لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"بعد 30 عامًا من اغتياله" ما مصير عائلة فرج فودة وقتلته؟

08:39 م الخميس 09 يونيو 2022

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- وائل توفيق:

نجا جدار منزل فرج فودة، 21 شارع "النزهة" مصر الجديدة، من طلقات الرصاص، لكنه تهدم! اغتيل "رب البيت" أثناء خروجه من مكتبه بشارع أسماء فهمي في مدينة نصر. لا يزال البيت يئن إلى الآن، خلا من أهله.

في السادسة والنصف مساءً، 8 يونيو 1992، أنهى فرج فودة وصديقه وحيد رأفت حديثهم حول مشروعهم الجديد بمدينة الحرفيين، وخرجوا من المكتب تسبق خطواتهم ضحكاتهم.

فرحًا يمشي أحمد فرج فودة (15 عاما) على يسار والده الذي قرر أن يصطحبه في رحلة إلى فرنسا وأمستردام للمرة الأولى بمناسبة عيد الأضحى، وعلى اليمين في المقدمة أسرع محمد فاروق ليحضر السيارة ماركة "فولفو".

قبل أن يصل "فاروق" للسيارة بحوالي مترين أو ثلاثة أمتار، تبدل صوت "الضحك" بدوي "طلقات رصاص" السلاح الآلي لعضو الجماعة الإسلامية عبد الشافي أحمد رمضان. التفت خلفه فزعًا، الشاب الصغير "أحمد" يقفز على قدم واحدة، ويحاول "وحيد" إيقاف نزيف إحدى قدميه، وفرج فودة ملقى على وجهه.

هرول أحمد حارس العقار على وقع صوت ثلاث طلقات رصاص، قبل أن يقترب من الإرهابيين عبد الشافي أحمد رمضان وأشرف إبراهيم صالح، صرخ فيهم: "حرام عليكم" فأخرسته فوهة "الرشاش"، احتمى خلف سيارة بالقرب منه.

عم أحمد البواب

هرول أحد الأطباء من عمارة مجاورة لمقر المكتب، أدرك أن الرصاصة الرابعة انهت حياة فرج فودة.

هربا الإرهابيان "عبد الشافي" و "أشرف" بدراجتهم النارية -سُرقت لتنفيذ الاغتيال-في الاتجاه المعاكس لشارع أحمد تيسير ناحية تقاطع مترو مدينة نصر والدراسة، تبعهم "فاروق" الذي روى لـ"الأحرار" 15 يونيو 1992: "فكرت ساعتها أن الناس هتنقل المصابين للمستشفى ومحدش هيطاردهم، فخطفت المفاتيح من يد الدكتور فرج فودة وجريت وراهم حوالي عشر دقايق وخبطتهم ونزلت من العربية على أساس أن الخبطة افقدتهم الوعي ومش هيقوموا، وجريت وأنا بقول حرامية حرامية قتلوا الدكتور".

3c502143-4b81-4b98-b6b6-7e04c587b3d4

أمسك "إبراهيم" الرشاش وطارد "فاروق" لفترة طويلة مرددًا "لازم أقتلك، لازم أقتلك"، لكنه احتمى داخل جراج سيارات في إحدى العمارات.

وألقى أمناء الشرطة الموجودين في ميدان "الميرغني" القبض على عبد الشافي أحمد رمضان، وهرب أشرف إبراهيم صالح إلى مترو الدراسة.

c256e776-525c-4238-8335-d44547ccf856

نُقل فرج فودة لمستشفى الميرغني بمصر الجديدة، وحاول الأطباء إنقاذه من طلقات الرصاص التي أصابت الكبد والأمعاء، لكنه غادر الحياة بعد 6 ساعات. ونُقل ابنه "أحمد" لمستشفى عين شمس التخصصي يوم الخميس، 11 يونيو 1992 أول أيام عيد الأضحى، وسط إجراءات أمنية مشددة.

1b53edfa-0924-4061-85a1-3de816fb3f0c

رقد "أحمد" داخل غرفة العناية المركزة لعلاجه من كسور في العظام وتهتك في أجزاء من القولون. استخرج الأطباء، نبيل عبد المعطي وناهد صلاح رصاصة سكنت الأمعاء، واستأصلوا نصف الأمعاء الغليظة، وأجريت عملية لإيصال القولون ببعضه مرة أخرى، حيث اضطروا لعمل فتحة خارجية من الأمعاء على جلد جدار البطن مباشرة.

ونجا وحيد رأفت بإصابة وحيدة في فخذه الأيمن.

b1d9e320-9f8d-4d86-b870-7041a1a2d878

"سهام" زوجة فرج فودة في العقد الخامس، وابنها "ياسر" في أول سنواته الجامعية، و "سمر" في سن المراهقة، و"ياسمين" الطفلة، التقت بهم مجلة "المصور" بعد مرور 4 أيام من واقعة الاغتيال، تحديدًا في 12 يونيو 1992، تذكرت "سمر" أن إحدى المنتقبات قالت لوالدها في محاضرة: "لازم تخس الأول يا فودة"، فرد: "تعلمي أولا آداب الحوار". أما "ياسر" كان عائدًا لتوه من الإسكندرية، قطع دراسته في "الهندسة البحرية"، قال: "لم أكن أحب أن اشترك في جدال حوار أراء والدي مع زملائي". وأثقل الحزن لسان الزوجة.

cd3e1c25-f6c8-4397-ba23-83adafdde97c

بعدم خمس سنوات، خرجت "سمر" في مارس 1997، تدافع عن أسرتها في جريدة "الدستور" في مقال نُشر بعنوان "ليس في عائلة فرج فودة حرامي". قالت: "قرأت وقلبي يعتصر ألما مانشيتات في الصفحات الأولى بعضها بصورة والدي وتحمل خبرا نصه، نجل الكاتب فرج فودة يسرق مصوغات بـ155 ألف جنيه".

لم يكن هناك دليل على تورط شقيقها في السرقة سوى أن السارق أحد جيرانهم وزج باسم شقيقها في القضية ظنًا منه أن شهرة والدها تعتم على القضية وتؤدها، لكن الصحافة استغلت الأمر ونشرته، روت: "أحمد سرق وضبط متلبسا، ومنهم من كتب البحث عن نجل فرج فودة ومنهم من كتب أنه سجن، كل هذا الهراء وأخي أحمد لم يكن موجودا داخل القاهرة مطلقا أثناء الحادث فقد كان في رحالة هو أخي الكبيرة لمدة أربعة أيام في دهب استعداد لقضاء العيد هناك، وجاء بعد حادث السرقة بيومين بعدما أبلغته بالتليفون".

أسرعا الشقيقين "أحمد" و "ياسر" وقرأ الخبر في الصحف ثم توجها إلى أقرب نقطة شرطة لشرح ما يحدث في القاهرة، ويثبتا ذلك في محضر رسمي أنهما موجودان في دهب ولم يفارقاها مطلقا، وتم ترحيلهما، واعترف السارق بأن أحمد فرج فودة لم يكن موجودا وقت السرقة، وعرض على النيابة وأخلى سبيله.

فجيعة أخرى ضاعفت شعور المرارة، بعد خمس سنوات من الاغتيال، نشرت جريدة "الجمهورية" في عددها الصادر 28 مايو 1997 خبرًا بعنوان: "المخدرات قتلت ياسر فرج فودة".

تناول ياسر فرج فودة، 26 سنة، طالب جامعي، جرعة زائدة من أقراص "أبو صليبة" بعدما أدمنها لمدة 6 سنوات. حاول أطباء مستشفى سموحة بالإسكندرية إسعافه لكن القدر غلب.

أقام "ياسر" بمفرده في شقة في أبراج "المنتزه" بمحافظة الإسكندرية، وتناول ليلة الفاجعة الأقراص المخدرة، فشعر بإعياء شديد، استغاث بمكالمة هاتفية لصديقه إيهاب سعيد عبد الخالق الذي نقله للمركز الطبي بالمنتزه الذي فضل نقله إلى مستشفى سموحة، حيث فارق الحياة.

871a9368-bfdd-431d-8c3b-c9ef3444ab3f

بعد عامين من فجيعة "ياسر" توصلت جريدة "الجيل" 1999 أن تخرج عائلة فرج فودة من صمتها. "راوية" شقيقة "فودة" وصفت حالها وحال شقيقهم الأصغر "أنا وأخويا الصغير في حالة نفسية سيئة، تقدر تقول مرضى نفسيين، حالة اكتئاب عامة تسيطر على الأسرة كلها، خلت زوجة الدكتور فرج وابنه وأخوه في معاناة نفسية رهيبة وصلت للخوف الجنوني، يكفي تمر مناسبة ذكرى المرحوم أو أي حديث عنه أو كتبه بندخل في حالة هيستيرية، كرهنا الكتب والفكر والنظريات حتى اللي كان فرج بيقولها، مبقناش نتكلم حتى في ده مع بعض، لأنه كان سبب مأساتنا، إحنا بنخاف نتكلم عن سيرة المرحوم نفسه، وتصدق كمان أحنا بنخاف نقول أننا نعرفه، كنت بخلص ورق من نقابة الأطباء وشافني شخص طويل بلحية، لما قرأ اسمي غضب قوي، قالي راوية فودة، تستمرت في مكاني كنت مفزوعة قوي، قولتله لأ، معرفهوش، أحنا بقينا خايفين من كل الناس".

23178deb-4e83-414d-b125-3f0196b9e98c

اُعدم الإرهابيان، عبد الشافي أحمد رمضان، وأشرف إبراهيم صالح 1993، لكن "راوية" قالت: " لسه شايفين كل الناس راكبة موتوسيكل وماسكة مدافع رشاشة وعايزة تضربنا بالرصاص، زي ما ضربوا أخويا فرج من سبع سنين، الدولة بتكرهنا زي ما كانت بتكرة فرج بالظبط، ومفيش مساعدة ولا أي حاجة، غير المعاش اللي بنصرفه من وزارة الشئون الاجتماعية 500 جنيه، ينفق منه 5 أفراد كانوا بيعشوا في مستوى مادي كويس وقت حياة أبوهم".

واستمرت "راوية" والمرارة تتصاعد في حلقها: "إحنا أكتر أسرة الصحافة تكلمت عنها بالشائعات، حتى في حياة فرج، هما كانوا يحبوا يهاجموه أو يردوا على مقالاته، مرة أتكلم عن زواج المتعة، فراح واحد كاتب تاني يوم مقال، أنا عايز اتمتع ببنتك ساعتين أو ساعة".

1

أبو العلا عبد ربه، الذي ساعد الإرهابين بالأموال، حُكم عليه بالمؤبد، وظل 20 عامًا في السجن إلى أن وصل محمد مرسي "قيادي بجماعة الإخوان" لرئاسة الجمهورية عام 2012، ليفرج عن "أبو العلا" بقرار عفو رئاسي.

cac96bfc-e219-4ce1-8f40-21f48d13fdbe

مر عام واحد، ظهر خلاله "أبو العلا" في لقاءات تلفزيونية عديدة، يؤكد أنه ساهم في اغتيال فرج فودة بناء على فتوى شرعية من علماء الأزهر من بينهم الشيخ محمد غزالي، لكونه مرتدًا عن الإسلام.

لم ينقضي عام 2012 حتى سافر "أبو العلا" إلى سوريا، لينضم لتنظيم داعش بعدما استقال من عضوية الجماعة الإسلامية التي هاجمته لأفكاره وآرائه وقتها، خاصة وأنه اعترف أنهم أخطأوا في بعض العمليات الإرهابية التي شاركوا فيها فترة السبعينات والثمانينات والتسعينات من بينها عملية الأقصر.

555

وكان عبد ربه يستعرض عبر صفحته بموقع "فيس بوك" صورًا لعمليات نفذها مع جماعات إرهابية يتولى قيادتها، بينها صورة لجلوسه على دبابة، وافتخاره بالهجوم على عدد من رجال الأمن، والاستيلاء على أسلحتهم.

بعد 4 سنوات تقريبًا من انضمامه لتنظيم داعش الإرهابي، لقى أبو العلا عبد ربه مصرعه في غارة جوية بسوريا.

255

قُتل وأعدم مرتكبي عملية اغتيال فرج فودة، ومر 30 عامًا، لكن الذكرى لا تزال تخلع قلوب عائلة "فودة"، تصف ابنته "سمر": "حرقوا قلوب أطفال وأم كان فرج فودة بالنسبة لهم الدنيا وما فيها، كان بالنسبة لهم نافذة على العالم اللي بيبصوا منه على الدنيا، وكانت أجمل دنيا، حرقوا قلوبنا وحرقتم معاه تاريخكم وحاضركم ومستقبلكم، اليوم يوم احتفال للجميع ويوم عزاء عندنا، يوم بتمني كل سنة إني مكنش موجودة، وميعديش وميجيش، ويا ليتني لم أولد قط".

فيديو قد يعجبك: