لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الإمام ابن ماجة

10:07 م الثلاثاء 13 مايو 2014

heder

نسبه وموطنه:

هو الإمام الحافظ الكبير أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه الربعي القزويني. قال ابن خلكان: "ماجه": بفتح الميم والجيم وبينهما ألف وفي الآخر هاء ساكنة، "والقزويني": بفتح القاف وسكون الزاي وكسر الواو وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون، هذه النسبة إلى قزوين، وهي من أشهرمدن عراق العجم. ا.هـ.

"وقزوين هذه كانت قد فتحت في خلافة عثمان بن عفان، وكان الصحابي الجليل البراء بن عازب أول والٍ عليها، وذلك سنة أربع وعشرين من الهجرة، ومنذ ذلك الحين دخلها الإسلام واستوطنها الفاتحون العرب، وتسرب إليها اللسان العربي، وما كاد يطل القرن الثالث الهجري حتى اكتسبت قزوين شهرة كبيرة في علم الحديث، وبرز فيه عدد كبير من المحدثين.

مثل: الحافظ علي بن محمد أبي الحسن الطنافسي المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين من الهجرة، والحافظ عمرو بن رافع البجلي المتوفى سنة سبع وثلاثين ومائتين من الهجرة، وإسماعيل بن توبة المتوفى سنة سبع وأربعين ومائتين من الهجرة، ثم كان أشهرهم ابن ماجه صاحب السنن وشخصية هذا البحث.

وقد بلغ من مكانة قزوين واتساع الحركة العلمية فيها أن خصها بعض أبنائها بالتأريخ لها وترجمة أعيانها وعلمائها، ومن أشهر هذه الكتب: التدوين في أخبار قزوين للحافظ الرافعي المتوفى سنة اثنتين وعشرين وستمائة من الهجرة". (بتصرف من موقع إسلام أون لاين).

وفي سنة تسع ومائتين من الهجرة، الموافق أربع وعشرين وثمانمائة من الميلاد استقبلت قزوين مولد أبي عبد الله محمد بن يزيد الربعي، (المعروف بابن ماجه) ليخلد لها ذكرا بين بقية أمصار العلم والحضارة الإسلامية الأخرى.

تربيته وحياته:

وعن حياته الأولى فقد نشأ ابن ماجه في جو علمي، وشب محبا للعلم الشرعي بصفة عامة وعلم الحديث بصفة خاصة؛ فحفظ القرآن الكريم، وتردد على حلقات المحدثين التي امتلأت بها مساجد قزوين، حتى حصّل قدرًا كبيرًا من الحديث.

ولأنه ما ازداد امرؤ علما إلا ازداد علما بجهله فإن ابن ماجه لم يكتف بما حصله في بلده، وإنما تطلع إلى رحلة فسيحة في الآفاق في طلب الحديث النبوي الشريف، "وكانت هذه العادة من تقاليد العصر التي التزمها كبار المحدثين لملاقاة الشيوخ، استنادًا إلى نصوص الحديث التي تحث على طلب العلم، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة"، وقد صدّر الإمام البخاري كتاب العلم في صحيحه بباب الخروج في طلب العلم، وجاء في مقدمة الباب: "ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد".

وبلغ من أهمية الرحلة في طلب الحديث أن وضع فيها مؤلفات تضم الأصول والإرشادات التي على طالب العلم المرتحل أن يتتبعها ويلتزم بها".

وبهذا التقليد العلمي لكثير من أئمة الحديث في ذلك العصر هاجر ابن ماجه سنة ثلاثين ومائتين من الهجرة، وكان آنذاك في الثانية والعشرين من عمره - هاجر في طلب الحديث ومشافهة الشيوخ والتلقي عليهم، فرحل إلى خراسان، والبصرة والكوفة، وبغداد ودمشق، ومكة والمدينة، ومصر، وغيرها من الأمصار، متعرفا ومتطلعا على العديد من مدارس الحديث النبوي الشريف، حيث أتاحت له هذه الفرصة أن يلتقي بعدد من الشيوخ في كل قطر وفي كل بلد ارتحل إليها.

شيوخــــــــــــــه:

نظرا لكثرة أسفاره ورحلاته فكان له شيوخ في كل قطر وكل مصر ذهب إليه، فكان من شيوخه علي بن محمد الطنافسي الحافظ، وقد أكثر عنه، وإبراهيم بن المنذر الحزامى المتوفى سنة ست وثلاثين ومائتين من الهجرة، وهو تلميذ البخاري، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وجبارة بن المغلس، وهو من قدماء شيوخه، وعبد الله بن معاوية، وهشام بن عمار، ومحمد بن رمح، وداود ابن رشيد، وخلق كثير مذكورين في سننه وتآليفه.

ثم بعد رحلة شاقة استغرقت أكثر من خمسة عشر عامًا عاد ابن ماجه إلى قزوين، واستقر بها، منصرفًا إلى التأليف والتصنيف، ورواية الحديث بعد أن طارت شهرته، وقصده الطلاب من كل مكان.

تلاميـــــــــــــذه:

لم يكن ليقتصر النشاط العلمي لابن ماجة على التأليف فقط، بل تعداه إلى التعليم وإلقاء المحاضرات والدروس, وكان أشهر من روى عنه وتتلمذ على يده علي بن سعيد بن عبدالله الغداني، وإبراهيم بن دينار الجرشي الهمداني، وأحمد بن إبراهيم القزويني جد الحافظ أبي يعلى الخليلي، وأبو الطيب أحمد بن روح المشعراني، وإسحاق بن محمد القزويني، وجعفر بن إدريس، والحسين بن علي بن برانياد، وسليمان بن يزيد القزويني، ومحمد بن عيسى الصفار، وأبو الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة القزويني الحافظ، وأبو عمرو أحمد بن محمد بن حكيم المدني الأصبهاني، وغيرهم من مشاهير الرواة.

مؤلفاتــــــــــــه:

لم تكن شهرة ابن ماجه رحمه الله بسبب دروسه ومحاضراته فقط، وإنما كان ذلك أيضا - وهو الأهم - بسبب مؤلفاته ومصنفاته التي طارت شهرتها في الآفاق، غير أن من المؤسف أن يكون معظمها قد ضاع مع ما ضاع من ذخائر تراثنا العظيم، فكان له تفسير للقرآن وصفه ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" بأنه "تفسير حافل"، وأشار إليه السيوطي في كتابه "الإتقان في علوم القرآن".

وله أيضًا كتاب في التاريخ أرخ فيه من عصر الصحابة حتى عصره، وظل موجودًا بعد وفاته مدة طويلة؛ إذ شاهده الحافظ ابن طاهر المقدسي المتوفى سنة سبع وخمسمائة من الهجرة، وكان قد رأى عليه تعليقًا بخط جعفر بن إدريس تلميذ ابن ماجه، وقال عنه ابن كثير بأنه "تاريخ كامل"، ووصفه ابن خلكان بأنه "تاريخ مليح"، ونأسف ثانية أن نعلم أنه لم يبق من هذه الآثار القيمة إلا كتابه "سنن ابن ماجة" في الحديث، وهو أحد الصحاح الستة.

سنن ابن ماجه.. مكانته ومنهجه فيه:

طبقت شهرة كتاب "سنن ابن ماجه" الآفاق، وبه عرف ابن ماجه واشتهر، واحتل مكانته المعروفة بين كبار الحفاظ والمحدثين، وهو من أَجَلِّ كتبه وأعظمها وأبقاها على الزمان، وقد عد الكتاب رابع كتب السنن المعروفة، وهي سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ومتمم للكتب الستة التي تشمل إلى ما سبق صحيح البخاري ومسلم، وهي المراجع الأصول للسنة النبوية الشريفة وينابيعها.

"والمتقدمون من العلماء كانوا يعدون هذه الكتب الأصول خمسة ليس من بينها سنن ابن ماجه، غير أن المتأخرين أدخلوها ضمن الكتب الستة المعتمدة، وأول من جعلها كذلك هو الإمام الحافظ ابن طاهر المقدسي، الذي وضع كتابًا في شروط الأئمة الستة، وآخر في أطراف الكتب الستة، أي في جميع الأحاديث التي تشتمل عليها، وبعد ذلك اتفق معه في الرأي جميع الأئمة.

وكان العلماء قد بحثوا أي المصنفين يكون السادس بين كتب الصحاح: موطأ الإمام مالك أم سنن ابن ماجه، ويجيب على هذا العلامة المحدث عبد الغني النابلسي المتوفى سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف من الهجرة فيقول في مقدمة كتابه "ذخائر المواريث في الدلالة على موضع الحديث": "وقد اختُلف في السادس، فعند المشارقة هو كتاب السنن لأبي عبد الله محمد بن ماجه القزويني، وعند المغاربة الموطأ للإمام مالك بن أنس، ولكن عامة المتأخرين اتفقوا على أن سنن ابن ماجه هو أولى من الموطأ، وهو السادس في الصحاح".

وقال السخاوي: "وقدموه على الموطأ لكثرة زوائده على الخمسة بخلاف الموطأ".

وكان منهج ابن ماجه في كتابه هذا هو أنه رتبه على كتب وأبواب، حيث يشتمل على مقدمة وسبعة وثلاثين كتابًا، وخمسمائة وألف باب، تضم أربعة آلاف وثلاثمائة وواحدا وأربعين حديثًا، ومن هذه الأحاديث اثنان وثلاثة آلاف حديث اشترك معه في تخريجها أصحاب الكتب الخمسة، وانفرد هو بتخريج تسعة وعشرين وثلاثمائة وألف حديثًا، وهي الزوائد على ما جاء في الكتب الخمسة، من بينها ثمان وعشرين وأربعمائة حديثًا صحيح الإسناد وتسعة عشر ومائة حديثًا حسن الإسناد، وهذا ما أشار إليه ابن حجر بقوله: "إنه انفرد بأحاديث كثيرة صحيحة".

وقد أحسن ابن ماجه وأجاد حينما بدأه بباب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساق فيه الأحاديث الدالة على حجية السنة، ووجوب اتباعها والعمل بها.

السنن في ميزان النقد:

كغيره من كل الكتب لاقى "سنن ابن ماجه" جملة من التعليقات، أحيانا بالرضا والقبول وأحيانا أخرى بالنقد والتجريح، وهو ليس مصونا عن الخطأ فلم يولد بعد من يؤلف كتابا لا ينتقده هو نفسه ولو بعد حين من الدهر، فكان في "سنن ابن ماجه" الصحيح، والحسن، والضعيف، بل والمنكر والموضوع ولكن على قلة، ومهما يكن من شيء فالأحاديث الموضوعة قليلة بالنسبة إلى جملة أحاديث الكتاب، التي تزيد عن أربعة آلاف حديث، فهي لم تَغُضَّ من قيمة الكتاب.

وقد قال الذهبي: "سنن أبى عبد الله كتاب حسن لولا ما كدره أحاديث واهية ليست بالكثيرة".

وقال أيضا: "فعن ابن ماجه قال: عرضت هذه السنن على أبى زرعة فنظر فيه، وقال: أظن إن وقع هذا في أيدى الناس تعطلت هذه الجوامع أو أكثرها، ثم قال: لعل لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا مما في إسناده ضعف".

وقال (الذهبي) معلقا: "وإنما غض من رتبة سننه ما في الكتاب من المناكير، وقليل من الموضوعات، وقول أبي زرعة - إن صح - فإنما عنى بثلاثين حديثا، الأحاديث المطرحة الساقطة، وأما الاحاديث التي لا تقوم بها حجة فكثيرة، لعلها نحو الألف.

ولا يفوتنا هنا أن نورد تعليق الحافظ ابن حجر حين يقول: "كتابه في السنن جامع جيد كثير الأبواب والغرائب، وفيه أحاديث ضعيفة جدا حتى بلغني أن السري كان يقول: مهما انفرد بخبر فيه هو ضعيف غالبا، وليس الأمر في ذلك على إطلاقه باستقرائي، وفي الجملة ففيه أحاديث منكرة والله تعالى المستعان".

هذا ولقيمة هذا الكتاب ومكانته، فقد أولاه كبار الحفاظ والمحدثين عناية خاصة، فراحوا يسهبون في شروحه ويضعون عليه من تعليقاتهم، وكان من ذلك:

- "شرح سنن ابن ماجه": للحافظ علاء الدين مغلطاي، المتوفى سنة اثنتين وستين وسبعمائة من الهجرة.

- "ما تمس إليه الحاجة على سنن ابن ماجه": لسراج الدين عمر بن علي بن الملقن، المتوفى سنة أربع وثمانمائة من الهجرة، واقتصر فيه على شرح الأحاديث التي انفرد بروايتها ابن ماجه، ولم تدرج في كتب الصحاح الخمسة.

- "الديباجة في شرح سنن ابن ماجه": للشيخ كمال الدين محمد بن مرسي الدبيري، المتوفى سنة ثمان وثمانمائة من الهجرة.

- "مصباح الزجاجة في شرح سنن ابن ماجه": للجلال الدين السيوطي، المتوفى سنة إحدى عشر وتسعمائة من الهجرة.

- "شرح سنن ابن ماجه": للمحدث محمد بن عبد الهادي السندي، المتوفى سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف من الهجرة.

وقد أفرد زوائد السنن العلامة المحدث شهاب الدين أحمد بن زين الدين البوصيري في كتاب وخرجها، وتكلم على أسانيدها بما يليق بحالها من صحة وحسن وضعف.

آراء العلماء فيه:

نال ابن ماجه إعجاب معاصريه وثقتهم؛ إذ كان معدودا في كبار الأئمة وفحول المحدثين، فقد قال عنه ابن خلكان: "كان إماما في الحديث عارفا بعلومه وجميع ما يتعلق به"، كما وصفه الخليلي بأنه "ثقة كبير متفق عليه محتج به، له معرفة بالحديث وحفظ"، ثم هو الذهبي يقول عنه "كان ابن ماجة حافظا ناقدا صادقا، واسع العلم".

وقد رثاه محمد بن الأسود القزويني بأبيات أولها: 

لقد أوهى دعائم عرش علم ... وضعضع ركنه فقد ابن ماجه.

كما رثاه يحيى بن زكرياء الطرائفي بقوله: 

أيا قبر ابن ماجة غثت قطرا ... مساء بالغداة والعشي

وفاتـــــــــــه:

بعد عمر حافل بالعطاء في الحديث النبوي الشريف دراية ورواية، دارسا ومدرسا ومؤلفا، رحل ابن ماجه رحمه الله عن دنيا الناس، وذلك يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائتين من الهجرة؛ وصلى عليه أخوه أبو بكر، وتولى دفنه أخواه أبو بكر وعبد الله وابنه عبد الله.

المصدر: موقع الدار الإسلامية للإعلام

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان