إعلان

حوار- من طفل صامت لصاحب أكثر الكتب مبيعا... حكاية الأمريكي الذي هزم "التوحد"

05:33 م الخميس 09 مايو 2019

كيري ماجرو

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

كتبت-دعاء الفولي:

بينما لم يكمل كيري ماجرو العاشرة من عمره، كانت والدته تتردد على المدرسة التي التحق بها بشكل دائم، تطلب من مدرسيه مساعدته، تعطيهم مفاتيح شخصيته، تساعد ذوي الاحتياجات الخاصة في مؤسسات مختلفة لتتدرب على دعمه بالشكل اللائق. على مدار 30 عاما، ظل والدا ماجرو حصنه، علماه التعامل مع "التوحد"، بعد تشخيصه في سن صغيرة، درباه على الحياة، فبات أكثر صلابة، لم يدرك فقط أن التعايش مع التوحد ممكنا، بل صار متحدثا محترفا ينشر التوعية بالمرض، أصبح قِبلة أهالي هؤلاء الأطفال، يكتب عنهم، ويدعمهم بشتى الطرق.

دائما ما أدرك والدا ماجرو أنه مختلف "ظللت حتى العامين ونصف لا أتكلم، لا أصدر أصواتا حتى"، يقول الكاتب في حواره لمصراوي. في تلك اللحظة بدأت رحلة الثلاثة بين الأطباء في ولاية نيوجيرسي وخارجها، وعقب عام ونصف تم تشخيص ماجرو باضطراب طيف التوحد؛ حينها تغير كل شيء في لحظة.

صورة 1

لا يتذكر ماجرو أيام طفولته الأولى، ولكنه يفعل جيدا مع أعوام المراهقة، فبينما يتعرف أصدقاؤه بالمدرسة على أناس جدد ويدخلون في علاقات غرامية، كان هو يتنقل بين الأطباء ليحسن قدرته على الكلام "واظبت على تلك الزيارات لخمسة عشر عاما.. كان الأمر مرعبا ألا أتمكن من إخبار أبي شيئا، ألا أستطيع أن أقول له أحبك مثلا"، واجه ماجرو الظروف بشجاعة، لم تدربه والدته على التعايش فقط "بل والحلم.. أن أفكر لنفسي، وأفكر فيما يجب فعله".

يصيب اضطراب التوحد الأطفال، ويتصف بضعف التفاعل الاجتماعي، والتواصل اللفظي وغير اللفظي، وعادة ما تتضح آثاره قبل عمر الثلاث سنوات. رغم ما مر به ماجرو "لم يغفل والداي إلحاقي بأكثر من فرقة مسرحية، اصطحباني لمشاهدة العروض الفنية بشكل دائم"، كان وعي الشاب يتكون من خلال تلك الأشياء، يخزنها ويتغذى عليها عقله، فينفتح ويصبح أكثر قدرة على المقاومة.

صورة 2

حين أدرك ماجرو أنه يُعاني من أمر جلل "لم أعرف وقتها هل سأستطيع تحقيق أي شيء أو لا"، تتابعت عليه النوائب لكن صمد على التعلم؛ فأنهى المرحلة الثانوية بنجاح وجاءت اللحظة الفارقة في حياته، أراد ابن الثامنة عشر أن يلتحق بالجامعة، كانت المحاولة جنونية، غير أن الشاب ووالديه علما أن الفرصة تستحق، أرسلوا طلبات لكل الجامعات الممكنة داخل نيو جيرسي وخارجها، أعلموهم بحالته الصحية، والتطور الذي وصل له، ففي تلك المرحلة كان ماجرو يتكلم بطلاقة، ويكسر حاجز المرض مع الوقت "انتظرنا ردود الجامعات على مدار الإجازة.. كان ذلك الصيف هو الأطول في حياتي".

صورة 3

الخطاب الأول جاء بعد أسابيع قليلة من جامعة ويسكنسن وايت ووتر، الواقعة بولاية ويسكنسن الأمريكية، قلب الشاب ظل يدق بعنف "احتفظنا بالخطاب ولم نفتحه لمدة 3 أيام"، حتى واتتهم الشجاعة ليفعلوا "كُتب فيه أنه تم قبولي والجامعة على أتم استعداد لدعمي ومساعدتي"، كمن يرى النور لأول مرة شعر ماجرو، كان ذلك أقصى ما يريد، غير أنه بنهاية الصيف تم قبوله في 13 جامعة أخرى، اختار منهم "وايت ووتر".

صورة 4

حياة ماجرو ليست رغدة؛ لكنه الآن يعمل كعضو في الجمعية الأمريكية للتوحد، ظهر كمحاضر عن التوحد في أكثر من 600 مناسبة داخل وخارج الولايات المتحدة، فيما نشر 3 كتب عن المرض؛ أولهم عن رحلته كطفل، والثاني عن تجربته مع الوقوع في الحب بينما هو مصاب بالمرض، بينما كان الثالث موجها للأطفال لتعريفهم بالتوحد. طاف صاحب الـ35 عاما دول عديدة ليتحدث عن التوحد، آخرها مصر.

في إبريل الماضي، أو ما يُعرف بشهر التوعية بالتوحد، زار ماجرو القاهرة لإلقاء عدة محاضرات، بدعوة من الجمعية المصرية للتوحد، قابل أسرا مصرية تمر بنفس تجربته، سمع حكاياتهم "كانت أغلبها عن تقبل المجتمع لأبنائهم"، فيما جاء رده متشابها "كنت أخبرهم ألا يستمعوا لأحد.. فلو استمع أبواي لمن حولهما، لما كنت هنا اليوم".

صورة 5

الجامعة هي المرحلة الفارقة في حياة ماجرو، يتذكر الفزع الذي دب بقلبه أول يوم في الدراسة "تعين علي التعامل بمفردي.. المجتمع مفتوح ومتنوع.. ولا يفهم الجميع ما أمر به"، كان كمن ألُقى به في المحيط دون طوق نجاة، غير أن والدته ظلت خط الدعم، وذلك الانفتاح ساعده على مقابلة المزيد من البشر، حتى قرر في العام الثاني من الدراسة أن يسخر كل جهده للحديث عن التوحد "كنت أتمنى أن يعرف الناس أن لدينا قدرات.. لسنا مثيرين للشفقة أو مدعاه للبكاء".

استغل ماجرو كل فرصة لتوصيل رسالته، حتى تم اعتماده عام 2011 من قبل الرابطة الوطنية للمتحدثين بالولايات المتحدة، كمتحدث محترف عن التوحد، لكنه لم يرغب في الاكتفاء بالكلام، فمنذ ثمان سنوات، أنشأ مؤسسة بعنوان "كيري ماجرو يصنع الاختلاف"، والتي توفر منحا للمتعايشين مع التوحد ليلتحقوا بالجامعات "وفرنا حتى الآن 50 منحة".

تهتم مؤسسة ماجرو بنشر الوعي عن الإعاقات المختلفة، فيما تساعد المتعايشين مع التوحد على استكمال دراستهم عقب التعليم الجامعي، بالاتفاق مع الجامعات المختلفة.

صورة 6

لخوف من المجهول طارد ماجرو دائما، خاض معاركه اليومية مع ما سيحدث غدا، التغيير المحتمل والأناس الجدد الذين سيتعرف عليهم، لكنه وعقب أربع سنوات من الدراسة، بات أول طالب متعايش مع التوحد يتخرج من جامعة "ويسكنسن وايت ووتر"، في كلية إدارة الأعمال، قبل أن يستمر بطريقه ويحصل على الدكتوراه في تكنولوجيا التعليم من جامعة نيو جيرسي.

أحلام ماجرو لا تسعها السماء؛ كتاباته لا تتوقف، نصائحه للآباء والأمهات مستمرة، مازال يواجه إعاقته بدأب، يعينه عليها رسائل المحبة وكلمات الود من المتعايشين مع الاضطراب "بعضهم بات قائدا في مجتمعه، يساعد الباقين ويحفزهم"، أمامه الكثير من العمل، فـ1.68 من سكان الولايات المتحدة يعانون من المرض "وعلينا مساعدتهم قدر المستطاع وإدماجهم في المجتمع".

فيديو قد يعجبك: