إعلان

حياة مؤقتة| العيش مع غرباء 40 عامًا بمَسْكَن للإيواء (فيديو)

05:25 م الإثنين 14 يونيو 2021

حياة مؤقتة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمود عبدالرحمن:

فيديو- نسيم عبدالفتاح

غلاف- أحمد مولا

أواخر سبعينيات القرن الماضي، أخطرت لجنة مشكلة من هيئة الآثار ومحافظة القاهرة عددًا من الأهالي بالاستعداد لإخلاء منازلهم، أثناء جولتها التفقدية لفحص عدد من البنايات بمنطقة الجمالية بالقاهرة الفاطمية، كان من بين الأهالي أسرة "حمود مرزوق"، المقيم آنذاك بالعقار رقم 4 حارة سماحة، بشارع الدرملي.

العقار سيدخل ضمن المباني الأثرية، وسنوفر لكم شقة مؤقتة للإقامة بدلًا من التي تقيم فيها حاليًا حتى نوفر لك شقة دائمة؛ هذا ما أوضحته اللجنة لـ"حمود" وأسرته؛ بعدها بأيام علمت الأسرة من موظف الحي أن مكان إقامتها الجديدة سيكون في مساكن الإيواء بالدويقة، وتحديدًا بلوكات "الاتنينات" التابعة لحي منشأة ناصر.

1

مساكن "الاتنينات" التي نقلت لها أسرة "حمود"، تعتبر أحد إيواءات حي منشاة ناصر، أُنشئت عام 1977 بقرار رئاسي آنذاك؛ لتكون مقرًا مؤقتًا لإقامة الأسر التي تتضرر مسكنهم من الكوارث الطبيعية، أو تتعرض للانهيار، أو صدر لهم قرار إخلاء إداري؛ حتى توفر الدولة لهم مسكنًا دائمًا، تجاورها بلوكات "الوحايد"، و"التلاتات"؛ التي سميت بهذه الأسماء طبقًا لعدد الأدوار في كل منطقة إيواء.

أسرة "حمود" كانت أحسن حظًا من أسرتي "نجفة السيد"، و"محمد علي"، اللذين أصبحا جارين لـ"حمود في أوائل الثمانينيات، لكنهما كان أقل حظًا منه، حيث تشاركا معًا في شقة واحدة، كل أسرة لها غرفة تقيم بها، والحمام بأسبقية الاستخدام: "اللي يلحق كان يدخل الأول"، كما تحكي "نجفة"، وحولت "نجفة" صالة الشقة؛ لتكون مطبخًا لغرفتها، بينما أسرة "محمد" كان من نصيبها مطبخ الشقة.

لكن ثلاثتهم "حمود، نجفة، محمد" لم يغادروا شقة الإيواء بعد انتهاء الـ6 أشهر، كما نصت العقود التي حصلوا عليها من محافظة القاهرة، التي وعدتهم شفهيًا بتوفير شقق سكنية للإقامة الدائمة لهم قبل نهاية المدة المحددة.

FotoJet

"نجفة ومحمد" أسرتان لا تربطهما صلة قرابة، يعتبران نموذجًا لمئات الأسر التي نقلتهم محافظة القاهرة في ثمانينيات القرن الماضي من مناطق وأحياء بالعاصمة "شبرا، بولاق أبوالعلا، باب الشعرية، الدرب الأحمر، الجمالية" للإقامة بمساكن الإيواء بالدويقة، يتشاركون الإقامة في شقة لا تتجاوز مساحتها 60 مترا، لكل منهما غرفة تقدر مساحتها بـ9 أمتار، بالنهار تكون غرفة معيشة واستقبالًا لضيوفهم، وفي الليل تتحول لغرفة النوم لأسرة مكونة من 3 أو 4 أو 5 أفراد.

شقة أسرتي "محمد علي ونجفة السيد"، تُعرف في السجلات الحكومية برقم 31، وتظهر التصدعات والشروخ على جدرانها التي يتجاوز عمرها 40 عامًا، وتدرجها وحدة تطوير العشوائيات بمحافظة القاهرة ضمن المناطق العشوائية غير الآمنة، وفقًا لمديرها المهندس خليل شعث.

تسترجع "نجفة" ذكريات الماضي، عندما جاءت بصحبة زوجها في ثمانينيات القرن الماضي، السنة الأولى كانت صعبة؛ كانت الحياة هنا تفتقد لأبسط مقومات الحياة، فالكهرباء والماء لم تصل إلى المنطقة: "كنت أمشي كل يوم ساعة عشان أجيب مياه من قرب الدراسة"، وتوفي زوجها وتركها مع طفلين من ذوي الاحتياجات الخاصة، يشاركها في الشقة التي يقيمون فيها أسرة أخرى، لا يعرفونها ولا يعلمون عنها شيئًا؛ سوى أنهم فقدوا مساكنهم وجاءوا للإقامة في مساكن الإيواء.

2

"صعبة لما تسكن مع حد غريب متعرفهوش في مكان واحد"، تتحدث "نجفة" عن حياتها في مسْكن الإيواء، قبل الأولاد ما تكبر كان في تفاهم بيننا ومعاملة طيبة، لكنها لم تدم بعد وجود أبنائي وأبناء جارها خاصة بعد وفاة زوجه: "هما كان معاهم بنات وأنا أولاد"، أولادي كانوا معاقين ويحتاجون إلى معاملة خاصة: "كنت لازم أشيلهم للحمام"، تتذكر ذات مرة عندما ظل ابنها يطلب منها الدخول للحمام، وكان مشغولًا من أسرة جارهم؛ لتضطر أمام إصرار ابنها لمطالبته بقضاء حاجته في مكانه".

"بنتي لما دخلت الجامعة غيرت محل إقامتها وراحت تعيش مع أختها المتزوجة"، تحكي "فاطمة عبدالرحمن"، التي انهار منزلها بمنطقة روض الفرج في شبرا بسبب زلزال 1992؛ لتنقل مع غيرها من الذين تضرروا من الزلزال إلى مساكن "أحمد رزق، بالدويقة": "لما شوفت المكان انهرت من العياط"، تتذكر "فاطمة" التي لم توفر لها المحافظة شقة سكنية تعيش فيها بمفردها بعد انتهاء الـ6 أشهر، التي حددها مسؤولو الحي لتخصيص شقة دائمة لها؛ لتقرر الإقامة مع والدتها المتزوجة من عمها، بمنطقة دار السلام؛ هربًا من العيشة التي وصفتها بالمأساوية: "لما روحت كان التعامل كويس بس بعدها حصلت مشاكل"؛ لتتحول تلك المعاملة إلى خلافات مستمرة انتهت بطردها وزوجها وأطفالها الثلاثة": "ابن عمي قال محدش يقعد معانا هنا"، لذا كانت مجبرة للعودة إلى الإيواء مرة أخرى.

3

أسرة "فاطمة" المكونة من 5 أفراد، ترك ثلاثة من بناتها مسكنهن المشترك، فالأولى تزوجت خارج حي منشية ناصر، بينما الثانية التي تزوجت عندما كان عمرها 15 عامًا، للهروب من العيش في مسْكن الإيواء: "وافقت عشان زهقت من العيشة، قلت أي عيشة هتكون أحسن من هنا"، لكنها عادت إليه مجددًا بعد طلاقها.

تزوجت الفتاة الثانية ومر ثلاثة أعوام، كانت حياتها فيها مستقرة، لكن سرعان ما تحول ذلك الاستقرار إلى انفصال، بعدما عرف زوجها طريق تعاطي المواد المخدرات، وبيعه كل أغراض الشقة؛ لتجد نفسها في الشارع دون مأوى برفقة طفلها الصغير، ولتعود إلى والدتها: "الإيواء مش بدفع فيه إيجار ولا مياه ولا كهرباء"، تقول الابنة، التي تحمل البيئة التي تقيم فيها ما حدث لها من زواج مبكر للهروب إلى عيشة أفضل: "أنا لو ساكنة في منطقة أحسن من دي أكيد كنت هكمل تعليمي وهرفض أتجوز وأنا لسه طفلة".

وعن ابنتها الثالثة التي تدرس حاليًا بالجامعة تقول "فاطمة": "بنتي مش حابه تعيش هنا وتقيم مع شقيقتها المتزوجة مؤقتًا"، لكنها تأتي إلى الإيواء في أيام إجازات زوج شقيقتها.

4

في شقة أخرى بجوار شقة "نجفة"، يتقاسم "محمد عبدالله" الإقامة مع أسرة أخرى، رغم وفاة والدته وولده وزواج شقيقاته، لكنه لا يستطيع التفكير في الزواج، بسبب إقامته في مساكن الإيواء، التي يراها لا تصلح لحياة زوجية: "أنا بفضل أستني لحد آخر الليل عشان أدخل الحمام"، يقول "محمد"، الذي يعمل فني كهربائي، واصفًا مدى الإحراج الذي يجده حال دخول الحمام في تجمع أفراد الأسرة المجاورة في الشقة، متسائلًا: كيف يتزوج في تلك الظروف، فكر محمد في مغادرة الغرفة التي يقيم بها عدة مرات، لكن سوء الحالة المادية يجعله يتراجع: "أنا يوم شغال وعشرة لأ، والسكن اللي بره محتاج إيجار ومصاريف"، يقولها الشاب.

مائدة الرحمن تقدم لروادها من قاطني مساكن الإيواء وجبتين يوميًا: "بنقدم وجبة فطار وغداء لأهالي المنطقة طول السنة"، يقول أحد العاملين بالمائدة -رفض ذكر اسمه-، وبسبب الوباء يوزع القائمين على المائدة الوجبات على الأهالي في المنزل ضمن الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا".

"يسكنون في شقق زي بتوع العشوائيات"، يطالب "محمد ونجفة وفاطمة"، المحافظة بتسكينهم في المدن جديدة أو المناطق التي يتم تطويرها، كما حدث مع سكان المناطق العشوائيات القريبة منهم: "ناس كتير في الدويقة تم نقلهم لمساكن جديدة"، خاصة أن إقامتهم بمساكن الإيواء مؤقتة حتى توفير المحافظة البديل، وهو ما لم يحدث رغم مرور أكثر من 40 عامًا.

مساكن الإيواء بالدويقة من المناطق العشوائية غير الآمنة المدرجة ضمن خطة التطوير خلال الفترة المقبلة، بحسب المهندس خليل شعث، مدير وحدة تطوير العشوائيات بمحافظة القاهرة، مرجعًا السبب في التأخر في تطويرها إلى وجود 109 مناطق عشوائية في القاهرة بين مناطق غير مخططة وغير آمنة، تخضع للتطوير على مراحل وفقًا لدراسات ميدانية تحدد الأولوية في عملية التنفيذ.

فيديو قد يعجبك: