لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"بروكلين".. يعني إيه كلمة وطن؟

12:47 ص الأربعاء 24 فبراير 2016

بروكلين..يعني إيه كلمة وطن؟

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- هدى الشيمي:

عندما عُرض الفيلم في الدورة الماضية من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، كان أغلب الحضور من الفتيات والنساء الأجنبيات، برفقتهم عدد محدود من الرجال والشباب، الذين دخلوا الفيلم ممتعضين لأنهم ظنوا أنه ينتمي لنوعية "أفلام الفتيات" وقصص الحب الخيالية التي تستهويهن، إلا أنه مع انتهاء الثلث الأول من الفيلم، سحرهم جميعا بالألوان الآخاذة، والتمثيل، والحبكة الدرامية، فضحكوا تارة، وبكوا تارة أخرى.. وظلوا على نفس الوتيرة من الانتباه والملاحظة حتى انتهاء الفيلم، والذي تبلغ مدته حوالي 111 دقيقة.

"بروكلين" يحكي قصة قد تكون عادية، عن "آليش ليسي"، فتاة لا تجد أي شيء يشبهها أو يستهويها في قريتها الصغيرة، داخل أيرلندا، فلا يوجد عمل يناسبها، أو شاب يجذب انتباهها، برغم من كثرتهم، تشعر  بالغربة وعدم الانتماء داخل وطن لا تهتم بأي شيء فيه سوى والدتها المريضة، وشقيقتها الكبرى "روز"، التي تتحمل مسئولية كل شيء، وهو ما يقابله من حولها بحب شديد ويفضلونها عن شقيقتها الصغرى.

1

وعلى الرغم من طبيعية القصة المأخوذة عن كتاب حمل نفس اسم الفيلم، إلا أن المخرج "جون كرولي" استطاع تحويل الفيلم إلى لوحة فنية، قسمها إلا ثلاثة أجزاء، كل جزء فيهم يكاد يكون فيلم بمفرده، تميز بألوان مختلفة عما سبقه وعما يليه، ويعيش فيه الأبطال مشاعر مختلفة.

دار الجزء الأول من الفيلم، حول حياة "اليش" في أيرلندا، وشعورها بعدم الانتماء، ثم استعدادها للسفر إلى  مدينة "بروكلين" الأمريكية، المدينة الكبيرة المتسعة، الممتلئة بالأحلام والأماني، وصولا إلى الرحلة التي أنهكتها من أجل بلوغ وجهتها، واصابتها بالحنين للوطن.

حاول كرولي، تسخير كل شيء في هذا الجزء، لكي ينقل للمشاهد الشعور بالملل، عن طريق تثاؤب "آليش" في القداس، وعدم قدرتها على تحمل ربة عملها القاسية الظالمة، والتي تعامل الناس على قدر  ثرائهم، وتتحكم فيهم كأنها تملكهم، واستعان باللون الأخضر، لكي ينقل ذلك الاحساس للمشاهدين، ففي هذا الجزء لم يخلو أي مشهد من اللون الأخضر، والذي يعطي شعور، بالفساد، أو الكآبة والمرض، فعلى سبيل المثال،  ارتدت "آليش" طول هذه الفترة معطف أخضر داكن، وملابس خضراء، وتلونت إحدى حوائط منزلها باللون الأخضر، وعند رحيلها من إيرلندا، كانت الوحيدة التي ترتدي اللون الأخضر على متن السفينة، وارتدت شقيقتها قبعة خضراء في مشهد الوداع.

2

كعادة كل المهاجرين والمسافرين أصيبت "آليش" بالحنين للوطن، والتي وصفته في أحد حواراتها بالفيلم "سيجعلك الحنين للوطن ترغبين بالموت"، فتبكي عندما تستمع للنشيد الوطني لأيرلندا، وتظل تقرأ خطابات شقيقتها ووالدتها طوال الوقت،  ولكن الحب وحده سيتمكن من انقاذها، مع اقتراب انتقال الفيلم للجزء الثاني، ستحافظ الفتاة الايرلندية على اللون الأخضر، والذي ستظل ترتديه فوق ملابسها الزاهية، في كل مكان، حتى تلتقي بـ"توني" الفتى الإيطالي الوسيم، والذي سيغرم بها عندما يراها في حفل راقص تعده الكنيسة الايرلندية.

يبدأ الجزء الثاني من الأحداث، تشعر "آليش" بالاستقرار  إلى حد كبير، فأصبح لديها حبيب، وتفوقت في دراستها وحصلت على درجات عالية في دراستها للمحاسبة في الدروس الليلة بجامعة بروكلين، وينعكس هذا على شخصيتها، وابتسامتها التي لا تفارق وجهها، وطريقة تعاملها مع الزبائن في المتجر الذي تعمل به، يرى المشاهدون ذلك ويشعرون به عن طريق الملابس والألوان التي ترتديها "آليش" في هذه المدة من الفيلم، فيتحول اللون الأخضر إلى الأحمر الداكن، ثم الأصفر، والذي يرى علماء النفس أنه دليل على الاستقرار، والثقة الشديدة بالنفس.

في هذا الجزء، يستخدم كرولي اللون الأخضر أيضا، ويستعين باللقطات الواسعة جدا، والتي تُظهر كافة التفاصيل المحيطة بآليش، ولكن هذه المرة، يكون لهذا اللون دلالة أخرى، وهي الراحة النفسية والاسترخاء والسلام النفسي، اللذين تشعر بهم الفتاة في هذه المرحلة.

3

تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن دائما، ويحدث ظرف عائلي قاسي، فتضطر آليش لترك كل شيء ورائها، وتعود لشهر واحد إلى ايرلندا، وهنا يبدأ الجزء الثالث في الفيلم، عندما تعود إلى وطنها، لم تكن تلك الفتاة الساذجة التي غادرته منذ فترة، شعرت وكأن سنوات قد مرت، ولاحظت والدتها ذلك، وصديقتها نانسي أيضا، وشعر الجميع أنها أصبحت شخص آخر  يختلف تماما عما كانت من قبل، وهناك وجدت نفسها محاصرة، مشتتة لا تعرف أي من المكانين وطنها، هل هو بروكلين، الذي استطاعت فيه تكوين نفسها، والتأكد من كونها فتاة ذكية ومتميزة، أم أيرلندا البلد الذي تربت فيه وعاشت به طوال حياتها، وأصبحت الآن الظروف مواتية للعودة والعيش به، لتكون برفقة والدتها، واصدقائها، و"جيم فاريل" شاب التقت به وشعرت نحوه ببعض المشاعر.

في هذه المرحلة استطاع كرولي، التعبير عما يدور داخل آليش بمنتهى البراعة، بداية من ملابسها التي بدت مختلفة كثيرا عن أهل بلدتها، وطريقة تحدثها، والتي جعلت الجميع يظن أنهم متخلفين، لأنهم لم يغادروا أيرلندا من قبل، بالإضافة إلى الألوان الزرقاء والصفراء، والحمراء، التي بدت غريبة داخل مجتمع لا يتلون سوى بالألوان البنية الداكنة والخضراء.

4

عندما قرأ كرولي قصة الفيلم، استطاع الشعور بما تشعر به "آليش"، لأنه عاش طوال حياته في أمريكا، ولكنه انتقل إلى لندن في بداية عقده الثاني، لكي يعمل في المسرح هناك، في بداية الأمر شعر  وكأنه غريب، ثم اعتاد الحياة البريطانية، وعندما عاد إلى أمريكا، وجد نفسه غريبا أيضا، فأصبح محاصر من قبل شعور وصفه بـ"السخيف"، فلم يعلم أي من المكانين وطنه.

ويؤكد كرولي، أن أيرلندا لم تكون سوى رمز  لأي بلد يحيا فيه المواطنون،تقتل أحلامهم وتغتصب طموحهم وتشعرهم بأنهم لا يساوون شيء، أما أمريكا فهي مثال للبلد الآخر، المنفتح والذي يساعد المواطنين على تحقيق أحلامه وطموحه بداخله، لذلك استعان بالضوء الأبيض الكثيف، والذي يستخدمه صناع السينما للإشارة إلى الجنة، عندما تصل "آليش" لأمريكا، وتعبر ذلك الباب الذي يوصلها  لأحلامها.

5

أما "سيرشا رونان" التي جسدت شخصية "آليش" ببراعة، رشحتها لجميع الجوائز هذا العام، أخرهم جائزتي الجولدن جلوب والأوسكار كأفضل ممثلة في دور رئيسي، فاستطاعت أن تقوم بالدور وتتغير مع التحولات التي تمر بها الشخصية، فتحولت من فتاة ساذجة طموحة إلى امرأة واثقة بنفسها، ويقول النقاد عن اداء "شيرسا" أنها تعلم كيف تكون الأفضل، وكيف تستحوذ على الكاميرا، منذ كانت تلك الفتاة الصغيرة التي سيطرت على عقول الجميع بعد مشاركتها في فيلم " Atonement" وترشحت أيضا لجائزة أفضل ممثلة في دور مساعد عن هذا الدور.

ساعد سيرشا على اتقان الدور، الفترة التي عاشتها في أيرلندا، وقدرتها على تحدث الإنجليزية بلكنة ايرلندية، وإلمامها بالثقافة الايرلندية وطريقة الحياة هناك.

يستطيع فيلم "بروكلين" أحد الأفلام المنافسة على أربعة جوائز أوسكار، من بينهم جائزة أفضل فيلم سينمائي لعام 2015، أن يقول للمشاهدين إنهم سيعثرون على أوطانهم عندما يجدون أشخاص يحبونهم، ويحققون أحلامهم، ويثبتون ذاتهم، ولكن غير ضروري أن يكون ذلك في المكان الذين ولدوا وترعرعوا فيه.

فيديو قد يعجبك: