إعلان

من الجدة للحفيدة.. أسرة مسيحية تبيع الكنافة والقطايف في رمضان

04:46 م الخميس 09 مايو 2019

أسرة مسيحية تبيع الكنافة والقطايف

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب وصور- عبدالله عويس:

«الدين لله والأكلة الحلوة للجميع»، ذلك ما يؤمن به عمرو محمد، الذي اعتاد منذ صغره، شراء الكنافة والقطايف من يد «أم أشرف» السيدة المسيحية التي تخطت الـ70 عاما، بينما يتبادل الاثنان التهنئة بشهر رمضان، وعلى وجهيهما ابتسامة، وداخل المحل كانت العجوز رفقة ابنها وأحفادها، يعملون بكامل جهدهم لتوفير احتياجات الزبائن من كنافة وقطايف، بينما ترتفع من داخل المحل ابتهالات الاحتفال بقدوم الشهر الكريم.

1

منذ سنوات طويلة، خرج «بولس خلف الله»، من مركز البداري في محافظة أسيوط، جنوب البلاد، طمعًا في تحقيق ثروة سريعة في القاهرة الكبرى، واستقر في عزبة رستم بشبرا الخيمة، فبدأ بالعمل في بيع الكنافة والقطايف على تروسيكل، وهو العمل الذي اعتاده في أسيوط، ثم قرر أن يكون منتجا لا بائعا فحسب، فتعلم كافة تفاصيلها، وكانت زوجته «زليفة حبيب» تساعده في العمل، وتعرفت منه على كثير من أسرار تلك المهنة، ولم يرحل الرجل إلا بعدما كان أولاده جميعا يتقنون الصنعة.

2

كان على زليفة القيام بشؤون المحل بعد وفاة زوجها: «لما مات بولس، كان العيال كبروا وإيدهم في الصنعة، وطول الوقت كنت معاهم في الشغل»، تحكي وهي تضع القطايف داخل ورق وتقوم بوزنها، ويناولها حفيدها كرم ورقا جديدا، حتى تلف داخله مجموعة جديدة: «شغالة من ساعة ما كانت الكنافة بـ140 قرش، وأفهم كل حاجة في الشغلانة بيع وشراء، وخامات ومستلزمات».

3

منذ الـ6 صباحا وحتى الـ2 بعد منتصف الليل، تجلس زليفة داخل المحل، تعمل بكل طاقتها، ورغم المجهود الكبير والتعب الذي تلاقيه، إلا أن رمضان بالنسبة لها موسم لا ينبغي أن يمر إلا بمكسب معقول، ومساحة لتهنئة جيران المحل وزبائنه، بالشهر الكريم، كما اعتادت منذ سنوات عملها في ذلك المجال.

4

يقف على بعد خطوات منها ابنها أيمن، له في تلك الصنعة 28 عاما، ويشرف على كل التفاصيل، ويلبي احتياجات الزبائن، واحتياجات العمال الذين أتوا خصيصا للعمل في رمضان: «أمي ربنا يديها الصحة شايلة معانا، وبتقف تساعد، وأنا ومراتي وعيالي هنا كل واحد شغال وكل واحد بيعمل حاجة».

5

أغاني رمضان تخرج من مكبر صوت أمام المحل، وفانوس صغير الحجم معلق على بابه، وعبارات التهنئة بالشهر الكريم في كل مكان، والتهنئة بالشهر الكريم على ألسنة البائعين والعمال والزبائن والمارة كذلك، وصورة للعذراء تستقر في واجهة المحل، وأخرى تزين أحد الموازين، ينظر لها أيمن قبل أن ينطق: «الكنافة والقطايف لا تعرف مسلم ولا مسيحي، الأكلة الحلوة ملهاش دين، وزي ما مسلمين بيشتروها مسيحين كمان بيشتروها وفي رمضان مخصوص عشان موسمها، وده كله تسامح ومحبة» يحكي الرجل، بينما كانت طفلته جوليانا التي لم تتخط الـ13 عاما، ترفع القطايف من الماكينة الآلية المخصصة لها، وكان كرم وبولس يساعدانها أحيانا، ويساعدان جدتهم في أحيان أخرى.

6

«في جارة لينا مسلمة شغالة معانا اليومين دول، وفي ناس جم من البلد مخصوص للشغل في الموسم ده»، قالها أيمن ومن خلفه صورة لوالده على واجهة المحل،ويتمنى أن يحافظ أولاده على ذلك العمل، فأسرته ورثته أبا عن جد، وتعمل فيه على مدار العام، لكنه ينشط في رمضان: «يعني أنا اتعلمته من أبويا، وأبويا اتعمله من جدي، وناوي أعلمه لعيالي وعشان كده بخليهم يتفرجوا ويمدوا إيديهم في الشغل». قالها قبل أن تنادي عليه سيدة مسيحية رغبت في بعض القطايف لتعدها بنفسها، قبل أن تهديها لجارتها: «متعودة كل سنة بجيب كام كيلو وبعمله لجارتي، كإني بقولها كل سنة وهي طيبة بس بشكل عملي» تحكي ماجدة زكي، وهي تشير إلى أيمن باختيار الحجم الأكبر من القطايف، ثم تشكره وتنصرف.

98

ترتبط حلوى الكنافة والقطايف في معظم البلدان العربية بشهر رمضان، وتشير كثير من الروايات إلى أنها عرفت في عصر الدولة الأموية، وصنعت خصيصا للخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان، وقدمت له في السحور أثناء ولايته في دمشق، حتى أنها ترتبط باسمه فيقال أحيانا «كنافة معاوية»، ثم ازدهرت صناعة الحلويات بعد ذلك في القاهرة، وصارت لها أشكال عدة، في عصور لاحقة كالفاطمي والأيوبي والمملوكي، بينما هناك رواية أخرى تشير إلى أن تاريخ الكنافة بدأ في مصر في العصر الفاطمي، عند دخول الخليفة المعز لدين الله الفاطمي للقاهرة، فاستقبله الأهالي بعد الإفطار بالهدايا والفوانيس وقدمت له الكنافة كأحد مظاهر التكريم ثم انتقلت بعد ذلك إلى بلدان أخرى، لكن ذلك كله لا يشغل بال زليفة حبيب، طالما أم الحلوى تباع، ولها زبائن يقفون في طوابير طويلة للحصول عليها، كأحد مظاهر الابتهاج بشهر رمضان.

10

لكل واحد في المكان دوره، ولا مساحة لأحد بالتراخي في العمل، فمن شأن ذلك تعطيل البيع، ولأن المحل يقع بسوق شعبية وله سنوات طويلة، فإن زبائنه كثيرون: «أنا فضلت بتاع 5 سنين بشتري كنافة ومعرفش أصلا إنهم مسيحيين، اكتشفت ده بالصدفة لما شفت صورة العدرا على الميزان، بس ولا فرق معايا، عمايلهم حلوة للكنافة وده الأهم» قالها عبدالغفار صالح، وهو ينتظر دوره في الحصول على كيلوات من الكنافة له ولأولاده، ووبسحب الرجل فإن المعاملة الطيبة بين العاملين في المحل وبين الزبائن، تدفعه في كل عام للشراء من نفس المكان: «رايح لعيالي زيارة، فبجيبلهم من هنا كنافة بلدي عشان بيحبوها».

11

حين تطرأ أزمة في المحل، يتصل أيمن بأحد شقيقيه أشرف أو هاني، ويعمل كلاهما في بيع الكنافة والقطايف كذلك، فيوفران للمحل ما يحتاج من عمالة أو مستلزمات، ولدى أشرف في تلك الصناعة عمر طويل بدأ منذ كان صبيا في الـ12 من عمره، واستقل في محل لوحده بعد سنوات من العمل لدى أبيه، الذي توفي منذ سنوات وترك العمل لأولاده: «في مننا اللي كمل في المحل القديم الأساسي، واللي اشترى لنفسه محل، واللي بقى شغال طول السنة واللي بيفتح رمضان بس».

1213

لدى أشرف 49 عاما، وهو أكبر إخوته، وكان يعد الكنافة بمحله، على فرن بلدي، قرر أن يضيف له عدة رسوم بدلا من أن تكون الأحجار صماء باللون الأبيض فحسب، وخلال رحلة بحثه عن شخص يرسم له فانوس رمضان، عثر على خطاط يبحث هو الآخر عن عمل في ظل ظروف صعبة على أبناء كاره: «فقلت أعملها منظر بدل ما هي سادة كده، وكان في دماغي كذا حاجة تترسم وتتكتب بس استقريت على فانوس رمضان، عشان أبقى بقول للناس مسلمين ومسيحين كل سنة وأنتم طيبين» قالها بينما يدرب ابنه الصغير على صناعة الكنافة والقطايف، ليستمر في العمل من بعده. بينما يعمل هاني الشقيق في إحدى الشركات الزراعية، وفي شهر رمضان يبني فرنا للكنافة بمدينة السلام في القاهرة: «وعمر ما فرق معانا كلام بقى ده مسلم ومسيحي، المهم الحاجة وإنت بتاكلها تبقى حلوة، وإن التعامل بيننا يفضل كله محبة وجيرة».

14

يبيع المحل الذي تعلو لافتته عبارة «كنافني الحبايب» الكنافة بـ17 جنيها للكيلو والقطايف كذلك، ورغم أن ذلك السعر مرتفع بالنسبة إلى سنوات ماضية، إلا أن المبيعات جيدة بحسب أيمن، الذي يشتري طن الدقيق اللازم لصناعة الكنافة والقطايف بـ6 آلاف جنيه، ووصلت سعر أنبوبة الغاز إلى 130 جنيها، ورغم تلك الزيادة إلا أن الإقبال على الشراء لم يتأثر: «في مكسب حلو وربنا اللي بيرزق، وكل سنة وإحنا مسلمين ومسيحين طيبين».

15

16

فيديو قد يعجبك: