خاص- مصراوي يحاور صُناع "Loving Vincent".. مرثية لـ"فان جوخ" في فيلم
حوار- شروق غنيم:
على شاشة السينما؛ تنسدل قصة الرسام الهولندي فنسنت فان جوخ في قرابة 65 ألف كادر، يروي لنا لمحات من حياته. الأدّق "لوحاته" هي من تروي ذلك؛ إذ رأى صناع العمل أنها الطريقة الأمثل لتقديمه في عمل فني وهو الذي قال: "الحقيقة إننا لا نستطيع أن نتحدث سوى من خلال لوحاتنا"، فخرج أول فيلم في التاريخ يُصمم باللوحات الزيتية فقط.
ترك "Loving Vincent" الذي خرج للنور في سبتمبر 2017، أثرًا لا يزول في نفس مُشاهديه والنقاد، شغف مخرجيه الاثنين دوروتا كوبيلا وهيو ويلشمان، وكتيبة من 125 رسامًا نفذوا 835 لوحة زيتية، كانوا سببًا في أن يكون بتلك الصورة. مصراوي حاور مُنتج الفيلم شون بوبيبت، واثنين من رساميه "يانيس يوجورتاكيس" و"فلاديمير فينكيتش"، عبر البريد الإلكتروني للوقوف على كواليس العمل وتفاصيله.
يبدأ الفيلم من حيث انتهت حياة "فنسنت" بعام واحد، يحاول أرماند رولين، وهو أحد أبطال لوحاته، تسليم رسالة كتبها الرسام الهولندي إلى شقيقه ثيو، مع تلك الرحلة تتكشّف تفاصيل حياة الفنان العالمي ويكتشفها الجمهور، وفي بلدة أوفير الفرنسية، يتعرّف أرماند على شخصيات عايشت فنسنت، ومعه تتعقّد أكتر حقيقة ما جرى في آخر أيام الفنان الراحل وكيف مات.
منذ 10 سنوات، كانت المخرجة "دوروتا كوبيلا" حائرة، حماس كبير يملأها تجاه صناعة الأفلام لكنها لم تكن قد دخلت هذا المجال من قبل، فيما كانت تشتاق إلى العودة للرسم مُجددًا، اختمرت فكرة صناعة فيلمًا عن "فان جوخ"، فهو مُلتقى الشغفين بالنسبة لها "أحببنا أن نروي قصة فنسنت -التي لازالت مُلهمة للكثيرين- بالفن نفسه" يحكي مُنتج الفيلم لمصراوي عن بداية المشروع.
حين قررت المخرجة الشروع في العمل على الفيلم، أردات خلقه من خلال فن وأسلوب فنسنت الفنّي، ومثلما كان يرسم الفنان الهولندي بألوان الزيت على الأقمشة، استخدمت التقنية نفسها "الجانب البصري أداة هامة في سرد القصة، لأنه يعطي الجمهور فرصة لرؤية العالم كما رآه فنسنت".
بات بوبيبت -المنتج- شريكًا في العمل منذ سبع سنوات. عايش نضوج التجربة، نشروا إعلانات على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" للوصول إلى رسامين للعمل في الفيلم "وصلت نسبة مشاهدة الإعلان 200 مليون مرّة، فيما تلقينا حوالي 5 آلاف طلبًا من الرسامين من جميع أنحاء العالم، كان شيئًا مذهلًا بالنسبة لنا".
قيّم صُناع الفيلم أعمال الرسّامين، استقروا على اختبار 500 فقط منهم، ثم عقدوا دورة تدريبية للرسوم المتحركة لمدة ثلاثة أيام بقيادة "دوروتا" لحوالي 153 رسامًا، ثم استقروا في اختيارهم على 125 شخصًا، كانت المعايير واضحة "مستوى المهارات الفنية، الأسلوب، ومدى قدرته على مُحاكاة لوحات فنسنت" يكمل المنتج مراحل تكوين الفيلم.
ضمن تلك القائمة تواجد الرسّام اليوناني "يانيس يوجورتاكيس"، كان للقدر دورًا في ذلك، يضحك إذ يذكر حينما كان سعيدًا في قاعة السينما بينما يُشاهد فيلم "Inside Out" برفقة زوجته وأولاده، "فكرت في كم هو مُدهش صناعة الأفلام المتحركة، لها سِحر خاص، وفي ذلك الوقت لم أكن أملك وظيفة، بعدها جاءتني مكالمة للتقدم في اختبارات المشاركة في الفيلم، لم أشعر سوى بالامتنان، الفرحة والامتنان"، يروي أن ذلك كان في سبتمبر 2015.
خاض يانيس الاختبارات التي كانت عبارة عن رسم مشهد صغير للوحة آرماند رولين الشهيرة لفان جوخ، تم اختيار 20 شخصًا من بين 90 آخرين "لم أكن بينهم، كنت رقم 22 في القائمة، انتابني بعض الإحباط، لكن القدر ابتسم لي مُجددًا بعدها بسنة، حين جاءتني مكالمة للمشاركة في العمل بعدما تركه رسامين"، وفي مارس 2016 كان 125 فنانًا من اليونان وبولندا ودول أخرى ينفخون الروح في لوحات فنسنت من جديد.
رسم يانيس ستة مشاهد، خلال خمسة أشهر، استخدم منها أربعة في الفيلم؛ من بينها مشهد مطاردة أرماند رولين لصبي في الحقول، والمشهد الثاني حين كانت توصل الفتاة "أديلين رافوكس" أرماند إلى غرفة فنسنت.
النظر في الظروف المحيطة بوفاة فان جوخ -التي لاتزال لغزًا، كان الخط السينمائي الرئيسي المستخدم في الفيلم كما يحكي المنتج "كان من الواضح أن فنسنت لديه قصة حياة صعبة للغاية، فشله في مختلف المهن، ورفضه من قِبل والديه، كفاحه كفنان دون أي اعتراف لسنوات عديدة، معركته مع المسائل الصحية. ولكن في الوقت الذي انتحر فيه كانت الأمور تبدأ في التحسن، الفنان مونيه أعلن أنه نجم صاعد، وبِيعَت أول لوحة له، وتم التعرف على أعماله. فلماذا انتحر في ذاك الوقت؟ هذا هو السؤال الذي طرحناه على أنفسنا كمخرجين، لكنني لا أعتقد أن أي شخص سوف يعرف حقيقة ما حدث حقًا، أو لماذا حدث، أردنا أن نسأل تلك الأسئلة، ومن خلال طرحها حاولنا أن نفهم كيف كان يبدو فنسنت".
900 لوحة هي تِركة الرسام الهولندي في القرن التاسع عشر، لم تبع له سوى لوحة واحدة فقط في حياته، وسط كل تلك الأعمال كان صُناع العمل مرتبطين باختيار عدد محدود من أعماله "كنا نريد عرض لوحات أكثر لفنسنت لكن السيناريو كان يحكمنا".
لم يكن ذلك هو التحدي الأول الذي واجه صناع الفيلم "كانت هناك صعوبات كثيرة لسبب بسيط؛ أنه لم يُصنع من قبل. إذ كان علينا أن نخترع البنية التحتية للاستوديو، وهي محطة للرسوم المتحركة، والتي تسمح للرسامين بالتركيز بشكل كامل على اللوحة، مع استخدام محدود للجوانب التكنولوجية، وربما كان أكبر التحديات هو زيادة تمويل الفيلم، كان من الصعب على الممولين المحتملين فهم الإمكانات التجارية له، ولحسن الحظ تمكنّا من العثور على عدد قليل جدًا من مستثمري القطاع الخاص وتحمسوا للمشروع".
غمرت الفرحة "يانيس" حينما رأى اسمه في نهاية تتر الفيلم، وهو الشعور نفسه الذي ساور الفنان الصربي فلاديمير فينكيتش، الذي كان متأثرًا بفّن فان جوخ خلال دراسته للآداب بجامعة بلغراد "حينما رأيت رسوماته أحببت عفويته وإخلاصه".
من إعلان على فيسبوك إلى عمل سينمائي، هكذا كانت رحلة الرسام الصربي "رسمت ثلاثة مشاهد عُرضِت في حوالي دقيقة، كانت أول مرة لي أن أعمل في فيلم، لكنني أدركت كم هي تجربة ثريّة أن تكون وسط أفضل رسامين في العالم، لقد ساعدني ذلك في صقل رسوماتي".
يتفق اليوناني يانيس على نفس الأمر "الشيء الأكثر إثارة حول هذه التجربة خاصة بالنسبة للفنان الذي يعمل معظم الأوقات بمفرده، هو التعاون مع الآخرين، فكرة أن هناك 10 فنانين يتعاونون من أجل رسم لوحة متشابهة، كان هذا هو سحر الفيلم بالنسبة لي".
حصل الفيلم على 15 جائزة، حظى باهتمام وتقدير في المهرجانات وتم ترشيحه إلى جائزة الجولدن جلوب "ليس هناك شرف أكبر من أن يقدر الجمهور عملك الشاق، بالإضافة إلى الترشيحات لجوائز مرموقة إذ أنها علامة على التقدير من أقراننا في المجال نفسه" يقول المنتج عن الصدى الذي أحدثه الفيلم.
يذكر منتج الفيلم حينما كان في حفل الاستراحة خلال جوائز البافتا "جاء أحد من المنظمين ليقول لي كم أحب الفيلم وأنه شاهده بالفعل 8 مرات، لن تتمكن المفردات من ترجمة مدى سعادتي في بضع كلمات"، تلقى أيضًا صناع العمل "المئات من رسائل البريد الإلكتروني، والمشاركات المتحمسة على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى أناس ذهبوا لشراء اللوحات الأصلية من الفيلم. هذا الثناء الرقيق يربت على قلبي، من المدهش حقًا كيف احتضن الجماهير في جميع أنحاء العالم الفيلم".
للوهلة الأولى حينما فكّر بوبيت في المشاركة في الفيلم "شعرت بأنها فكرة جنونية، أن نصنع فيلمًا كاملًا من اللوحات الزيتية، لكن بعد ذلك عرفت ببساطة أن هذا هو الفيلم الذي أردت صناعته، بسبب أسلوبه البصري المذهل، وأيضًا لأنه سمح لنا بأن نروي قصة فان جوخ على نحو مُذهل يليق بفنه، وأعتقد أنني الآن أقدر مدى جرأة هذا الفيلم".
فيديو قد يعجبك: