أسرتها وزوجها لأكثر من 28 عامًا لم تكافئ سوى بالطلاق، حتى أن ابنتها "عايدة" ظهرت في بداية الأحداث وهي مطلقة ولديها طفل، ومع نهاية الفيلم كانت قد طُلقت للمرة الثالثة ولديها 3 أطفال، وابن جارتها الذي تزوج ولكنه قرر أن يطلق زوجته بعد أسبوع واحد، لأنها لم تكن الفتاة التي يحبها ، ثم يتزوج بعدها بفتاة أخري .

أما "أم فتحي" فكانت ترعى زوجها المريض العاجز، ولكن بعد رحيله تم طردها من المنزل من قِبل أشقائه لتجد نفسها فجأة في الشارع، وتضطر للنوم في محلها الصغير .

أما دنيا فهي الفتاة الصغيرة التي خطفت أنظار الجمهور في برلين، بسبب تلقائيتها وطلاقتها في الحديث، وليس لبراءتها إطلاقا لإنها لم تكن بريئة، بل نتاج أسرة جاهلة ومفككة، والتقطتها المخرجة ضمن الأحداث كفتاة قررت أن تدخل "الجمعية" كي تحقق حلمها في الختان رغم رفض والدها لهذا الفعل، وهو المشهد الذي قدمته المخرجة بشكل يشبه "الكاريكاتير" عندما جمعت الأم والأبنة في مواجهة الأب الذي يعترض ظاهريًا ولا يبالي من داخله .

"الجمعية" كانت في الحقيقة المدخل إلى هذا العالم، الذي وجدت فيه المخرجة مادة ثرية لا يمكن تنحيها حتى ولو كانت خارج إطار فيلمها، ولكنها نجحت في أن تلخص الحياة لمجتمع لا يحتاج سوى الشفقة، بعد أن غرست فيه بكتيريا الجهل والمرض، والتخلف والأدمان، ولم يبق فيه سوى حالة المودة التي تعد القشة الأخيرة لمجتمع يحاول أن يحافظ على إنسانيته.

المخرجة ريم صالح لم تكن مخلصة في رصد موضوع فيلمها، ولكن الأحداث التي واجهتها داخل هذا المجتمع أو هذه الشريحة التي اختارتها لتكون بطلة فيلمها اضطرتها لأن تنحرف يمينا ويسارا لتغرق في المشهيات التي يبحث عنها الغرب .

العلاقة التي خلقتها ريم داخل هذا المجتمع، بالتأكيد فتحت لها أبوابا عدة، وتصويرها للفيلم على مدار 7 سنوات من 2010 إلى 2017، ساهم بشكل كبير في تطور فكرتها لتجد نفسها أمام بئر من الأحداث الثرية والشيقة، فقررت أن تغرس في هذا البئر وتخرج بكل مشكلاته وتنسى "الجمعية".

وأكثر ما يميز الفيلم رغم وجود العديد من الملاحظات، هو حالة الرصد الشبه واقعية، واختيار شخصيات لها بريق على الشاشة، وبعيدا عن سمعة مصر والجمل التي قد يحاول البعض الزج بها لرفض الأعمال الفنية التي تعري بعض شرائح المجتمع، فإن الفيلم أصاب الجمهور بدهشة وغرابة في برلين، بل وكان هناك حماس من البعض ليتعرف أكثر عن هذه الشخصيات ومستقبلهم بعد أن عاش معهم على الشاشة، وتعرف عن قصصهم وحكايتهم عن قرب .

ريم صالح بالتأكيد لديها حالة من التشتت الفني في تجربتها الأولى، وتحتاج إلى حالة من النضج ستكتسبها في التجارب التالية .

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان