"ترامبو".. ضحية الحرب الباردة في عالم هوليوود (ريفيو)
كتبت – يسرا سلامة:
في منتصف الأربعينات، دخلت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي حربا باردة استمرت حتى أوائل التسعينات، في خضم تلك الحرب كان لفظ "شيوعي" بمثابة تهمة تستحق المحاكمة من قبل النظام الأمريكي، وظهر في المجال العام شخصيات عدة تلهث رفضا وراء الشيوعيين، ووفقا لعضو مجلس الشيوخ الأمريكي جوزيف مكارثي، الذي أبدى -بدون دليل- ادعائه بوجود عدد كبير من الجواسيس داخل الحكومة الأمريكية، ليستخدم مصطلح "المكارثية" فيما بعد لوصف الإرهاب الثقافي، ونعت المختلفين في محاولة لتنميطهم.
عن وحش المكارثية يدور فيلم "ترامبو"، يتحدث عن سيرة ذاتية للكاتب السينمائي في هوليود دولتن ترامبو، قبل أن يصعد تيار المكارثية، كان واحدا من الكتاب في عالم السينما، من ناحية أخرى، كان الخوف من الشويعيين مبررا وسط الحرب أيضا بين الجانبين، وفي العام 1943 انضم إلى حركة حقوق العمال، لتطاله الاتهامات عن انتماءه للشيوعية، وعدم الولاء لبلده الولايات المتحدة الأمريكية.
"تخريب النظام الديمقراطي بواسطة الأفلام" تهمة واجهت ترامبو في المحاكمة، بجانب تهمة الانتماء للنظام الشيوعي، وبجانب الايمان الأكبر المنتشر آنذاك بحرب المعلومات بين النظامين الأمريكي والسوفيتي، واجه ترامبو تلك المحاكمة، حتى أحد أصدقاءه الذي كان يسانده معنويا وماديا تخلى عنه وسط الحرب عليه، بعد الشهادة ضده أمام المحكمة.
أصبح ترامبو مطاردا من الجميع، وكان واحدا في القائمة السوداء التي تضم عشرة سينمائيين في هوليود، الخوف من الشيوعيين في المصالح العامة أصبح مبررا لرفض كثير من المطالبين بحقوق العمال، ومنهم ترامبو وأصدقائه، ليقضي الكاتب المخضرم فترة تبلغ عشرة أشهر في السجن، بعدها يخرج إلى سجن آخر حدوده المشاهد والمنتجين الرافضين لأعماله وجاره الذي كتب له عبارة كراهية على منزله الجديد.
لم يجد الكاتب بُدا من أن يبتكر حيلة وسط باب موصد من كل المنتجين، خصوصا أن اليهود اللذين كانوا أصحاب استديو هات وشركات كبرى أيدوا الحملة الرافضة لأي شخص ينتمي للشيوعية أو تطاله الشائعات بالدفاع عنها، وهو أن يكتب لمؤلفين صغار يستعين فقط بأسمائهم، عدة أفلام كتبها ترامبو من خلف ستار، ومع علم دائرة صغيرة جدا بتلك الحيلة.
لا يعتبر ترامبو فيلما لسيرة ذاتية يرصد حياة هذا المؤلف فحسب، بقدر ما يعطي العمل للمشاهد رؤية عن المجتمع الأمريكي في هذا الوقت، الذي رفض من يطالبون بحقوق للعمال بدعوى انتمائهم للحزب الشيوعي، ورفض كذلك أي توجه لهم داخل عالم السينما، فترامبو الحقيقي ولد سنة 1905، وتوفي 1976، الفيلم أيضا يطرح رؤية عن كيفية تعامل الساسة مع المعارضين، وكيف يدفع الإعلام الناس للكراهية إذعانا للنظام.
حيلة ترامبو للكتابة لآخرين لم تكن سهلة، بسبب بخس ثمن للسيناريو غير المشهور، اضطر ترامبو للكتابة ليلا ونهارا، أصبح أكثر حدة وعصبية في التعامل مع أولاده وزوجته، جذبته ماكينة الرأسمالية في هوليود لصناعة المزيد من الأفلام، وليس من بينها أفلاما ذات مغزى سياسي، في تلك المرحلة أصبح ترامبو أكثر غضبا وجنونا، حتى كتب فيلما مؤثرا باسم مستعار، عارضه صديق كان يرى أنه لابد أن ينشر ما يريد ويكتبه باسمه.
فيلمه "ذا بريف وان" أو "الفتى الشجاع" كان بمثابة تغير دارمي، حيث حصل على جائزة أوسكار لأفضل كاتب، جُن جنون هوليود في وقتها للبحث عن كاتب غير موجود، بعد كتابة ترامبو له باسم مستعار، لتضج هوليود بالشائعات أن من كتبها هو الكاتب الممنوع دولتن ترامبو، وتدعمها صحفية أمريكية أدت دورها ببراعة الممثلة هيلين ميرين، والتي برزت كصحفية ضد المعارضين، وفي الوقت ذاته تدافع عن النظام من خلال مقالاتها.
لم يجد الكاتب ترامبو بدا من الاعتراف بأنه الكاتب الحقيقي للفيلم، خاصة بعد فوزه للمرة الثانية بفيلم "سبارتكوس" عن أفضل سيناريو، وبعد طمأنة الرئيس الأمريكي جون كنيدي آنذاك بأن القائمة السوداء قد انتهى عهدها، وخاصة أن ترامبو قدم فيلما مبهرا دافع البطل فيه عن حقه في كتابة اسمه على تتر الفيلم، والذي أنزل دموع ترامبو بعد أن كتب جُل أفلامه بأسماء غيره.
وكذلك قدم ترامبو خطبة مؤثرة ألقاها في نهاية الفيلم، خلال تكريمه بعد عقدا من الاضطهاد، يوضح فيها أن القائمة السوداء كانت "وقت شر" ولم ينجو أحد منها، وكانت سلوك عدة أفراد لكنه أضر بكثير من الشخصيات، حيث كان وقت الخوف، الكثير فقدوا منازلهم بعد الشعور بالخزي، والبعض فقد حياته – في إشارة لرفيقه الذي رفض أن يخضع للعمل باسم مستعار -، موضحا أن للمكارثية ضحايا فقط وليس أبطال، بالإضافة للضغط الواقع على عائلته وزوجته.
أداء مبهر للمثل البارع براين كرانستون، والذي اشتهر في عالم التلفزيون بالمسلسل الشهير "بريكينج باد" واستحق أن يكون المرشح عن جائزة أفضل ممثل لجوائز أوسكار 2016 في قائمة ليست سهلة التنافس مع أبطال مميزين، ويكون هو الترشيح الوحيد للفيلم في فئات الأوسكار، عدة حالات وضعها براين أمام المشاهد من حياة الكاتب، خاصة داخل السجن وتحمله للمهانة، وأيضا الغضب الذي ملأوه عقب الخروج من السجن، وتعامله الحاد مع ابنته ثم ندمه على ذلك في أكثر من مشهد انساني ومؤثر بالعمل.
وكذلك قدم ترامبو خطبة مؤثرة ألقاها في نهاية الفيلم، خلال تكريمه بعد عقدا من الاضطهاد، يوضح فيها أن القائمة السوداء كانت "وقت شر" ولم ينجو أحد منها، وكانت سلوك عدة أفراد لكنه أضر بكثير من الشخصيات، حيث كان وقت الخوف، الكثير فقدوا منازلهم بعد الشعور بالخزي، والبعض فقد حياته – في إشارة لرفيقه الذي رفض أن يخضع للعمل باسم مستعار -، موضحا أن للمكارثية ضحايا فقط وليس أبطال، بالإضافة للضغط الواقع على عائلته وزوجته.
"القصة الرائعة جذبتني إلى العمل، بالإضافة إلى السيناريو الجيد".. هكذا يقول الممثل كرانستون خلال لقاء له متحدثا عن سبب انجذابه للعمل، مضيفا أن الحياة الشخصية لترامبو جاذبة لأن تظهر على الشاشة، كما أن الجانب السياسي لها هاما، أيضا الجانب الاجتماعي والعائلي للشخصية الواقعة تحت هذا الضغط، براين أيضا وجد المساعدة من خلال ابنتي ترامبو، إذ أنهم مازالوا على قيد الحياة، واعطوه عدد من التفاصيل الهامة عن السيناريست والأب ترامبو، مضيفا أن فكرة الفكرة التي ترفض المكارثية تتزامن مع الأيام الحالية، وتأكيدا أن الحرية هي في دفاعك عن حق الآخرين في الخطأ.
الفيلم رغم عدم ترشحه في أي فئة من فئات الأوسكار غير فئة أفضل ممثل، إلا أنه جاء فريدا في فئات أخرى، مثل الأزياء التي جاءت متناسقة مع أداء الشخصيات والفترة الزمنية للعمل، بالإضافة إلى أداء استثنائي للمثل ديفيد مالدونادو، الذي أدى دورا صغيرا لكنه مؤثرا في البطل كصديق لترامبو ظل ثابتا على موقفه، وأداء ناعم ومؤثر للمثلة زوجه كليو والتي قدمتها الممثلة الموهوبة دايان لين، بالإضافة إلى معالجة محترفة من المخرج جاي روتش، وكتابة للعمل- الذي قدم عنه من قبل أيضا فيلما وثائقيا- للكاتبين جون ماكنمارا ووبروس كوك.
فيديو قد يعجبك: